الفكر الهلنستي في الفلسفة الرواقية

اقرأ في هذا المقال


تطورت الرواقية من السخرية لكنها كانت أكثر تركيزًا وتنظيمًا من الناحية العقائدية، بينما تجاهل الساكنون إلى حد كبير مجالات الدراسة النموذجية، وقد اعتنق الرواقيون الفيزياء والمنطق والأخلاق وقاموا بخطوات واسعة خاصة في المنطق.

أشهر فلاسفة الرواقية:

كان زينو من سيتيوم الذي ولد عام حوالي 334، والمتوفى في عام 262 قبل الميلاد وهو مؤسس المدرسة الرواقية، التي سُميت على اسم ستوا بويكيل (Stoa Poikile) رواق مطلي حيث كان الرواقيون يجتمعون بانتظام.

كانت هذه بداية لتقليد طويل وقوي استمر حتى العصر الإمبراطوري، وفي الواقع كان الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس المولود في عام 121 والمتوفى في عام 180م من أشهر علماء الأخلاق الرواقيين، وإبيكتيتوس هو عالم أخلاقي رواقي مشهور آخر حمل أيضًا تقليد الرواقية إلى ما بعد الفترة الهلنستية، على الرغم من أنّ الرواقيين قطعوا خطوات واسعة في المنطق بعد أرسطو، إلّا أنّ تركيز هذه المقالة ينصب على الفيزياء الرواقية ونظرية المعرفة والأخلاق.

الفيزياء:

كما أوضح بيير هادوت بأنّ الرواقيون درسوا الفيزياء من أجل فهم حياتهم بشكل أفضل، ولكي يعيشوا حياة أفضل: “كانت الفيزياء الرواقية لا غنى عنها للأخلاق لأنّها أظهرت للناس أنّ هناك بعض الأشياء التي ليست في قوتهم ولكنها تعتمد عليها أسباب خارجية، وأسباب مرتبطة بطريقة ضرورية وعقلانية“، ومثل المتشائمون سعى الرواقيون للعيش وفقًا للطبيعة، ولذا سمحت لهم الدراسة الدقيقة للطبيعة بالقيام بذلك بشكل أكثر فاعلية.

كان الرواقيون ماديين وإن لم يكونوا ماديين كاملين مثل الأبيقوريين، أيضًا لا يمكن للصدفة أن تلعب دورًا في كون الرواقيين المنظم والعقلاني تمامًا والمحدد سببيًا، ونظرًا لأننا جزء من هذا الكون فإنّ حياتنا أيضًا محددة سببيًا وكل شيء في الكون موجه غائيًا نحو تحقيقه العقلاني، وأفاد ديوجينيس لايرتيوس أنّ الرواقيين رأوا المادة على أنّها سلبية وأنّ الشعارات (الإله) نشطة، وأنّ هذا الإله يدير كل الأمر كمبدأ تنظيمه، وتتجلى هذه الألوهية في أعماقنا من خلال قدرتنا على التفكير، وعلى أي حال الكون كما يوحي الاسم وحدة وهو إلهي.

نظرية المعرفة:

تأتي المعرفة التي نمتلكها عن العالم إلينا مباشرة من خلال حواسنا وتؤثر في نفسها على اللوح الفارغ لأذهاننا، وتسمح لنا المعلومات المجردة التي تأتي إلينا عبر الحواس بمعرفة الأشياء، ولكن أحكامنا على تلك الأشياء يمكن أن تقودنا إلى الخطأ، وكما تقول هادوت عن ما يسمى بالعروض الموضوعية: “فهي لا تعتمد على إرادتنا، بل إنّ خطابنا الداخلي يعلن ويصف محتواها، وإمّا أن نعطي أو نحجب موافقتنا عن هذا النطق”.

قد تكون هناك مشكلة كامنة هنا فيما يتعلق بمعيار الحقيقة، والتي بالنسبة للرواقيين هي ببساطة تطابق فكرة المرء عن الموضوع مع الموضوع نفسه، وإذا كان صحيحًا أنّ تطابق أوصافنا للكائن مع الكائن الفعلي يمكن أن يجلب لنا المعرفة فكيف يمكننا أن نتأكد من أنّ أوصافنا تتطابق حقًا مع الكائن؟ فبعد كل شيء إذا لم يكن انطباع الحس المجرد هو الذي يجلب المعرفة ولكن وصفي الصحيح للكائن، فيبدو أنّه لا يوجد معيار يمكنني من خلاله التأكد من صحة وصفي.

الأخلاق:

تحثنا الأخلاق الرواقية على التخلص من رغباتنا ونفورنا، خاصةً عندما لا تتوافق هذه الرغبات والنفور مع الطبيعة، على سبيل المثال الموت طبيعي والنفور من الموت سيجلب البؤس، ويمكن تلخيص الأخلاق الرواقية بشكل أفضل في الفقرة الأولى من كتيب ابكتيتوس الذي أوضح فيه بأنّ بعض الأشياء متروكة لنا والبعض الآخر لا يعود إلينا، كما أنّ آرائنا ودوافعنا ورغباتنا ونفورنا وباختصار كل ما نفعله نحن وأجسادنا ليست متروكة لنا ولا ممتلكاتنا أو سمعتنا أو مكاتبنا العامة أو أي شيء لا نفعله نحن، وكذلك الأشياء التي تعود إلينا هي بطبيعتها حرة وبدون عوائق ودون حواجز.

وأضاف أيضًا بأنّ الأشياء التي ليست في أيدينا هي الأشياء الضعيفة والمستعبدة والمعوقة وليست ملكنا، وإذا كان المرء تعتقد أنّ ما هو لك فقط هو ملكك وأنّ ما ليس لك هو ليس ملكك فلن يقوم أحد بإجبارك، ولن يعيقك أحد ولن تلوم أحدًا ولن يكون لديك أعداء ولن يؤذيك أحد لأنّك لن تتأذى إطلاقًا.

قد يكون هذا التوضيح من الفيلسوف الرواقي ابكتيتوس صادمًا لنا اليوم، حيث أنّ العديد من الأشياء التي يخبرنا ابكتيتوس بتجنبها هي ما يُطلب منا متابعته، ولذلك قد نتساءل لماذا أجسادنا أو ممتلكاتنا أو سمعتنا أو ثروتنا أو وظائفنا ليست تحت سيطرتنا، فبالنسبة إلى ابكتيتوس الأمر بسيط بحيث تأتي الممتلكات وتذهب ويمكن تدميرها وضياعها وسرقتها وما إلى ذلك.

كما يتم تحديد السمعة من قبل الآخرين ومن المعقول الاعتقاد أنّه حتى أفضل الأشخاص سيكرههم البعض وحتى أسوأ الناس سيحبهم البعض، وحاول قدر استطاعتنا فقد لا نكسب الثروة أبدًا وحتى لو فعلنا ذلك فقد يتم فقدها أو تدميرها أو سرقتها، ومرة أخرى يعود تحديد الوظيفة العامة مثل السمعة إلى الآخرين، ولذا فإنّ القول المأثور: “يمكنك أن تكون أي شيء تريده في الحياة” ليس خاطئًا في ظل الأخلاق الرواقية فحسب، بل إنّه مضلل بشكل خطير لأنّه سيؤدي حتمًا إلى البؤس.

ولا بد أنّه فقط لأنني أعيش كما يوصي الفيلسوف ابكتيتوس فكيف يمكنني التأكد من أنني لن أتعرض للأذى أبدًا؟ وحتى لو وافقت تمامًا على أنّ شخصًا على سبيل المثال دفعني إلى أسفل سلسلة من الدرج قد ارتكب خطأه، وأنّ أفعاله الخاطئة ليست في سيطرتي ألن ما زلت أشعر بالألم؟ حيث إنّ الألم الجسدي بالنسبة للرواقيين لا يضر، بينما الضرر الحقيقي الوحيد هو عندما يؤذي المرء نفسه بفعل الشر، تمامًا كما أنّ الخير الحقيقي الوحيد هو العيش بامتياز ووفقًا للعقل.

في هذا المثال سأؤذي نفسي بالحكم على أنّ ما حدث لي كان سيئًا، وقد يعترض المرء هنا كما قد يعترض المرء على السخرية، وأنّ الأخلاق الرواقية تتطلب في النهاية قمعًا لما هو أكثر إنسانية عنا، وفي الواقع يقول الفيلسوف إبيكتيتوس أنّه: “إذا قبلت طفلك أو زوجتك فقل إنك تقبل إنسانًا، ولن تنزعج عندما تموت”، وبالنسبة للرواقيين فإنّ تأثرنا بالآخرين يبعدنا عن الهدوء.

ومع ذلك فإنّ تقبيل كائن بشري لا يعني تقبيل هذا الإنسان، فهذا الشخص الذي سيتأذى بشدة بمعرفة أنني أعاملهم فقط ككائن بشري، ولا أتصل بهم إلّا من خلال الإحساس بالواجب ويكون ذلك بدلاً من الشعور الحقيقي بالحب، والجدير بالذكر بأنّ تخاطر الأخلاق الرواقية بسحب إنسانيتنا منا لصالح مفهومها الخاص عن الألوهية.

المصدر: Ancient Greek PhilosophyGreek philosophyEmpiricus, Sextus, Outlines of Scepticism. Julia Annas and Jonathan Barnes eds. Cambridge: Cambridge University Press, 2000.This book gives a good overview of Hellenistic Skepticism, and contains helpful notes from Annas and Barnes.


شارك المقالة: