حكم السلاطنة السلاجقة في العهد العباسي

اقرأ في هذا المقال


حكم السلطان ألب أرسلان:

لمّا آلت سلطنة السلاجقة إلى ألب أرسلان (455 – 465 هجري)، بقي الحال كما هو عليه من استئثار السلطان بالسلطة دون الخليفة، ففي سنة (458 هجري)، جمع السلطان ألب أرسلان أُمراء دولته، وأخذ عليهم العهود والمواثيق على أن يكون ابنه ملكشاه السلطان من بعده، وأمرهم بالخطبة له في جميع البلاد التي يحكم فيها، ففعل الأمراء ذلك، وبطبيعة الحال خطب لولي العهد السلجوقي في بغداد ‏ علماً بأنه لم يؤخذ رأي الخليفة في ذلك الاختيار وفي الخطبة، ولم يبلّغ رسمياً إلا في سنة (464 هجري)، أي بعد ست سنوات من الخطبة لملكشاه.

وبلغ من استئثار السلطان ألب أرسلان بالسلطة أنه عيّن في سنة (464 هجري)، أبا العلاء محمد بن الحسين، وزيراً وخلع عليه، ولقبه بوزير الوزراء، وأمر باقطاعه نصف اقطاع الوزير فخر الدولة بن جهير، ثم أرسله إلى بغداد لتولي مهام وزارة الخليفة، وكان ذلك كله بدون علم الخليفة، فاستاء لذلك، واعتبره تدخُّلاً من السلطان في أمور الخلافة الخاصة.

ولهذا رفض استقبال أبي العلاء، ولم يسمح له بمُقابلته، وكان الشحن الذين يعينهم السلاطين السلاجقة يتمتعون بنفوذ كبير في بغداد ولم يكن في استطاعة الخليفة العباسي الحد من نفوذهم، فهم رغم وجودهم في عاصمة الخلافة، لا يأتمرون إلا بأمر السلطان، وكان الخليفة العباسي لا يملك إلا أن يخضع لنفوذهم، أو يرفع الشكوى منهم في بعض الأحيان إلى السلطان السلجوقي.

وعلى سبيل المثال زاد استبداد شحنة بغداد ويدعى ايتكين السلماني في سنة (464 هجري)، وقتل ابنه أحد غلمان دار الخليفة، ولم يستطع الخليفة أن يرد على ذلك العدوان، فكتب إلى السلطان يشكو من الشحنة، ويُطالب باخراجه من بغداد وتعيين غيره.

حكم السلطان ملكشاه:

تعرض الخليفة العباسي في عهد السلطان ملكشاه (465 – 485 هجري)، لكثير من الامتهان، سواء من السلطان السلجوقي نفسه أو من نوابه والمقربين إليه، وزاد تدخل السلطان ونوابه في أمور الخلافة، وتجرأ بعضهم على مُشاركته في بعض مظاهر سيادته الدينية. ففي سنة (471 هجري)، كتب السلطان ملكشاه للخليفة المُقتدي بأمر الله يُطالب بعزل وزيره فخر الدولة بن جهير، ويأمر الخليفة بعدم مراسلته أو مراجعته في ذلك الأمر، وأن لا يكون في دار الخلافة غلمان أتراك للخاص ولا للخدم والأتباع.

أخذ شحنة بغداد سعد الدولة كوهرائين بمتابعة تنفيذ أوامر السلطان خاصة ما يتعلق منها بعزل الوزير ابن جهير، فكان يرسل عدداً من جنوده لمُلازمة دار الخلافة، وطلب تعجيل عزل الوزير، وجرى بسبب ذلك نزاع طويل بلغ إلى حد تهديد الخليفة نفسه، ولم ينفع احتجاجه بأن وزيره هو عميد الدولة، وأن والده فخر الدولة ينوب عنه فقط.

وكتب بذلك للسلطان ملكشاه غير أن جنود الشحنة قبضوا على رسول الخليفة، وضربوه وانتزعوا منه رسائل الخليفة، وذهب الشحنة نفسه إلى دار الخلافة مُطالباً بتسليم الوزير إليه. فلم يرَ الخليفة بُداً من عزل وزيره وأطلع الشحنة على أمر العزل، فانصرف.

وفي سنة (473 هجري)، ازدادت مُعاملة عميد العراق أبي الفتح بن أبي الليث للخليفة العباسي سوءاً، وأخذ يتدخل في أمور تتعلق بالخليفة، فاضطر الخليفة إلى أن ينفذ رسولاً إلى السلطان ملكشاه، شاكياً من العميد. ويقال أن السلطان أكرم رسول الخليفة، وكتب إلى العميد لكفّ يده عن جميع ما يتعلق بالخليفة.

وكان شحنة بغداد سعد الدولة كوهرائين قد طلب سابقاً من الخليفة العباسي أن يسمح له بضرب الطبول على باب داره في أوقات الصلاة، فلم يوافق الخليفة على اعتبار أن في هذا مشاركة له في مظهر من مظاهر سيادته الدينية.

فانتهز الشّحنة النزاع الذي نشب بين السلطان وبين الخليفة في سنة (471 هجري)، وأخذ يضرب الطبول على باب داره مُراغمة للخليفة. ولم يكتفِ السلطان ملكشاه باستئثاره بالسلطة، وبتجريد الخليفة من نفوذه بل تجاوز ذلك إلى الإساءة له شخصياً، وعزم على طرده من عاصمة الخلافة ونقل العاصمة الى أصبهان، وإقامة خليفة آخر بها.

يذكر السبكي أن الوزير نظام الملك الطوسي لاحظ تغير السلطان ملكشاه على الخليفة المقتدي بأمر الله، وأن السلطان عزم أكثر من مرة على خلع المقتدي من الخلافة ولكن الوزير نظام الملك بدافع من تدينه، كان يصُّد السلطان عن عزمه ‏ وكان يرسل للخليفة يُنبهه، ويحُّثه على كسب ود السلطان.

وفي أواخر حكم ملكشاه ازدادت علاقته سوءاً بالخليفة، فأشار نظام الملك على الخليفة أن يخطب ابنة السلطان، وذلك لكي تتحسن علاقتهما، ويحل الود محل الوحشة عن طريق رباط المُصاهرة، ففعل الخليفة ذلك، وتزوج ابنة السلطان ملكشاه في سنة (480 هجري)، وبعد عامين أرسلت ابنة السلطان إلى أبيها تشكو من زوجها الخليفة فأرسل السلطان إلى بغداد يطلب إحضار ابنته، وألح في ذلك فأرسلها الخليفة ومعها ابنها جعفر.

وفي سنة (485 هجري)، توجه السلطان ملكشاه إلى بغداد عازماً على عزل الخليفة. فلما وصل إلى بغداد طلب من الخليقة المقتدي بأمر الله الخروج منها إلى أي بلد شاء، فاستاء الخليفة، وطلب من السلطان أن يمهله شهراً كي يُدبر أموره ويهيىء نفسه وأسرته للرحيل. فلم يوافق السلطان، وأصرّ على أن يخرج الخليفة فوراً.

وعند ذلك تدخل وزير السلطان تاج الملك أبو الغنائم، وقال للسلطان: (لو أن رجُلاً من العوام أراد أن ينتقل من دار إلى دار تكلف للخروج، فكيف بمن يُريد أن ينقل أهله ومن يتعلق به، فيحسن أن تمهله عشرة أيام). فوافق السلطان ملكشاه على إمهال الخليفة عشرة أيام فقط، يخرج بعدها من بغداد. ويشاء الله أن يتوفى السلطان ملكشاه قبل انتهاء العشرة أيام المقررة، فيكتفي الخليفة شره.

يُعلل بعض المؤرخين هذا التصرف من السلطان ملكشاه بأن الخليفة رُزق بولد من ابنته، فطلب من الخليفة أن يجعل هذا الولد ولياً للعهد، فلم يوافق الخليفة. وقيل أن الخليفة كان قد بايع لولده المستظهر بالله بولاية العهد لأنه الأكبر، فألزم السُلطان الخليفة أن يخلعه، ويجعل ابن ابنته ولي العهد، ويُسلم بغداد إليه، ويخرج إلى البصرة، لتكون مقراً لخلافته.

ويذكر الراوندي أن السلطان ملكشاه كان عازماً على بناء دار للخلافة في أصبهان، ويقيم فيها ابن ابنته من الخليفة إذا ولي الخلافة فأحسن الخليفة المقتدي بأمر الله بذلك، وخاصة أن زوجة السلطان كانت تُخاطب جعفراً هذا في حضرة أبيه بعبارة: (يا أمير المؤمنين).

حكم السلطان بركياروق:

على الرغم من الضعف والانقسام اللذين دبا في جسم الدولة السلجوقية بعد وفاة السلطان ملكشاه في سنة (485 هجري)، نتيجة للنزاع الذي نشب بين أولاده محمود وبركياروق وسنجر ومحمد على العرش، إلا أنهم كانوا حريصين أشد الحرص على الاستئثار بالسلطة دون الخلفاء، وتركيزها في أيديهم وانتهاز الفرص للتعبيرعن نفوذهم بطريقة أو بأخرى.

وعلى سبيل المثال قدم السلطان بركياروق إلى بغداد في سنة (494 هجري)، وكان ذلك في أثناء صراعه مع أخويه محمد وسنجر على السلطنة، وكان في حالة يُرثى لها من التعب والمرض والإفلاس نتيجة لحروبه ضد أخويه، وصادف وجوده ببغداد حلول عيد الأضحى، ولا كان السلطان مريضاً ولا يستطيع حضور صلاة العيد، فقد وافق الخليفة المستظهر بالله على أن يُرسل إليه منبراً، فخطب عليه باسمه في داخل داره.

ويبدو أن الخليفة قصد من هذا اشباع نزعة حب التسلط عند السلطان. هذا فضلاً عن أن السلطان طلب من الخليفة أن يقدم له بعض الأموال لتخفيف الضائقة المالية التي كان يُعاني منها. وبعد مُراسلات بين الطرفين، لم يملك الخليفة إلا أن يقدم له مبلغ خمسين ألف دينار. وفي الوقت نفسه تسلط السلطان وأصحابه على الناس ونهبوا أمواله، دون وضع أي اعتبار لحرمة الخليفة، ومعاملته الطيبة للسلطان في وقت محنته.

وكان السلطان بركياروق ووزيره أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني قد تصرف تصرفاً مُماثلاً في السنة السابقة (493 هجري)، فبعث الخليفة وزيره عميد الدولة بن جهير يحمل خلعاً للسلطان ووزيره، فقبض وزير السلطان على وزير الخليفة بأمر من السلطان، وطالبه بدفع مبلغ كبير من المال لعجزه عن دفع مرتبات الجند.

فكتب الخليفة إلى السلطان يستنكر القبض على وزيره، غير أن استنكاره لم يجد، وبقي الوزير مُعتقلاً حتى دفع مبلغ مائة وستين ألف دينار. وليس أدل على استبداد سلاطين السلاجقة، واستسلام الخليفة العباسي لرغباتهم مما حدث فى سنة (498 هجري)، فقد توجه السلطان بركياروق إلى بغداد ومرض في الطريق مرضاً شديداً، فلمّا أحس بالوفاة بايع لولده ملكشاه البالغ من العمر إذ ذاك أقل من خمس سنوات، وعيّن الأمير اياز أتابكا له.

ثم توفي السلطان بركياروق قبل أن يصل إلى بغداد، فسار الأمير اياز إلى بغداد وفي صحبته ملكشاه بن بركياروق. ونال موافقة الخليفة على الخطبة لملكشاه بالسلطنة على منابر بغداد. وبعد شهر تقريباً وصل السلطان محمد بن ملكشاه إلى بغداد وطالب بالخطبه له بالسلطنة، فكان أن خطب له بالجانب الغربي من المدينة في نفس الوقت الذي كان يخطب فيه لأبن أخيه في الجانب الشرقي منها.

المصدر: ❞ كتاب نظام الوزارة في الدولة العباسية ❝ مؤلفه محمد مسفر الزهراني صفحة (41 – 46).❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث.❞ كتاب الخلافة العباسية في عهد تسلط البويهيين ❝ مؤلفته وفاء محمد علي. ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش.


شارك المقالة: