تاريخ الفلسفة العقلانية الإغريقية

اقرأ في هذا المقال



العقلانية في الفلسفة الغربية وجهة نظرها تعتبر العقل المصدر الرئيسي واختبار المعرفة، مع افتراض أن الحقيقة نفسها لها بنية منطقية بطبيعتها، يؤكد العقلاني على وجود فئة من الحقائق التي يمكن للعقل استيعابها مباشرة، ووفقًا للعقلانيين فإن مبادئ عقلانية معينة – خاصة في المنطق والرياضيات، وحتى في الأخلاق والميتافيزيقيا – تعتبر أساسية جدًا لدرجة أنّ إنكارها يعني الوقوع في تناقض، وبالتالي فإن ثقة العقلانيين في العقل والإثبات تميل إلى الانتقاص من احترامهم لطرق المعرفة الأخرى.

فيثاغورس:

كان فيثاغورس أول فيلسوف غربي أكد على البصيرة العقلانية، حيث يعد شخصية غامضة من القرن السادس قبل الميلاد، فقد لاحظ فيثاغورس أنه بالنسبة لمثلث قائم الزاوية، فإن المربع المبني على الوتر الخاص به يساوي مجموع تلك الموجودة على جوانبه، وأن النغمات الصوتية على العود تحمل علاقة رياضية بأطوال الأوتار، فهذا الطبيعة النهائية للواقع، فذهب فيثاغورس إلى تلخيص العقلانية الميتافيزيقية الضمنية في الكلمات – كل شيء رقم -، فلا بد من المحتمل أنّ فيثاغورس أنه استوعب رؤية العقلاني، التي رآها لاحقًا جاليليو – 1564–1642 -، في عالم تحكمه قوانين قابلة للصياغة رياضياً.

مع ذلك تكمن الصعوبة في هذا الرأي في أن العمل مع المسلمات وعلاقاتها مثل جدول الضرب، فهي مسلمات خالدة وغير متغيرة، ويفترض وجود عالم ثابت ويتجاهل الأشياء الخاصة المتغيرة للحياة اليومية، قوبلت هذه الصعوبة بجرأة من قبل العقلاني بارمينيدس – من مواليد 515 قبل الميلاد -، الذي أصر على أن العالم هو في الحقيقة كل ثابت وأن عالم التغيير والحركة هو وهم، أو حتى تناقض ذاتي.
ثم جادل تلميذه زينو من إيليا – 495 – 430 قبل الميلاد – كذلك بأن أي شيء يعتقد أنه يتحرك يواجه صفًا من النقاط اللانهائية في العدد، والتي يجب اجتيازها جميعها، ومن ثم لا يمكن أن تصل إلى هدفها ولا تتحرك على الإطلاق بالطبع، فالإدراك يخبرنا أننا نتحرك، لكن زينو الذي اضطر للاختيار بين الإدراك والعقل، تشبث بالعقل.

أفلاطون:

كان تمجيد البصيرة العقلانية فوق الإدراك بارزًا أيضًا في أفلاطون – حوالي 427 – 347 قبل الميلاد -، وقام سقراط – حوالي 470-399 قبل الميلاد – بتجسيد فطرة المعرفة من خلال استدعاء فتى عبد أمي، ورسم مربعًا في الرمال، ومضى قدمًا في استنباط منه خطوة بخطوة، وهذا دليل على نظرية في الهندسة التي لا يمكن أن يسمعها الصبي أبدًا في مضاعفة حجم المربع، ورسم مربعًا على القطر، ففي هذا السياق يصّر العقلانيون على أن هذه المعرفة مؤكدة وعالمية وغير متعلمة تمامًا.

أعجب أفلاطون بشدة بالمنطق الهندسي الصارم لدرجة أنه زُعم أنه نقش على باب أكاديميته عبارة “لا تدخل هنا أحد غير مطلع على الهندسة” الذي يمكن الوصول إلى أشكاله الشهيرة فقط للعقل وليس للحس، لكن كيف ترتبط بالأشياء المعقولة؟ هنا اختلفت إجاباته، ففي بعض الأحيان كان ينظر إلى الأشكال على أنها تقطير تلك الخصائص المشتركة لطبقة معينة بموجبها يحدد المرء أي شيء على أنه عضو فيه، وبالتالي فإن ما يجعل أي شيء مثلثًا هو وجود ثلاثة أضلاع مستقيمة، وهذا هو جوهرها.

في أوقات أخرى ، رأى أفلاطون أن الشكل هو هدف مثالي يجب الوصول إليه، أي هدف غير معقول يقترب منه الشيء المعقول، فالمثلث المثالي للمقياس الجغرافي الذي لم يكن أبدًا على البحر أو الأرض، على الرغم من أنّ كل المثلثات الفعلية تجسده بشكل أو بآخر، فلقد تصور أفلاطون الأشكال على أنها أكثر واقعية من الأشياء المعقولة التي هي ظلالها، ورأى أن الفلاسفة يجب أن يتغلغلوا في هذه الجواهر غير المرئية ويروا بأعينهم كيف ترتبط ببعضها البعض، فبالنسبة لأفلاطون شكلّوا نظامًا منظمًا كان في نفس الوقت أبديًا ومفهومًا وجيدًا.

أرسطو:

تصور خليفة أفلاطون أرسطو – 384-322 قبل الميلاد – عمل العقل بالطريقة نفسها تقريبًا، على الرغم من أنه لم ينظر إلى الأشكال على أنها مستقلة، تكمن مساهمته الرئيسية في العقلانية في منطقه المنطقي، الذي يُعتبر الأداة الرئيسية للتفسير العقلاني، فالعقل يشرح للبشر حقائق معينة من خلال إخضاعها للمبادئ العامة.

وهنا يتراود لنا أسئلة كمثل، لماذا يعتقد الفرد أن سقراط سيموت؟ لأنه بالتأكيد إنسان، والإنسان كائن فاني له عمر محدد ويموت، ولماذا يجب على الفرد أن يقبل المبدأ العام نفسه القائل بأن الإنسان كائن فاني؟ لا بد من أن الجواب يكون من خلال التجربة، فقد صمدت هذه المبادئ حتى الآن منذ ذلك الوقت دون استثناء.

لكن العقل لا يستطيع أن يهدأ أخيرًا في هذا النوع من التفسير، فلا يفهم البشر أبدًا حقيقة كاملة أو حدثًا بالكامل حتى يتمكنوا من وضعه في إطار مبدأ بديهي وضروري لديهم، بعد ذلك يضعون أوضح تفسير ممكن، وبناءً على هذه الفرضية المركزية للعقلانية، كان فلاسفة الإغريق الثلاثة فيثاغورس وأفلاطون وأرسطو متفقين.

لم يظهر أي شيء يمكن مقارنته من حيث الأهمية بفكرهم في الفلسفة العقلانية في 1800 سنة التالية، على الرغم من أن عمل القديس توما الأكويني – 1225-1274 – كان محاولة رائعة لدمج العقلانية اليونانية والوحي المسيحي في نظام واحد متناغم.

المصدر: أطلس الفلسفة، د.جورج كتورة، الطبعة الثانية 2007.مدخل إلى الفلسفة، أزفلد كولبه، الطبعة الأولى، عالم الأدب للبرمجيات والنشر والتوزيع، بيروت -لبنان. مدخل إلى الفلسفة، أ.هـ. آرمسترونغ، الطبعة الأولى 2009، المركز الثقافي العربي.مدخل إلى الفلسفة، د.إبراهيم يوسف النجار، الطبعة الثانية 2013، المركز الثقافي العربي.


شارك المقالة: