مفهوم المخاطرة في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


مفهوم المخاطرة في علم النفس:

عندما يخاطر الناس فإنهم ينخرطون في سلوكيات قد تؤدي إلى عواقب سلبية مثل الإصابة الجسدية أو الرفض الاجتماعي أو المشاكل القانونية أو الخسائر المالية، حيث تعتبر السلوكيات التي من المرجح أن تؤدي إلى مثل هذه النتائج أكثر خطورة من السلوكيات التي من غير المرجح أن تؤدي إلى مثل هذه النتائج، وبغض النظر عن درجة المخاطر التي ينطوي عليها الأمر، ومع ذلك يمكن أن تؤدي السلوكيات من أي نوع إلى عواقب إيجابية وسلبية.

حيث يشير مفهوم المخاطرة في علم النفس لقيام الشخص بالتفكير بالعديد من الطرق في الوصول للنتائج التي يرغبها، بغض النظر عن النتائج الأخرى التي يمكن أن تحدث لنفس الموقف، فالسلوك المخاطرة وغيره من السلوكيات له نتيجتين، إما نتيجة إيجابية أو نتيجة سلبية، ولكن الأشخاص ذوي المخاطرة لا يفكرون بالعواقب السلبية بل بالنتائج الإيجابية فقط وينخرطون في السلوك، مثل الشخص الذي يشارك بالرهان بأمواله بهدف الربح بدون التفكير بأنه سيخسر جميع أمواله.

القضايا الرئيسية في مفهوم المخاطرة في علم النفس:

تتمثل القضايا الرئيسية في مفهوم المخاطرة في علم النفس من خلال ما يلي:

1- القضية المالية:

اهتم العديد من الخبراء وعلماء النفس بمفهوم المخاطرة لأسباب متنوعة، على سبيل المثال درس الاقتصاديين وغيرهم من الخبراء الماليين الآثار المترتبة على التحليلات الفلسفية والرياضية والنفسية للمخاطرة لاتخاذ قرارات استثمار حكيمة، وذلك بالنظر إلى أن جميع القرارات المالية تقريبًا تحتوي على درجة معينة من المخاطر، فإن التركيز ليس على كيفية تجنب المخاطرة، بدلاً من ذلك ينصب التركيز على كيفية تعظيم المكاسب المالية مع تقليل الخسائر.

2- القضية المعرفية:

في المقابل كان علماء النفس أقل اهتمامًا بالقرارات المالية وأكثر اهتمامًا بالطرق التي يتعامل بها العقل البشري مع جميع المعلومات والإمكانيات التي قد تكون موجودة في حالة المخاطرة، حيث أنه لا يمكن للناس التفكير في جميع النتائج الإيجابية والسلبية المحتملة لاختياراتهم؛ وذلك لأن القيام بذلك يتطلب قدرة ذاكرة وقدرة معالجة المعلومات أكبر بكثير مما يمتلكه العقل البشري.

بدلاً من ذلك يقومون بتبسيط المهمة لأنفسهم من خلال النظر فقط في أنواع معينة من المعلومات، وتضييق نطاق خياراتهم إلى واحد أو اثنين، والاعتماد على قواعد التجربة التي تكون عادةً ولكن ليس دائمًا أدلة مفيدة للاختيار والقرار، في حين أن العديد من العلماء وخاصة علماء النفس التطوري يجادلون الآن بأن مثل هذه الاستراتيجيات شديدة التكيف وعادةً ما تكون غير منطقية.

على سبيل المثال عند تقديم خيارات السياسة الصحية الافتراضية، يتخذ الأشخاص خيارات مختلفة اعتمادًا على كيفية شمول المعلومات، والهدف من معظم الدراسات في البحث النفسي التجريبي هو تحديد العوامل النفسية التي يبدو أنها تتنبأ بمن من المحتمل أن ينخرط في سلوكيات غير صحية غير الآمنة أو القيادة المتهورة أو تدخين السجائر.

3- قضية الاستمرارية:

يجادل بعض علماء النفس بأن الناس ينخرطون في السلوكيات غير الصحية أو السلوك السلبي؛ لأن العواقب السلبية طويلة المدى لهذه السلوكيات تفوقها في أذهانهم النتائج الإيجابية قصيرة المدى التي تنتج عنها، حيث تكون المخاطرة مرجحة بشكل خاص عندما تتضمن العواقب الإيجابية قصيرة المدى انخفاضًا في كل من المشاعر السلبية والوعي الذاتي العالي، وهذا يعني أن الناس ينجذبون إلى المخاطر التي تعد بنتيجة إيجابية سريعة ستشعرهم بالرضا وتساعدهم على نسيان أنفسهم والتخلص من المشاعر غير السارة.

الإجراءات التجريبية التي تزيد من المشاعر السلبية أو الوعي الذاتي، على سبيل المثال دفع الناس للاعتقاد بأنهم لن يكوّنوا أبدًا علاقات وثيقة أو تذكيرهم بأنهم سيموتون يومًا ما، تزيد من الميول نحو المخاطرة، حيث أظهر المزيد من العمل أن المخاطرة تكون أكثر احتمالا عندما تكون عوامل معينة مثل الإجهاد تقلل من عدد العواقب التي تم أخذها في الاعتبار، وعند السلوكيات المليئة بالمخاطر تخدم مجموعة متنوعة من الأهداف والاحتياجات.

4- القضية التطورية:

غالبًا ما يعتمد علم النفس التنموي للطفل على المنح الدراسية في مجالات علم النفس المعرفي والاجتماعي، حيث أعطى علماء النفس التنموي العديد من نفس المهام والتدابير التي يستخدمها علماء النفس المعرفي والاجتماعي للأطفال في محاولة لتوثيق الزيادات التنموية أو النقصان في نزعات المخاطرة.

على الرغم من أن المراهقين هم أكثر ميول للتفاعل مع أنواع معينة من السلوكيات المرتبطة بالمخاطر مقارنة بالمراهقين والأطفال قبل سن المراهقة مثل التدخين، لم يتم العثور على الفروق العمرية في مجموعة متنوعة من تدابير المخاطرة الأخرى، ومن ثم لا يبدو أن هناك زيادة عالمية في المخاطرة مع تقدم العمر لأن الفروق العمرية تختلف حسب الموضوع.

5- القضية العقلانية:

المسألة الأخرى التي تهم العلماء في تخصصات متعددة تتعلق بالعلاقة بين المخاطرة والعقلانية، ففي المصطلحات الكلاسيكية الأشخاص العقلانيين هم أشخاص يتصرفون بطرق تتفق مع معتقداتهم وقيمهم، وللتوضيح يمكن القول أن الأشخاص الذين يقودون سياراتهم بتهور مع أطفالهم في سياراتهم يتصرفون بطريقة غير عقلانية إذا كانوا إما يعتقدون أن القيادة بتهور يمكن أن تؤدي إلى إصابة أو وفاة أي ركاب في سياراتهم أو يعتبرون أنه من المهم جدًا حماية أطفالهم، وبالمثل فإن تدخين السجائر عمل غير عقلاني لأي شخص يعتقد أن التدخين يسبب الوفاة المبكرة ويعتبر أنه من المهم أن يعيش حياة طويلة وصحية.

أظهرت العديد من الدراسات حول المجازفة أن المراهقين والبالغين يمكن أن يحيدوا عن القواعد الكلاسيكية للعقلانية، حيث أنه كان رد فعل العلماء على مثل هذه الانحرافات بإحدى طريقتين، حيث جادل البعض بأن المعايير الكلاسيكية للسلوك العقلاني يجب التخلي عنها لصالح معايير أخرى، بمعنى آخر لا حرج في العقل البشري أو هناك شيء خاطئ في تعريف العقلانية.

يقترح هؤلاء العلماء أن ملايين السنين من التطور لا يمكن أن تنتج عقلًا مصممًا لتدمير الذات، في المقابل قبل باحثين آخرين المعايير الكلاسيكية وسعى إلى تحديد العوامل النفسية والسياقية التي تجعل الناس يتصرفون في بعض الأحيان بشكل غير عقلاني.

على سبيل المثال طالب علماء النفس الاجتماعي لبناء هياكل مثل المشاعر السلبية والوعي الذاتي والاستبعاد الاجتماعي وفقر التنظيم الذاتي والآراء الإيجابية للمجازفة لتحليل السلوك غير العقلاني المليء بالمخاطرة، وناشد علماء النفس التنموي أيضًا الافتقار إلى التنظيم الذاتي، لكنهم أضافوا تركيزًا على عوامل أخرى مثل الاندفاع والبحث عن الإحساس أيضًا، في المقابل ركز علماء النفس المعرفي على العمليات المعرفية المختلفة التي تمنع الناس من الاهتمام بالأنواع الصحيحة من المعلومات أو تذكرها.

تنشأ قضية العقلانية أيضًا في السياقات القانونية، عندما ينخرط البالغين أو المراهقين في سلوكيات سلبية عدائية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان ينبغي محاسبتهم على سلوكهم، أو هل معتقداتهم متوافقة مع الواقع؟ هل يقدرون حياتهم أو حياة الآخرين؟ هل تسببت العوامل النفسية مثل الانفعال الشديد أو الاندفاع الذي لا يمكن السيطرة عليه في التصرف بشكل غير عقلاني؟ إذا كان الأمر كذلك فهل يجب أن يُحاسبوا على عدم التحكم في عواطفهم أو دوافعهم؟

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: