الشخصية من وجة نظر التحليل النفسي

اقرأ في هذا المقال


يمثِّل العلاج النفسي عند فرويد أهمية كبيرة في مجالات العلاج الأُخرى؛ ذلك نظراً لسبقه التاريخي ولآثاره المُعاصرة الواسعة على أساليب العلاج النفسي المعاصر، اكتشف فرويد اللاشعور إذا كان هناك من يقول أنّ علماء آخرين اهتدوا إلى فكرة اللاشعور قبل فرويد، فإنَّه يعود إلى فرويد الوصف الدقيق والتفصيلي لمحتويات اللاشعور، حيث وصفه بأنّه خزان يغلي بالرّغبات الجنسية التي لم تتحقَّق منذ الطُفولة حتى الآن. لقد أقام فرويد نظريته الأولى عن السُّلوك البشري نتيجة عمله في التنويم المغناطيسي، ثمَّ بخبرته بالتّداعي الحر، تحليل الأحلام، خاصَّةً أحلامه هو وأحلام مرضاه.

الشخصية:

هي مجموعة من الخصال والطِّباع المتنوعة التي توجد في كيان الشخص باستمرار، إذ أنّها تميِّزه عن غيره، تنعكس على تفاعله مع البيئة المُحيطة به من أشخاص ومواقف، سواءٌ أكان ذلك مرتبط بفهمه وإدراكه أو في سلوكه ومشاعره وتصرفاته أو حتى في مظهره الخارجي، إضافةً إلى القيم والرَّغبات والميول والأفكار والمواهب والتصورات الشخصية.

فرضيات النظرية التحليلية فيما يخص الشخصية:

  • الشخصية مُكونة من ثلث أجهزة وهي الهو والأنا والأنا الأعلى.
  • السنوات الخمس الأولى من نمو الفرد في الطُّفولة تعتبر حرجة، تقرّر إلى حدٍ بعيد سلوكه كراشد في المستقبل سواءً أكان سوياً أو شاذاً.
  • النزعات الجنسية تعتبر محدِّدات لسلوك الفرد.
  • معظم سلوك الفرد محكوم بمُحدِّدات لا شعورية.

مفهوم الشخصية في نظرية التحليل النفسي:

الهو:


هو منبع الطاقة الحيوية والنفسية ومستودع الغرائز والدوافع الفطرية، التي تمثِّل الأساس الغريزي الذي ينتج عنه الطاقة النفسية، هو فطري سيكولوجي وموجود منذ البداية مع الطفل وهو مستودع الغرائز مثل غرائز اللذَّة والحياة والموت، التي تعمل تحت سيطرة الهْو بشكل لاشعوري حيثُ أنّ وظيفة الهو الأساسية تتمحور على جلب الراحة للفرد. يعد الهو القسم الأوَّلي المبكر الذي يضم كل ما يحمله الطفل معه منذ الولادة إلى الأجيال السابقة، أي أنّه يحمل ما يسميه فرويد غرائز اللذة والحياة والموت وما هو موجود فيه لا يخضع لمبدأ الواقع أو مبادئ العلاقات المنطقية للأشياء، بل يندفع بمبدأ اللذة الابتدائي وكثيراً ما ينطوي على دوافع مُتضاربة وأنّه لا شعوري ويمثل الطبيعة الابتدائية والحيوانية في الإنسان.

طرق تحقيق اللذة وتجنب الألم في الهو:

  • الفعل المُنعكس: يؤدي بدوره إلى إمكانية تخفيف التوتر عند الفرد مباشرة، مثل الغمز بالعين.
  • العمليات الأولية: التي تتمثل في عملية تفريغ التوتر عن طريق تكوين صورة لموضوع ما، يؤدي من خلاله إلى إزالة التوتر، ذلك مثل الجُوع عند الفرد والصورة التي تزيل التوتر هو الطعام، هي تمثل تحقيق الرَّغبة، أيضاً ما يفعله الإنسان في أحلام الليل التي يعتقد فرويد أنّها تمثِّل دائماً محاولة تحقيق الرَّغبة عند الفرد العادي.

الأنا:

هو العالم الواقعي الشُّعوري؛ لأنّه يتوسط بين الغرائز والدوافع والبيئة المحيطة، يتحكم الأنا بالشعور ويمارس الرَّقابة ويسير حسب مبدأ الواقع، لأنّه يفكِّر بالدوافع والمنطق ويقوم بوضع خطط عمل لإشباع الحاجات والغرائز. الأنا هو أساس الذّكاء والعقلانية؛ لأنَّه يُراقب ويضبط اندفاعات الهو العمياء، حيث إنّه يميز بين الصورة العقلية أي العالم الخاص والأشياء كما هي موجودة في الواقع، هو مركز الشُّعور والإدراك الحسي الدّاخلي والخارجي والعمليات العقلية. يظهر الأنا إلى حيِّز الوجود بعد ان يتعرض الفرد لقيود الواقع، فيميز بين ما يرغب في الحصول عليه وما يستطيع الحصول عليه. تقوم الأنا على أساس مبدأ الواقع وتعمل على تحقيق اللذة وتجنُّب الألم مع أخذ الواقع بعين الاعتبار. ينشأ الأنا ويتطور لأنَّ الطفل لا يستطيع أن يُشبع دوافع الهو بالطريقة الابتدائية التي تخصها، يفرض عليه أن يواجه العالم الخارجي وان يكتسب منهم بعض الصفات والمميزات، يفكر تفكير واقعي ومعقول وموضوعي أيضاً، يتماشى مع الأوضاع الاجتماعية المقبولة. تتمثل وظائف الأنا في حماية الشخصية من الأخطار التي تهددها في العالم الخارجي، مثل العدوان من خلال السيطرة على الغرائز وضبطها؛ لأنّ إشباعها بالطريقة الابتدائية يؤدِّي إلى خطر على الشخص وهنا تكون وظيفة الأنا أن يقرِّر متى وأين وكيف يمكن لدافع ما أن يحقق غرضه، أي أنّه على الأنا آن يحتفظ بالتوتر حتى يجد الموضوع المناسب، فالأنا يهدف إلى التخلُّص من الصراعات اللاشُعورية الموجودة في مرحلة الطُّفولة والانتقال بها مُتحررة من سنِّ المراهقة إلى سن الرُّشد والعيش باستقلالية ونجاح وإنتاجية.

الأنا الأعلى:


يمثِّل الرقيب اللاشعوري التي تتمثل في سُلطة الوالدين والمُجتمع والتقاليد الموجودة فيه، هي تقاوم الاندفاعات الغريزية وتشكِّل دور الآخرين في تربية الطفل خلال مراحل حياته الأولى. هو مستودع المثاليات والأخلاق والضمير والمعايير الاجتماعية، هو ما يمثل الجانب العدلي القضائي والأخلاقي للشخصيّة، أي أنّه نظام إصدار الحكم على التصرُّف إن كان جيداً أو سيئاً، أي أنّه يمثل الجانب المثالي وليس الواقعي، يسعى على الدّوام لتحقيق حالة الكمال من خلال تطبيق مثاليات المجتمع الإنساني من قيم ومثل اجتماعية ودينية، التي نقلت إلى الطفل من والديه في سنٍّ مبكرةٍ من خلال المكافأة التي تتمثل في الاعتزاز والحب الذاتي، العقوبات بما تمثِّله المشاعر الذنب والندم والدونية، وظيفة الأنا الأساسية كبح اندفاعات الهْو الجنسية والعدوانية وإقناع الأنا باستبدال أهدافه الواقعيّة بأُخرى مثالية في السعي للكمال.


شارك المقالة: