أكسرى أحق منا بالعدل يا عمرو

اقرأ في هذا المقال


عدل عمر بن الخطاب

عندما فُتحت مِصر وأراد قُوَّاد الجيش أن يبنوا الفُسطاط لعَمرو بن العاص مسحوا مكاناً ليكون فَسيحَاً ، وكان هذا المكان لامرأة نصرانيَّة من بقايا الأقباط ، فذهبت يميناً وشمالاً وما استطاعت أن تردَّ أرضها ، فقيل لها لا يردُّ لك أرضك إلاَّ عمر بن الخطَّاب بالمدينة.

تقفُ القِبطيّة أمامَ عمرو بن العاص وتقولُ له: لأشكُونَّكَ إلى أميرِ المُؤمنين، عمر بن الخطّاب. وتذهَبُ إلى المدينةِ المنوّرةِ، حيثُ مقرِّ إقامةِ أمير المؤمنينَ عُمر.
وتسألُ عن الخليفةِ وعن قصْرِهِ فترى رَجُلاً جالِساً وَسَطَ أصحابهِ في بيتٍ من الطّينِ، فتقولُ: أيُّكُم هو خليفةُ المسلمينَ

عمرُ بن الخطاب. فَيُشيرُ الصّحابة إلى عُمَر. فتبدأُ القبطيّة بسردِ ما حصَلَ بينها وبين ابنِ العاص، وتقولُ: لقد أخذَ أرضِي دون موافقتي ورِضاي.

عمر يكتب الرسالة على قطعة فخار

فيأتِي عمر بقطعةٍ من الفُخَّارِ ويكتبُ عليها رسالةً إلى واليِهِ على أرضِ مِصر”عمرو بن العاص”؛ يقول فيها: “من أميرِ المؤمنين، عمر بن الخطّاب، إلى عامِلِهِ على مِصْر، عمرو بن العاص ؛ أكسرى أحَقُّ منا بالعدلِ يا عمرو”، ويُسلّمُهَا للمرأةِ القبطيّةِ، وقال لها: سَلِّميهَا إلى عَامِلنَا عمرو بن العاص.

تَستَخِفُّ المرأة القبطيّة بهذه الرّسالة، وتخرجُ من بيتِ الخِلافَة وَترمِي الرِّسالة الفُخاريّة في الطّريقِ ظنَّاً منها أنّها لن تُغيّرَ شيئاً في فِعْلِ عامِل الخليفة في أرضِ مصر. فيأَخُذهَا العَبْدُ الذي كان بِرفقَتِها، ويضعَها في جيبِهِ. ولمّا وصلت القبطيّة إلى مصر، سَألها”عَمرو بن العاص” ما الذي حصلَ معها فحَكَتْ لهُ ما حدث. فقال أينَ قطعة الفُخّار؟ فقالت المرأة: رَميتُهَا ولمْ أهتّم بها. فقالَ العبدُ الذي كان معها ولكنّي أحضَرتُها معي. فقال عمرو بن العاص: فَأرِينِهَا. فأخذ عمرو الرّسالة وقرأَها وقبّلهَا وصارَ يبكي ووضعها فوق رأسه، وقال للعُمّال: كُفّوا عن البِناء في أرضِهَا وأعيدوا أرْضَها لها.

تنظرُ المرأة القبطية في ذُهولٍ وفي عَجَبٍ، وتقولُ”لعمرو بن العاص”: ما الذي حَمَلَكَ على هذا؟ فيقول: أمرني بذلك أمير المؤمنين ولابد ان ألتَزِمَ أمره.

عمر بن الخطاب وابن العاص في أرض فارس

ويُسألُ(عمرو بن العاص) من قِبَلِ أصحابه عن سببِ هذهِ الرّسالة من أمير المؤمنين. فيُحدِّثَهم ويقول: ذهبتُ أنا وعمر بن الخطاب قبلَ الإسلامِ في تِجارةٍ الى بلادِ فارِس(العراق،وإيران) حاليّاً. وَقَدْ قابَلَنا ابنُ كِسرى واخذ بضاعتَنَا بغيرِ وَجهِ حقٍّ وتركَنَا، فذهبنَا.
إلى كِسرى ملِكِ الفُرسِ لسماعِنَا عن عَدلِهِ فَشَكونَا إليهِ أمْرَنا، فأمرَ كسرى بتَرجُمانٍ اي مترجم حتّى يُترجِم له ما قلنَا. فَغيّرَ التَّرجُمان ما قُلنا وذكرَ لكِسرى أنَّنا جَئنا نَتسوّل ونطلُبُ منه المُساعدة وبعض المَؤونةِ. فَتعجّبَ كسرى لذلك، وقال للذينَ معهُ أنا أعرِفُ العَرب جيداً؛ إنّه مَهمَا بَلغَتْ بِهمُ الحَاجة، لايتَسوّلون، فَإذا مَا احتاجوا لشيءٍ نَهبُوهَ أو أخَذوهُ بحدِّ السَّيفِ ولا يتَسوّلُون.
فأمرَ كسرى بإحضارِ تَرجُمانٍ آخر، فجَاء التَّرجمان وذكر لكسرى ما حدثَ بينَ ابنهِ وبينَنَا، فغَضِبَ كسرى غضباً شديداً وأعطى أمْراً لِرجَالهِ وأمرَ بِرَدِّ جميعِ بِضاعَتِنَا، ثُمَّ قالَ لعمر بن الخطّاب أنْ يخرُج من الباب اليَمين، وقالَ لي أنْ أخرج من الباب الشمال. فرأيتُ التّرجمانَ مَيتاً مصلوبَاً على المدخل ورأى عمر بن الخطاب ابن كسرى ميتاً ومصلوباً على البابِ الآخر.

العدل في الإسلام

العدلُ ركنٌ أساسيّ يقومُ بهِ المجتَمَعُ الإسلاميّ، وغَيرِهِ من المُجتمعاتِ الأخرى، بهِ يكونُ الحفاظُ على سلامةِ النظام الاجتماعي، وإذا سادَ العدلُ كانَ التّرابُط بين فئاتِ المجتمعِ على اختلافِ منابِتِهِ وألوانهِ، العدلُ مفهومٌ شامِلٌ، يشمَلُ المجتمع من جذورهِ إلى أعلاه، العدلُ يُطالِبُ أنْ يأخذَ كلّ ذِي حقٍّ حقَّه دون جَورٍ على أحَد؛ حتى تبقى المجتمعات، مجتمعات محبةٍ ومودةٍ وتماسك اجتماعي.

لا بُدَّ أنْ نعرف أينَ يكونُ العَدل، العدلُ لا يقتصرُ على الفردِ والدولةِ فقط، وإنّما العدلُ هو أن تبدأ بنفسكَ فتكون عادلاً معها أولاً، ثم أهل بيتِكَ وأبنائِكَ وزوجتِك وجيرانِكَ وأهلِ حيِّكَ، العدل أن تكون عادلاً في قولِكَ وفعلِكَ، هو من أجلِّ وأرفَعِ المناقب.

العدلُ خُلقٌ كريمٌ، وصِفةٌ عظيمةٌ جَليلة، محببة إلى النُّفوسِ، تبعثُ الأمل لدى المظلومين، ويَحسِبُ لها الظّالمونَ ألف حساب، فالعَدلُ يُعيدُ الأمور إلى نِصابِها، وبه تؤدى الحقوق لأصحابها، وإذا وُجِدَ العدلُ في مكانٍ أو عند قومٍ إلا سَعِدُوا، وما فُقِدَ عند آخرين إلا شَقُوا.

وإذا أرَدنَا أنْ نعودَ إلى مكتبةِ الإسلامِ من القرآنِ الكريم والسّنّةِ النّبويّة، نَجِدهَا زاخِرةً بالآياتِ والأحاديثِ التي تتحدث عن العدل وتأمُرُ بهِ وتحثُّ عليه. فنقرأ في كتاب ربِّنَا عزَّ وجلّ في مواضِع كثيرة آياتٍ عن العدل، فمنها قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 135]

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].

﴿ وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأعراف: 181].

ومن الأحاديث التي حثّت على العدلِ، حديث النبي صلى الله عليه و سلم، فيما ورد في صحيح مسلم يقول : ((“إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا “)

أختُمُ القولَ في العدلِ بِما قالَهُ الدكتور زغلول النّجار، في كتابهِ_ الحُكُم بالعدلِ بين الناس تشريعٌ إلهيّ_ فقال:
“وأصلُ العدلِ : التّسويّة، ومعنى ذلك أنْ تُسوّوا بينَ النّاس في الحقوقِ والواجبات، وإطلاقُ لفظِ النّاسِ هنا، يشملُ كُلَّ النّاس دون أدنى تمييزٍ لِعِرقٍ أو لونٍ أو مستوىً اجتماعي. والعدلُ يشملُ كلَّ الناس دون أي تفريق بين غنيٍّ وفقيرٍ، أو كبيرٍ صغيرٍ، أو أبيض وأسود أو غير ذلك من الفروق الاجتماعية أو الخَلقيّةِ بين جميع الناس.

فالعدل في الحياة الدنيا حقّ لكلِّ إنسانٍ بوصفهِ إنساناً، لأنَّ البشر جميعاً ينتهي نسبهم إلى أبٍ واحد، وأمٍ واحدة، هما آدم وحواء- عليهما السلام-  ولذلك قال- تعالى-:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَيَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىوَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (المائدة:8). 


شارك المقالة: