القرآن والوحي وتنزلاته

اقرأ في هذا المقال


القرآن : هذا الاسم في اللغة : على أصحِّ الآراء مصدر على وزن غُفران ، بمعنى القراءة ، ومنه قوله تعالى ﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦۤ (١٦) إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ (١٧) فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ (١٩)﴾ [القيامة ١٦-١٩]

وأمَّا تعريف القرآن اصطلاحاً : فقد تعدَّدت تعاريف العلماء للقرآن بسبب تعدُّد الزوايا التي ينظر العلماء منها للقرآن وعن كان التعبير بأنَّه الكلام المعجز كافياً ونحن نختار التعريف المناسب فنقول :

تعريف القرآن

القرآن هو كلام الله المنزل على النبي محمد صلى الله صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، المعجز ولو بسورة منه.

كلام الله المنزل : وتتضمَّن هذه الجملة عدَّة أمور منها :

  • إبعاد كل كلام لغير الله – مهما كان عظيماً – عن أن يُسمَّى قرآناً ، وسواءً في ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلَّم أو غيره من الإنس والجن والملائكة ، فكل ذلك لا يسمَّى قرآناً .
  • قوله على محمد : احتراز عما أنُنزل على الأنبياء السابقين ، كالتوراة والإنجيل ، والزبور وغيرها ، فلا يسمَّى شيء منها قرآناً .
  • المكتوب في المصاحف : وهذه مزية للقرآن أنَّه دُوِّن وحُفظ بالكتابة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبإشرافه واعتنائه الزَّائد .

ثمَّ لمَّا قامَ الصَّحابة رضوان الله عليهم بجمع القرآن في المصحف وكُتبت المصاحف في عهد عثمان ، أجمع الصحابة على تجريد المصحف من كل ما ليس قرآناً ، وقالوا جرِّدوا المصاحف، فمن أدَّعى قرآنية شيء ليس في المصاحف فدعواه باطلة كاذبة، وهو من المفترين على الله ورسوله .

  • المنقول بالتواتر : أي أنَّ القرآن قد نقله جمعٌ غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب ولا وقوع الخطأ منهم صدفة، وهذا الجمع الضخم ينقل القرآن عن جمع مثله وهكذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يفيد العلم اليقيني القاطع بأنَّ هذا القرآن هو كلام الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم .

وهذه خصوصية ليست لغير القرآن من كتب السَّماء ، فإنَّ الكتب السابقة لم يُتح لها الحفظ نقلاً متواتراً جيلاً عن جيل .

أمَّا القرآن فقد جعل الله فيه قابلية عجيبة للحفظ ، كما قال الله تعالى : ﴿وَلَقَد تَّرَكۡنَـٰهَاۤ ءَایَةࣰ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ (١٥) فَكَیۡفَ كَانَ عَذَابِی وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدۡ یَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرࣲ (١٧)﴾ [القمر ١٥-١٧]

بل إنَّ هذه الخصوصية ، خصوصية حفظ القرآن في الصدور بلغت مبلغاً عجيباً ، فهذه أمم العجم، تحفظ القرآن عن ظهر قلب حفظاً متيناً لا يتطرَّق إليه خلل ولا بكلمة واحدة، ولا تفريط في حكم تجويد، وتجد أحدهم مع حفظه هذا لا يدري من العربية شيئاً .

  • المتعبَّد بتلاوته : أي أنَّ مجرَّد تلاوة القرآن عبادة يثاب عليها المؤمن، ولو لم يكن استحضر نية منه، وقد وردت نصوص كثيرة غزيرة في الحضِّ على تلاوة القرآن وبيان فضله منها : ١- [عن عثمان بن عفان:] خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ، قالَ: وأَقْرَأَ أبو عبدِ الرَّحْمَنِ في إمْرَةِ عُثْمانَ، حتّى كانَ الحَجّاجُ قالَ: وذاكَ الذي أقْعَدَنِي مَقْعَدِي هذا. صحيح البخاري ٥٠٢٧   
    وما جاء عن  ١- [عن عمر بن الخطاب:] ، أنَّ نافِعَ بنَ عبدِ الحارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بعُسْفانَ، وَكانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ على مَكَّةَ، فَقالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ على أَهْلِ الوادِي، فَقالَ ابْنَ أَبْزى، قالَ: وَمَنِ ابنُ أَبْزى؟ قالَ: مَوْلًى مِن مَوالِينا، قالَ: فاسْتَخْلَفْتَ عليهم مَوْلًى؟ قالَ: إنَّه قارِئٌ لِكِتابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وإنَّه عالِمٌ بالفَرائِضِ، قالَ عُمَرُ: أَمّا إنَّ نَبِيَّكُمْ صَلّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قدْ قالَ: إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتابِ أَقْوامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ. مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٨١٧  وقد ألَّف العلماء كتب كثيره في فضله وعلومه .
  • المعجز ولو بسورة منه :

الإعجاز أعظم خصائص القرآن، حتَّى لو عُرف القرآن بهذه الصفة “الكلام العجز ” لكفى ذلك تمييزه والتعريف به قال تعالى ” (٨٧) قُل لَّىِٕنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰۤ أَن یَأۡتُوا۟ بِمِثۡلِ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا یَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضࣲ ظَهِیرࣰا (٨٨)﴾ [الإسراء ٨٧-٨٨] وقال تعالى ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُوا۟ بِسُورَةࣲ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُوا۟ شُهَدَاۤءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾ [البقرة ٢٣] وهذا الإعجاز برهانٌ قاطعٌ على أنَّ كلام الله ، وأنَّه الحق الذي يجب الإيمان به واتباعه، والحذر من مخالفته .

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه  ١- [عن علي:] ستكونُ فتنٌ كقطعِ الليلِ المظلمِ. قلتُ: يا رسولَ اللهِ، وما المخرجُ منها؟ قال: كتابُ اللهِ تبارك وتعالى، فيه نبأُ مَن قبلَكم، وخبرُ ما بعدَكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ، ليس بالهزلِ، من تركه من جبّارٍ، قصمَه اللهُ، ومن ابتغى الهدى في غيرِه، أضلَّه اللهُ، هو حبلُ اللهِ المتينُ، ونورُه المبينُ، والذكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تلتبسُ به الألسنةُ، ولا تتشعَّبُ معه الآراءُ، ولا يشبعُ منه العلماءُ، ولا يملُّه الأتقياءُ، ولا يَخْلَقُ عن كَثْرةِ الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبُه، وهو الذي لم تنتَه الجنُّ إذ سمِعَتْه أن قالوا: {إِنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: ١]، من علِم عِلْمَه سبق، ومن قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أُجِرَ، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيمٍ . تفسير القرطبي ١/١٠  .

أسماء القرآن :

للقرآن خمسة أسماء مشهورة وقد عرفنا أنَّ لفظة القرآن هي أشهر أسماء القرآن الكريم ، بل هي الاسم العلم الدال على كتاب الله، وللقرآن أسماء كثيرة يشير إليها كل منها جانب من خصائص القرآن أو فضائله، أو أهدافه ، وقد عُني العلماء باحصائها واستقصائها وشرحها وقد صنِّف الحرالي جزءاً وأنهى أساميه إلى نيف وتسعين اسماً وقال القاضي أبو المعالي : أعلم أنَّ الله تعالى سمَّى القرآن بخمسة وخمسين اسماً منها الكتاب، والرَّحمة حكمة ومنها النور، هدى ، رحمة ،عليَّا ، مهيمن .
ومن أشهر الأسماء وأعرفها  :

  • الكتاب : فهو مصدر كتب كتابة وأصلها الجمع، وسُميت الكتابة لجمعها الحروف فاشتقَّ الكتاب لذلك لأنَّه يجمع أنواعاً من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة ويسمَّى المكتوب كتاباً مجاز قال تعالى ” فِی كِتَـٰبࣲ مَّكۡنُونࣲ (٧٨) لَّا یَمَسُّهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٨٠)﴾ [الواقعة ٧٤-٨٠] وهذه المادَّة مأخوذة من في أصلها من الكتب ،أي الجمع ، وسمِّي القرآن بذلك لأنَّه يجمع أنواعاً من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة ،يقول تعالى ﴿ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلۡكِتَـٰبُ لَا رَیۡبَۛ فِیهِۛ هُدࣰى لِّلۡمُتَّقِینَ﴾ [البقرة ٢]
  •  القرآن : وأمّا القرآن فقد اختلفوا فيه فقيل : هو اسم غير مُشتق من شيء بل هو اسم خاص بكلام الله، وقيل : مشتق من القري وهو الجمع وقال الهروي : كل شيء جمعته فقد قرأته ، قال الرَّاغب : سُمي : قرآناً لكونه جمع ثمرات الكتب المنزلة السَّابقة . قال تعالى ” (٧٦) إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانࣱ كَرِیمࣱ (٧٧) فِی كِتَـٰبࣲ مَّكۡنُونࣲ (٧٨) لَّا یَمَسُّهُۥۤ إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٨٠)﴾ [الواقعة ٧٤-٨٠]
  •    الفُرقان : لأنَّه فرَّق الله فيه بين الحقِّ والباطل ، والمسلم والكافر والمنافق قال تعالى ﴿تَبَارَكَ ٱلَّذِی نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِیَكُونَ لِلۡعَـٰلَمِینَ نَذِیرًا﴾ [الفرقان ١]
  •  النور : ومناسبة هذه التسمية أنَّ القرآن يكشف الحقائق ويجلوها ببيانه الناصع ،” وبرهانه السَّاطع ، ويجعلنا ندرك غوامض الحلال والحرام ، وما لا يستقل العقل بالتوصُّل إليه من علومِ العقيدةِ والشريعة وغيرها ﴿ٱلَّذِینَ یَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِیَّ ٱلۡأُمِّیَّ ٱلَّذِی یَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ یَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَیُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّیِّبَـٰتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیۡهِمُ ٱلۡخَبَـٰۤىِٕثَ وَیَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَـٰلَ ٱلَّتِی كَانَتۡ عَلَیۡهِمۡۚ فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ مَعَهُۥۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [الأعراف ١٥٧]
  •  الذِّكر : وسبب تسميته ذكراً : فِلما فيه من المواعظ والتحذير وأخبار الأمم الماضية وهو مصدر ذكَرت ذِكراً والذكر :االشَّرف ﴿لَقَدۡ أَنزَلۡنَاۤ إِلَیۡكُمۡ كِتَـٰبࣰا فِیهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [الأنبياء ١٠] .
  • الموعظة ﴿هُوَ یُحۡیِۦ وَیُمِیتُ وَإِلَیۡهِ تُرۡجَعُونَ (٥٦) یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَاۤءَتۡكُم مَّوۡعِظَةࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَاۤءࣱ لِّمَا فِی ٱلصُّدُورِ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ (٥٧)﴾ [يونس ٥٦-٥٧]

المصدر: البرهان في علوم القرآن - الزركشي تفسير القرطبي علوم القرآن - نور الدين عتر


شارك المقالة: