عقوبة العزل

اقرأ في هذا المقال


العزل كعقوبة تبعية:

قد يكون العزل عقوبة تبعية، فيلحق المحكوم عليه من تلقاء نفسه دون حاجة إلى النص عليه في الحكم بجانب العقوبة أو العقوبات الأصلية، وقد سبق في معرض الكلام على عزل القاضي للرشوة أن الفقهاء قد فرقوا ذلك بين حالتين:

  • حالة ما إذا ولى القضاء بالرشوة: فإن الصحيح عند الحنفية أن ينعزل عن القضاء لتوليته. ففي هذه الحالة يحصلُ الانعزال من تلقاء نفسه، ودون أن ينص عليه في حكم، وذلك بجانب تعزيره بعقوبات أخرى لجريمة الرشوة.
  • وحالة من صحت تَوليتهُ القضاء، ثم أخذ الرشوة بعد ذلك أو سرق أو شرب الخمر، فإنه يستحقُ العزل وجوباً فيجبُ عزله. وهو الظاهر عند مذهب أبي حنيفة، ففي هذه الحالة لا يحصل العزل من تلقاء نفسه، بل يجب أن يحكم به بجانب العقوبات التعزيرية الأخرى حتى يلحق بالمحكوم عليه.

وفي الكلام عن جور القاضي فقد ذكر السرخسي: أن القاضي إذا قضى بحدٍ أو قصاص أو مال وأمضاهُ ثم قال: قضيتُ بالجور وأنا أعلم ذلك ضمنهُ في ماله وعزرَ وعزل عن القضاء. وقال: إن هذا دليل عند الحنفية على أن القاضي لا ينعزلُ بالجور، ولكن يستحق عزلهُ؛ لأن الفسقَ عندهم لا يمنع صحة تقلده ابتداء. فلا يمنع البقاء بطريق الأولى، وذلك بخلاف الرأي عند المعتزلة، فهو عندهم ينعزلُ بالجور، وتُقلد الفاسق عندهم لا يصحُ ابتداء، بناءً على أصلهم أن الفسق بخرجٍ من الإيمان؛ لأن اسم الفسق اسم ذم، واسم الإيمان اسم مدح، فلا يجتمعان، وذلك معروف من مذهبهم في القول بالمنزلة بين المنزلتين.
ويوافق الشافعي المعتزلة في أن هذا القاضي ينعزلُ، بناءً على أصله أن الإيمان ينتقص بالفسق، وأن التقليد ممّن قلده كان على ظن أداء الأمانة، فلا يبقى حكمه بعد الخيانة.
ونستنتج من أن الانعزال في حالة تولي القضاء بالرشوة، وفي حالة القاضي الذي يقضي بالجور عند الشافعي والمعتزلة، يحصل من تلقاء نفسه دون أن ينصُ عليه في حكم، ويتبع العقوبة الأصلية على الرشوة أو الجور، فهو من هذه الناحية يُشبه العقوبة التبعية، وإن كان لا ينطبق على هذا الوصف بالاصطلاح الحديث؛ لأن الاصطلاح الحديث يقضي بأن تكون هذه العقوبة تابعة لعقوبةٍ أصلية صدر بها حكم، ولكن هذا يحدثُ تِبعاً للجريمة نفسها كنتيجة من نتائجها، وإن لم يصدر حكم بعقوبة أصلية.

المصدر: كتاب التعزير في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد العزيز عامر.كتاب الحدود في الإسلام من فقه الجريمة والعقوبة، للدكتور عيسى عبد الظاهر.كتاب التعزير في الإسلام، للدكتور أحمد فتحي بهنسي.كتاب الحدود والتعزيرات عند ابن القيم دراسة وموازنة، تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد.


شارك المقالة: