أصول علم نفس الشخصية

اقرأ في هذا المقال


يعود تاريخ علم نفس الشخصية إلى اليونان القديمة؛ في الواقع حاول الفلاسفة منذ القرن الرابع قبل الميلاد تحديد ما يجعلنا بالضبط، في عام 370 قبل الميلاد اقترح أبقراط دعامتين للمزاج؛ ممّا أدى إلى تكوّن أربعة أنواع من مزيج من الصفات.

أصول علم نفس الشخصية:

النظريات الديناميكية النفسية للشخصية:

يعتمد أحد أهم الأساليب النفسية في علم نفس الشخصية لفهم الشخصية على تنظير الطبيب النمساوي وعالم النفس سيغموند فرويد، الذي أسس ما يُعرف اليوم بالنهج الديناميكي النفسي وهو نهج لفهم السلوك البشري يركز على دور الأفكار والمشاعر والذكريات اللاواعية، يعرف الكثير من الناس عن فرويد؛ لأنّ عمله كان له تأثير كبير على تفكيرنا اليومي في علم النفس والنهج الديناميكي النفسي هو أحد أهم مناهج العلاج النفسي.
ربما يكون فرويد هو الأكثر شهرة بين جميع علماء النفس، يرجع ذلك جزئياً إلى ملاحظاته وتحليلاته المثيرة للإعجاب بالشخصية كما هو الحال مع جميع النظريات، تبين أن العديد من أفكار فرويد العبقري غير صحيحة جزئياً على الأقل ومع ذلك لا تزال جوانب أخرى من نظرياته تؤثر على علم النفس، تأثر فرويد بعمل طبيب الأعصاب الفرنسي جان مارتن شاركوت الذي أجرى مقابلات مع المرضى الذين كانوا يعانون ممّا كان يُعرف في ذلك الوقت باسم الهستيريا.
على الرّغم من أنّه لم يعد يستخدم لوصف الاضطراب النفسي؛ إلّا أنّ الهستيريا في ذلك الوقت تشير إلى مجموعة من الأعراض الجسدية والشخصية التي تضمنت الألم المزمن والإغماء والنوبات والشلل، لم يجد شاركو أي سبب بيولوجي للأعراض؛ على سبيل المثال عانت بعض النساء من فقدان الإحساس بأيديهنّ ولكن ليس في ذراعيهنّ وبدا هذا مستحيل؛ نظراً لأنّ الأعصاب في الذراعين هي نفسها الأعصاب الموجودة في اليدين، كان شاركو يجرب استخدام التنويم المغناطيسي ووجد هو وفرويد أنه تحت التنويم المغناطيسي، أفاد العديد من المرضى الهستيريين بتجربة جنسية مؤلمة مثل الاعتداء الجنسي.
وجد فرويد وشاركوت أيضاً أنّه أثناء التنويم المغناطيسي غالباً ما كان تذكر الصدمة مصحوب بتدفق عاطفي يُعرف باسم التنفيس، كما أنّ أعراض المريض بعد التنفيس تخفض كثيراً في شدتها، قادت هذه الملاحظات فرويد وتشاركو إلى استنتاج أن هذه الاضطرابات كانت ناجمة عن عوامل نفسية وليست فيزيولوجية، استخدم فرويد الملاحظات التي قدمها هو وشاركو لتطوير نظريته فيما يتعلق بمصادر الشخصية والسلوك، كانت رؤاه مركزية في الموضوعات الأساسية لعلم النفس؛ فيما يتعلق بالإرادة الحرة لم يعتقد فرويد أننا قادرون على التحكم في سلوكياتنا.
بدلاً من ذلك كان يعتقد أن جميع السلوكيات محددة مسبقاً بدوافع تكمن خارج وعينا في اللاوعي، تظهر هذه القوى في أحلامنا وفي الأعراض العصابية مثل الهواجس أثناء التنويم المغناطيسي وفي “زلات اللسان” الفرويدية التي يكشف فيها الناس عن رغباتهم اللاواعية في اللغة، جادل فرويد بأننا نادراً ما نفهم سبب قيامنا بما نفعله على الرغم من أنّه يمكننا وضع تفسيرات لسلوكياتنا بعد وقوعها، بالنسبة لفرويد كان العقل مثل جبل جليد.

مراحل التطور النفسي الجنسي:

في أولى مراحل التطور النفسي الجنسي التي اقترحها فرويد والتي تبدأ عند الولادة وتستمر حتى حوالي 18 شهر من العمر، ينصب التركيز على الفم، خلال هذه المرحلة الفموية يحصل الرضيع على المتعة الجنسية عن طريق المص والشرب ، الرُّضع الذين يتلقون إما القليل جداً أو الكثير من الإشباع يصبحون مرتبطين أو محبوسين في المرحلة الشفوية ومن المرجح أن يتراجعوا إلى نقاط التثبيت هذه تحت الضغط حتى مع البالغين.
وفقاً لفرويد فإن الطفل الذي يتلقى القليل جداً من الإشباع الشفهي سيصبح معتمداً شفهياً كشخص بالغ ومن المرجح أن يتلاعب بالآخرين لتلبية احتياجاته بدلاً من أن يصبح مستقلاً، من ناحية أخرى فإنّ الطفل الذي أفرط في إطعامه أو فرط في الرضا سيقاوم النمو ويحاول العودة إلى حالة التبعية السابقة من خلال التصرف بلا حول ولا قوة والمطالبة بالرضا من الآخرين والتصرف بطريقة محتاجة؛ في المرحلة الشرجية تبدأ من حوالي 18 شهر إلى ثلاث سنوات.
خلال هذه المرحلة يرغب الأطفال في الشعور بالمتعة من خلال حركات الأمعاء ولكن يتم تدريبهم أيضاًعلى استخدام المرحاض لتأخير هذا الإشباع، يعتقد فرويد أنه إذا كان هذا التدريب على المرحاض إما قاسي جداً أو متساهل جداً، فسيصبح الأطفال مثبتين في مرحلة الشرج ويصبحون على الأرجح يتراجعون إلى هذه المرحلة تحت الضغط كبالغين.
إذا كان الطفل قد تلقى القليل من الإشباع الشرجي؛ أي إذا كان الوالدان قاسين للغاية بشأن التدريب على استخدام المرحاض، فإنّ شخصية البالغين ستكون بخيل مع السعي القهري للنظام والتنظيف، من ناحية أخرى إذا كان الوالدان متساهلين للغاية فإنّ الشخصية الطاردة للشرج تنتج عن عدم ضبط النفس والميل نحو الفوضى والإهمال؛ في المرحلة القضيبية التي تستمر من سن الثالثة إلى سن السادسة يكون التركيز على القضيب (للذكور) والبظر (للفتيات)؛ تصبح منطقة مثير للشهوة الجنسية الأولية للمتعة الجنسية.
خلال هذه المرحلة اعتقد فرويد أن الأطفال يطورون جاذبية قوية ولكن غير واعية للأب من الجنس الآخر، بالإضافة إلى الرغبة في القضاء على الوالد من نفس الجنس كمنافس، أسس فرويد نظريته عن التطور الجنسي عند الأولاد على الشخصية الأسطورية اليونانية أوديب الذي قتل والده عن غير قصد وتزوج والدته، ثم أغمض عينيه عندما علم بما فعله، جادل فرويد بأن الأولاد عادة ما يتخلون في النهاية عن حبهم للأم وبدلاً من ذلك يتعاطفون مع الأب ويتخذون أيضاً خصائص شخصية الأب.
لكن الأولاد الذين لا ينجحون في حل عقدة أوديب سيواجهون مشاكل نفسية لاحقاً في الحياة، على الرغم من أنّه لم يكن من الأهمية في التنظير فرويد، في الفتيات يعتقد فرويد أن الفتيات يعانين من حسد القضيب؛ فمن المفترض أن تشعر الفتيات بالحرمان لأنهنّ ليس لديهنّ قضيب.
في مرحلة الكمون هي فترة من الهدوء النسبي الذي يستمر من حوالي ست سنوات إلى 12 سنة؛ خلال هذا الوقت اعتقد فرويد أن الدوافع الجنسية قد تم قمعها؛ مما أدى إلى عدم اهتمام الأولاد والبنات بأعضاء الجنس الآخر، تبدأ المرحلة الخامسة والأخيرة وهي مرحلة الأعضاء التناسلية من حوالي 12 عام وتستمر حتى سن البلوغ، وفقاً لفرويد تعود الدوافع الجنسية خلال هذا الإطار الزمني وإذا استمر التطور بشكل طبيعي، يكون الطفل قادر على الانتقال إلى تطوير العلاقات الرومانسية الناضجة، لكن إذا لم يتم حل المشكلات السابقة، فمن المحتمل أن تكون هناك صعوبات في إنشاء روابط الحب الحميم.

المقاربات الفرويدية:

من المحتمل أن يكون لفرويد تأثير أكبر على فهم الجمهور للشخصية أكثر من أي مفكر آخر، فقد حدد أيضاً في جزء كبير منه مجالات علم النفس، على الرغم من أن علماء النفس الفرويديين لم يعودوا يتحدثون عن التثبيتات الشفوية أو الشرجية أو التناسلية؛ إلا أنّهم ما زالوا يعتقدون أن تجارب طفولتنا والدوافع اللاواعية تشكل شخصياتنا وارتباطاتنا بالآخرين، كما لا يزالون يستخدمون المفاهيم الديناميكية النفسية عند إجراء العلاج النفسي.
مع ذلك فإنّ نظريات فرويد وكذلك نظريات الفرويديين الجدد فشلت في كثير من الحالات في اجتياز اختبار التجريبية، نتيجة لذلك أصبحت أقل تأثير الآن مما كانت عليه في الماضي، تتمثل المشاكل أولاً في أنه من الصعب اختبار نظرية فرويد بدقة لأن التنبؤات التي تقدمها غالباً ما تكون غامضة وغير قابلة للدحض؛ ثانياً جوانب النظرية التي يمكن اختبارها غالباً لم يتلقوا دعم تجريبي كبير؛ كأمثلة على الرغم من ادعاء فرويد أن الأطفال الذين يتعرضون للتدريب القاسي على استخدام المرحاض سيصبحون مثبتين في مرحلة الشرج وبالتالي يكونون عرضة للنظافة المفرطة والبخل والعناد في مرحلة البلوغ.
إلّا أنّ الأبحاث وجدت القليل من الارتباطات الموثوقة بين ممارسات التدريب على استخدام المرحاض وشخصية البالغين، منذ عهد فرويد يبدو أن الحاجة إلى قمع الرغبات الجنسية أصبحت أقل ضرورة؛ لأنّ المجتمعات تسامحت مع مجموعة متنوعة من الممارسات الجنسية، مع ذلك فإن الاضطرابات النفسية التي اعتقد فرويد أنّنا سببها هذا القمع لم تنخفض، هناك أيضاً القليل من الدعم العلمي لمعظم آليات الدفاع الفرويدية؛ على سبيل المثال فشلت الدراسات في تقديم أدلة على وجود القمع.
هناك مشكلة خاصة لاختبار نظريات فرويد وهي أن أي شيء تقريباً يتعارض مع التنبؤ المبني على نظرية فرويد، يمكن تفسيره بعيداً من حيث استخدام آلية الدفاع، يمكن رؤية الرجل الذي يعبر عن الكثير من الغضب تجاه والده من خلال نظرية فرويد على أنّه يعاني من عقدة أوديب والتي تتضمن الصراع مع الأب، لكن الرجل الذي لا يعبر عن أي غضب على الإطلاق تجاه الأب قد يُنظر إليه أيضاً على أنّه يعاني من عقدة أوديب من خلال قمع الغضب؛ نظراً لأنّ فرويد افترض أنّ أيّاً منهما كان ممكن، لكنه لم يحدد متى سيحدث أو لا يحدث القمع فمن الصعب تزوير النظرية.
فيما يتعلق بالدور المهم للعقل الباطن، يبدو أن فرويد كان صحيح جزئياً على الأقل، تظهر المزيد والمزيد من الأبحاث أن جزء كبير من السلوك اليومي مدفوع بعمليات خارج وعينا الواعي، مع ذلك على الرّغم من أنّ دوافعنا اللاواعية تؤثر على كل جانب من جوانب تعلمنا وسلوكنا، ربما بالغ فرويد في تقدير المدى الذي تكون فيه هذه الدوافع اللاواعية جنسية وعدوانية في المقام الأول.

التركيز على الذات:

تم استكمال نماذج التحليل النفسي للشخصية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بنظريات علماء النفس الإنسانيين، هو نهج لعلم النفس يحتضن مفاهيم احترام الذات وتحقيق الذات والإرادة الحرة، على عكس مؤيدي التحليل النفسي؛ تبنى الإنسانيون مفهوم الإرادة الحرة، بحجة أن الناس أحرار في اختيار حياتهم واتخاذ قراراتهم بأنفسهم، ركز علماء النفس الإنساني على الدوافع الأساسية التي يعتقدون أنها تحرك الشخصية، مع التركيز على طبيعة مفهوم الذات ومجموعة المعتقدات حول من نحن والنفس وتقدير مشاعرنا الإيجابية تجاه الذات.
أحد أهم دعاة الإنسانية أبراهام ماسلو، حيث تصور الشخصية من حيث التسلسل الهرمي للدوافع ويسمى أيضاً التسلسل الهرمي للاحتياجات، في قاعدة الهرم توجد الدوافع الأقل مستوى بما في ذلك الجوع والعطش والسلامة والانتماء، جادل ماسلو أنه فقط عندما يكون الناس قادرين على تلبية الاحتياجات ذات المستوى الأدنى، يمكنهم المضي قدماً لتحقيق احتياجات المستوى الأعلى من احترام الذات، في النهاية تحقيق الذات وهو الدافع لتطوير إمكاناتنا الفطرية على أكمل وجه ممكن.
درس ماسلو كيف تمكن الأشخاص الناجحون بما في ذلك ألبرت أينشتاين وأبراهام لنكولن ومارتن لوثر وهيلين كيلر والمهاتما غاندي من عيش حياة ناجحة ومنتجة؛ يعتقد ماسلو أن الأشخاص المحققين لأنفسهم هم مبدعون وعفويون ويحبون أنفسهم والآخرين، يميلون إلى أن يكون لديهم عدد قليل من الصداقات العميقة بدلاً من العديد من الصداقات السطحية وعادة ما تكون خاصة، لقد شعر أن هؤلاء الأفراد لا يحتاجون إلى التوافق مع آراء الآخرين لأنّهم واثقون جداً، من المرجح أيضاً أن يتمتع الأشخاص الذين يدركون أنفسهم بتجارب في الذروة بإحساس قوي بالتواصل مع الآخرين.

المصدر: علم نفس الشخصية، كامل محمد عويضةعلم نفس الشخصية، محمد شحاته ربيععلم نفس الشخصية، فريح عويد العنزيعلم النفس، محمد حسن غانم


شارك المقالة: