مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي في علم النفس الاجتماعي:

يُعبّر مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي في علم النفس الاجتماعي عن تحيز في الحكم حيث يقلل الناس من استخدام المعلومات التشخيصية عندما تكون المعلومات غير التشخيصية موجودة أيضًا، حيث أن المعلومات التشخيصية تُعبر عن معرفة مفيدة في اتخاذ وصنع قرار معين، وتعتبر المعلومات غير التشخيصية هي المعرفة التي لا علاقة لها بالحكم الذي يتم اتخاذه.

على سبيل المثال إذا كان الطبيب يصدر حكمًا بشأن حالة المريض، فإن أعراض المريض ستكون معلومات تشخيصية، ومنها قد يعرف الطبيب أيضًا لون شعر المريض، ولكن نظرًا لأن هذه المعلومات لن تكون مفيدة في الحكم على حالة المريض بشكل مباشر، فإنها ستكون غير تشخيصية.

عند وجود كلا النوعين من المعلومات التشخيصية وغير التشخيصية، يميل الناس إلى الاعتماد على المعلومات التشخيصية في إصدار الأحكام أكثر، وبالتالي فإن وجود معلومات غير تشخيصية يضعف أو يخفف من تأثير المعلومات التشخيصية على الحكم، ومنها ينتج عن تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي أحكام أقل تطرفاً من تلك التي يتم إجراؤها باستخدام المعلومات التشخيصية فقط.

خلفية وتاريخ مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي:

تم استخدام مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي لأول مرة من قبل ريتشارد إي نيسبيت وهنري زوكير ورونالد إي ليملي، حيث لاحظ هؤلاء العلماء أنه عندما نظر المشاركين في البحث النفسي الاجتماعي في كل من المعلومات التشخيصية وغير التشخيصية، فإنهم وضعوا تنبؤات أقل تطرفًا حول الأشخاص الآخرين مما كانوا عليه عندما نظروا في المعلومات التشخيصية وحدها.

ومنها قدم مايكل سي تروتمان وجيمس شانتو ملاحظة مماثلة في السابق، حيث أنهم أشاروا إلى نفس الظاهرة مثل التأثير غير التشخيصي، وعلى الرغم من أن مايكل سي تروتمان وجيمس شانتو كانا أول من أبلغ عن هذا التحيز في الحكم والسيطرة، إلا أنه أصبح معروفًا باسمه اللاحق.

يتعارض مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي مع المعرفة البديهية حول كيفية عمل الحكم البشري، حيث أنه من الناحية المنطقية عندما يتم إعطاء الأشخاص معلومات تشخيصية، يجب عليهم اتخاذ نفس الحكم سواء كان لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات غير التشخيصية أم لا.

على سبيل المثال يجب أن يكون توقع الأستاذ للنجاح الأكاديمي المستقبلي للطالب هو نفسه إذا كان الأستاذ يعرف فقط متوسط ​​درجة الطالب كما هو الحال إذا كان الأستاذ يعرف كلاً من متوسط ​​درجة الدرجات وتفضيل اللون لدى الطالب، ومنطقيا لا يؤثر تفضيل اللون على النجاح الأكاديمي في المستقبل، ومع ذلك من المرجح أن يقلل المعلم من استخدام المعلومات حول متوسط ​​درجة الدرجات إذا كان تفضيل اللون معروفًا أيضًا؛ بسبب مفهوم تأثير التخفيف.

تم اقتراح تفسيرات مختلفة لسبب حدوث مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي، وقد يرجع ذلك جزئيًا إلى فشل الأشخاص في التمييز بوضوح بين المعلومات التشخيصية وغير التشخيصية، وعندما يتم إعطاء معلومات للناس ويطلب منهم إصدار حكم، فمن المعقول بالنسبة لهم أن يفترضوا أن جميع المعلومات التي حصلوا عليها مفيدة أو تشخيصية.

بالتالي قد يعطون كلا النوعين من المعلومات وزناً متساوياً، وعلى الرغم من أن هذا التفسير يثير اعتبارات مهمة حول كيفية دراسة مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي، فمن غير المرجح أن يفسر ذلك بشكل كامل، ولا يبدو أن القدرة على التمييز بين نوعي المعلومات تمنع القابلية للتأثر بمفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي، حتى عندما يعرف الناس أن بعض المعلومات التي لديهم غير تشخيصية، فإنها لا تزال تؤثر على أحكامهم.

أسفرت الأبحاث المتعلقة بمفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي للقوالب النمطية عن معلومات حول تفسير آخر محتمل، حيث قد يكون ذلك جزئيًا بسبب العملية التي يصنف بها الناس الآخرين، وعند إصدار الحكم قد يقارن الأشخاص ما يعرفونه عن الشخص الذي يتم الحكم عليه بما يعرفونه عن الفئات الاجتماعية التي يمكن أن ينتمي إليها هذا الشخص.

كلما كان الشخص أكثر تشابهًا مع فئة، زاد احتمال أن يُنظر إلى هذا الشخص على أنه ينتمي إليها، حيث تساعد المعلومات التشخيصية في تحديد تشابه الشخص مع فئة محتملة، وعلى العكس من ذلك يمكن للمعلومات غير التشخيصية أن تجعل الشخص يبدو مختلفًا عن الأعضاء العاديين في الفئة، وعند وجود معلومات غير تشخيصية، يبدو الشخص أقل تشابهًا مع ما هو معروف عن الفئة الاجتماعية المحتملة، وبالتالي يضعف التصنيف.

أهمية ونتائج مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي:

يرتبط مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي بشكل مهم بالعديد من مواقف الحياة الواقعية التي يجب على الأفراد فيها إصدار أحكام، حيث أنه قد لوحظ في مجموعة متنوعة من الإعدادات والمواقف، ويؤثر على الأحكام التجارية وسلوك المستهلك والتصنيف الاجتماعي.

أشارت دراسات التدقيق المالي إلى أن المدققين عرضة لمفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي في تقييم المخاطر التي تنطوي عليها سجلات الجهة الخاضعة للتدقيق على تحريفات، حيث تشير أحكام المدققين إلى أنهم يأخذون في الاعتبار المعلومات غير التشخيصية، مثل مجال عمل الجهة الخاضعة للرقابة، وتُضعف هذه المعلومات من تأثير المعلومات التشخيصية مثل التحريفات السابقة في سجلات الجهة الخاضعة للرقابة.

يدرك المسوقين أن تزويد المستهلكين بمعلومات غير تشخيصية يمكن أن يقلل من مدى حكمهم على المنتج على أنه مفيد، عندما تحتوي رسالة تسويقية على معلومات مفيدة في الحكم على الفوائد المزعومة للمنتج بالإضافة إلى المعلومات غير ذات الصلة، فمن المرجح أن تخفف المعلومات غير ذات الصلة من تأثير المعلومات التشخيصية، وبالتالي تضعف احتمالية المستهلكين للحكم على المنتج على أنه مفيد.

مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي له نتيجة إيجابية فيما يتعلق بالقوالب النمطية، ففي بعض الظروف يمكن أن يقلل مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي من اعتماد الناس على الصور النمطية في تشكيل الأحكام، ويمكن للمعلومات غير التشخيصية أن تزيد من مدى اعتبار الشخص كفرد وليس كعضو في فئة اجتماعية؛ يحدث هذا لأن المعلومات غير ذات الصلة بعضوية الفئة تقلل من التشابه المتصور لدى الشخص مع أعضاء تلك الفئة، ويمكن أن يؤدي إدراك الناس كأفراد إلى تقليل الاعتماد على القوالب النمطية في تشكيل الأحكام.

ومع ذلك سيكون من غير الدقيق استنتاج أن مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي من المرجح أن ينفي حتماً تأثيرات القوالب النمطية، حيث ثبت أنه يقلل من تأثير القوالب النمطية على الحكم في ظل بعض الظروف، وعلى العكس من ذلك في ظروف أخرى يفشل مفهوم تأثير التخفيف في الإدراك الاجتماعي في منع أو حتى تعزيز استخدام الصور النمطية.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: