الطوعية المقيدة في الفعل الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


الطوعية المقيدة في الفعل الاجتماعي:

تُمثل الطوعية مَطلباً رئيسياً ﻷي نظرية تزعم أنها محددة بفهم وتفسير الفعل الاجتماعي، وهذا المطلب ليس متضمناً في المنطق النظري فحسب، ولكنه يعكس درجات مهمة للفعل في الحياة الاجتماعية، إن التسليم بهذا الطرح، لا يعني إنكار المستويات النسقية للفعل، ولا يتناقض معها، فلكلٍ مستواه، والعناصر التحليلية الضابطة التي تحكمه.
ثم إن الحقيقة التكاملية لوجود الفاعل في المجتمع، تتمثل في وجوده حراً إرادياً في الانتقاء والاختيار، بالإضافة إلى وجوده في إطار الأنساق والعلاقات والبنى والمؤسسات الحالية في المجتمع، ومع ذلك فإن المستوى النسقي الذي يتحرك فيه الفاعل، لا يلغي حريته وإرادته بشكل مُطلق، لكنه يعمل على تقييدها.
وتظهر هذه المعادلة حتى في الطروحات التي أرادت تجاوز ثنائية الفعل والبنية، واستخدام مقصود الممارسة، كتعبير عن علاقة جدلية بين الفاعل والبناء، ومن الواضح أن هذه الطروحات، تعترف بالفاعل كشكل وجودي ثابت، كما تعترف بالبناء وانعكاسه على الفاعل، باﻹضافة إلى العلاقة الجدلية بينهما، لكن تدفقات هذه العلاقة الجدلية لا يمكن أن توضع في قوالب متجانسة، فهي تتصل بدرجة حرية الفاعل، ووعية وقوته وطبيعة البناءات القائمة.
إن هذا المنطق يفضي إلى حقيقة أن هناك فاعلين يتحكمون بالبنى أكثر مما تتحكم البنى بهم، وربما يسيطرون عليها، وبالمقابل هناك فاعلين تحكمهم البنى أكثر مما يتحكمون بها، وينحنون أمامها.
ومع الأخذ بعين الاعتبار، الأبعاد المصلحية في الحياة الاجتماعية، فإن بعض الفاعلين يريدون بحكم مصالحهم، الحفاظ على البنى القائمة والتمسك بها، والبعض قد يخضعون للبنى رغم تعارضها مع مصالحهم، وآخرون يريدون أو يتمنون الخلاص منها أو تغيرها، وهكذا سواء كان حضور الفاعل سلبياً أم إيجابياً، فإن إعادة الاعتبار إلى الفاعل الإنساني، يُعد مطلباً جوهرياً، لكن بالمقابل، فإن إظهار الفاعل في إطار من الحرية والاختيار، يجب أن لا يصرف النظر عن البنى المجتمعية التي تقف وراء توجيه اختياراته، ومستوى الحرية التي يتمتع بها.
فإن الفاعل ليس مُعلقاً في فراغ، وإن كانت واجهة أفعاله طوعية واختيارية، فهناك نسقية مهيمنة تعمل في الخلفية، ولو بشكل خفي، أو بعيدة أحياناً، ومن الطبيعي أن تكون طوعية من يتحكم بهذه النسقية، مختلفة في عوائدها عن طوعية من يحتكم لها.
يمكن استخدام مفهوم الإطار المرجعي، للإشارة إلى العلاقات والبنى والأنظمة التي تقف وراء الواجهة الطوعية، وتعكس تفاضلها على المستوى المجتمعي العام، بما يتضمنه من تمايزات.
لذلك يثبت ريتشارد جوهارت أن النسبية هي التي تهيمن، وليس أحكام الأشياء، وهي تمثل تجليات أو عناصر للسلطة، ومن المؤكد أنه ليس هناك ضرورة بالفعل، ﻷن يعلن أن نهاية السلطة أو انهيارها أمر مقبول، فمن الأفضل دائماً أن يقف الإنسان على قدميه، إلا أنه من الصعب دائماً أن يحمل المسؤولية عن قراراته واختياراته.

المصدر: الإشكاليات التاريخية في علم الاجتماع السياسي، عبد القادر جغلول، 1982.النظرة الارتقائية، محمد الطالبي، 1979.التفكير الاجتماعي نشأته وتطوره، زيدان عبد الباقي، 1972.السببية والحتمية عند ابن خلدون، مها المقدم، 1990.


شارك المقالة: