فلسفة أنسكومب في نظرية العمل

اقرأ في هذا المقال


كتاب نية لإليزابيث أنسكومب عام 1957 هي واحدة من كلاسيكيات فلسفة القرن العشرين، ففي الواقع لا يزال يمثل نقطة مرجعية قياسية لأولئك الذين يعملون في نظرية العمل وعلم النفس الفلسفي، ومثل فيتجنشتاين قدمت أنسكومب أفكارها في نقاط موجزة وأقسام مرقمة، ومع ذلك طورت أنسكومب نهجها المميز للتحليل الفلسفي، فكتاباتها أكثر مباشرة وجدلية من كتابات فيتجنشتاين، فالنية هي عمل على طبيعة الفاعلية من خلال فهم النية.

فلسفة أنسكومب في كتاب النية:

تلاحظ أنسكومب أنّ (النية) تظهر في لغتنا بعدة طرق من خلال مواقع مختلفة الثلاثة هي:

1- (A) هو (x-ing) عن قصد أي (ظرف).

2- (A) هو (x-ing) بقصد فعل (y) أي (اسم).

3- (A) يعتزم فعل (y) أي (الفعل).

كان التعبير (3) له علاقة بالنية وكان أحد اهتمامات أنسكومب هو توضيح التمييز بين (مبسط النية) والتصرف عن قصد، ويتعلق أحد الأسئلة المثيرة للاهتمام حقًا التي تنظر فيها بالاختلاف بين النوايا والتنبؤات، فكلاهما موجه نحو المستقبل، ويبدو أنّ كلاهما يتطلب الاعتقاد بحدوث حالة مستقبلية، ومع ذلك يبدو أنّ الاختلاف الجوهري هو أنّه عندما نبرر توقعًا مثل ستمطر غدًا فإننا نستخدم الأدلة، ومن ناحية أخرى عندما نبرر نية مثل: “سأذهب إلى محل الآيس كريم غدًا” ، فإننا نعطي الأسباب أي “الأسباب التي تجعلها مفيدة أو جذابة إذا تحقق الوصف، وليس بالأدلة على ذلك هذا صحيح”.

قد يستفسر مايكل براتمان عن هذا بالإشارة إلى أنّ نموذج الاعتقاد أو الرغبة في النية يفشل في وضع نموذج مناسب للدور التنظيمي الذي تلعبه النوايا في التداول العملي.

فلسفة أنسكومب وعلاقة الأسباب بالنية:

ومن رؤىها الأخرى أنّه عندما نصف فعلًا مقصودًا فإننا نشير إلى شيء يمكن من أجله تقديم أسباب، و(الأسباب) لا نعني (الأسباب)، ولذا فإنّ مثالها هو أنّه عندما يقرع شخص ما كأسًا من قد يعطي شرحًا أنّه رأى وجهًا في النافذة مما جعله يقفز، ويقدم هذا تفسيرًا سببيًا لسبب خلعه للزجاج عن الطاولة ولكنه لا يعطي سببًا، ولم يكن طرق الزجاج عن الطاولة متعمدًا رغم أنّه كان ناتجًا عن دهشته، ومن وجهة نظر أنسكومب يمكن أن يكون إجراء معين مقصودًا تحت وصف واحد ولكن ليس مقصودًا تحت وصف آخر.

فلسفة أنسكومب في مفهوم نية العمل:

علاوة على ذلك من وجهة نظرها يكون الإجراء المتعمد قبل نية العمل، بمعنى لفهم ما هو المقصود بالتصرف فيجب على المرء أن يفهم الفعل المتعمد، وعند القيام بعمل مقصود نتصرف بناءً على الأسباب، ونحصل على الادعاء بأنّ النوايا ضرورية للعمل المتعمد، ومع ذلك يمكن أن يكون هناك عمل غير مقصود لكنه سيكون مقصودًا تحت وصف آخر، فلقد استرشد تفسير أنسكومب للنوايا والعمل المتعمد بالكثير من الأدبيات اللاحقة حول هذا الموضوع، وتوسعت دونالد ديفيدسون في ادعاءاتها بشأن تحديد الفعل.

يُعرف هذا بأطروحة ديفيدسون/أنسكومب، ولكن ديفيدسون اختلف مع أنسكومب حول مسألة الأسباب كأسباب، فدافيدسون على عكس أنسكومب جادل بأنّ تفسير العقل للفعل هو أيضًا نوع من التفسير السببي للفعل، وعندما يشرح المرء فعلاً يستشهد بالاعتقاد والرغبة التي تسببت في الفعل، ويتوافق السبب بالمعنى الذي ذكرته أنسكومب مع ما رغب فيه الوكيل، ويتبع جورج ويلسون أنسكومب من حيث أنّه يعتقد أيضًا أنّ تفسير إجراء ما من حيث أسباب الفعل يستند إلى النية وراء الفعل، وسيثبت هذا إشكالية عندما ننظر إلى العلاقة بين فلسفة علم النفس وعلم النفس الأخلاقي.

فلسفة أنسكومب في مفهوم اتجاه الملاءمة:

واحدة من أهم الأفكار التي تم تناولها بالتفصيل في النية هي (اتجاه الملاءمة)، على الرغم من أنّ الفكرة قد نشأت مع جون لانجشو أوستن إلّا أنّ أنسكومب يُنسب إليها شرح واضح لها، فكان اتجاه الملاءمة هو الطريقة التي أشار بها جون سيرل إلى فكرة أنسكومب القائلة بأنّ هناك شيئين يمكننا القيام بهما بالكلمات، فأحيانًا نحاول جعل الكلمات تتطابق مع ما يوجد في العالم أو تتناسب معه، وفي أحيان أخرى نحاول اجعل العالم يتلاءم مع الكلمات.

تبين أنّ هذا مهم في نظرية فعل الكلام لأنّ أفعال الكلام تمثل اتجاهًا واحدًا للملاءمة، فعندما ينطق المرء بأمر على سبيل المثال لا يحاول المرء وصف العالم أو تقديم تأكيد من المفترض أن يتطابق مع ما هو موجود في العالم، وبدلاً من ذلك فإنّ الهدف هو إحداث حالة من الأمور في العالم.

أثبت (اتجاه الملاءمة) أنّه مفيد لفهم الاختلاف بين الحالات العقلية مثل الاعتقاد والرغبة، فالمعتقدات تصف العالم والرغبات ليست وصفية، فالرغبات تحدث التغيير في العالم، وبالتالي فإنّ الرغبات نفسها ليست صحيحة أو خاطئة، على الرغم من أنّها قد تكون مبنية على معتقدات صحيحة أو خاطئة، وبالتالي فإنّ الطريقة البديهية لتحديد وظيفة الاعتقاد والرغبة تساعد في توضيح نظريات المعيارية المختلفة وما هو على المحك بين تلك النظريات.

النظرية القائمة على الرغبة على سبيل المثال قد لا تكون ملتزمة بصدق أو زيف الادعاءات الأخلاقية، وهذا مهم أيضًا في تفسير الاختلافات بين المعرفة والتفكير التأملي أو النظري والمعرفة العملية والاستدلال، فقد طبقت أنسكومب آرائها على نية توضيح مواقفها بشأن الادعاءات المثيرة للجدل مثل إدانة وسائل منع الحمل، وأحد الأحجية في العقيدة الكاثوليكية التي تدين موانع الحمل.

ومع ذلك تسمح بطريقة الإيقاع لتجنب الحمل هو التوفيق بين الأسباب المنطقية بطريقة متسقة، واتهم الكثيرون الكنيسة بعدم الاتساق لأنّ نية عدم الحمل أثناء الجماع موجودة في كلتا الحالتين حيث تدعي أنسكومب أنّ النوايا تختلف.

ادعاءها هو أنّ النوايا الإضافية التي تصاحب هذه الإجراءات هي نفسها، ولكن نوع الفعل المتعمد الذي يقوم به المرء في كل حالة يختلف بطريقة مهمة للغاية، فادعاءها هو أنّ استخدام وسائل منع الحمل على عكس توقيت الجماع لتتزامن مع فترات العقم، هو نوع من التصرف السيئ لأنّه في حالة الجماع “أنّ النية في مثل هذا الفعل لا يعني نية عقد زواج على الإطلاق سواء كنا متزوجين أم لا”، وعندما ينخرط المرء في الجماع باستخدام موانع الحمل يكون لدى المرء نية أن يصيب نفسه بالعقم فإنّ المرء لا يتصرف بنية الانخراط في الجماع الطبيعي فقط في وقت العقم.

على الرغم من أنّ كلا النوعين من الإجراءات لهما هدف إضافي يتمثل في الحد من حجم الأسرة إلّا أنّ النوايا الأساسية مختلفة، أي أنّ النوايا التي تحدد الأفعال نفسها مختلفة، وتدّعي أنّ تحريف فعل الجنس في الزواج هو بهذه الطريقة مثل كتابة شيك مزور لسبب وجيه، ولنفترض أنّ النية الإضافية لمساعدة المحتاج هي نية جديرة ولكنها لا تبرر فعل تزوير الشيك، وغني عن القول أنّ هذا الرأي كان مثيراً للجدل إلى حد كبير.

انتقد برنارد ويليامز ومايكل تانر حجتها لفشلها في النظر في واحدة من أطروحاتها، وأنّ الأفعال بما في ذلك أنواع الأفعال يمكن أن تندرج تحت مجموعة متنوعة من الأوصاف، ومن وجهة نظرهم فهي تنتقي وتختار أوصاف الإجراءات من أجل الحصول على النتيجة التي تريدها، فالتمييز بين طريقة الإيقاع ومنع الحمل ليس مجرد تمييز تافه، ولكنهم يجادلون بأنّها لا تستطيع فعل ذلك بشكل مقنع.

كما يجادلون بأنّ الأزواج الذين يستخدمون طريقة الإيقاع يتخذون خطوات لتحقيق العقم مثل أولئك الذين يأخذون وسائل منع الحمل، وهذه الخطوات أساسية لفهم الأفعال نفسها وليس مجرد الغرض الإضافي للأفعال، كما برزت آراء أنسكومب حول النية بشكل كبير في دفاعها وتوضيحها لعقيدة التأثير المزدوج.

المصدر: Gertrude Elizabeth Margaret AnscombeG. E. M. Anscombe (1919—2001)Anscombe, G. E. M. Intention. Cambridge, MA: Harvard University Press, 2000.Anscombe, G. E. M. Human Life, Action and Ethics: Essays by G. E. M. Anscombe, edited by Mary Geach and Luke Gormally. Exeter, UK: Imprint Academic, 2005.Anscombe, G. E. M. Faith in a Hard Ground: Essays on Religion, Philosophy and Ethics by G. E. M. Anscombe, edited by Mary Geach and Luke Gormally. Exeter, UK: Imprint Academic, 2008.Anscombe, G. E. M. Ethics, Religion and Politics: Collected Philosophical Papers Volume III. Oxford: Basil Blackwell, 1981a


شارك المقالة: