النموذج العلمي والنظرية العلمية في علم الاجتماع

اقرأ في هذا المقال


النموذج العلمي والنظرية العلمية في علم الاجتماع:

يتبنى كل باحث في علم الاجتماع تصوراً خاصاً عن الإنسان والمجتمع والتاريخ، ويؤثر على عدة جوانب مهمة في دراسته، مثل تحديد أهدافه العملية، وتحديد مجال دراسته، وتحديد نموذج التفسير الذي يستخدمه.

ويعد هذا الأمر شائعاً بالنسبة أي علم من العلوم في عالم الطبيعة أو الكيمياء أو الفلك، لا بدّ وأن ينطلق في دراساته النظرية والتطبيقية من نموذج علمي معين يسهم في توضيح الطريق أمامه من حيث الاختيار وتفسير والفهم.

ويمكن لنموذج علمي واحد أن يكون منطلقاً لأكثر من نظرية، ومثال على هذا أن النموذج الجرثومي في علم الحياة هو المنطلق الأساسي لأكثر من نظرية، وتفسير كل منها مرضاً معيناً، فالرأي الذاهب إلى أن الجراثيم هي التي تحدث الأمراض، ويعد نموذجاً يمكن من ضوئه تفسير أمراض التيفود والدرن.

فهذا النموذج يعد في هذه الحالة التصور العام الموجه للبحث، وكذلك الأمر في علم الاجتماع فهناك بعض النماذج العامة، والتي يعد كل منها منطلقاً ﻷكثر من نظرية، ومثال هذا أن النموذج التطوري في تفسير حركة التغير الاجتماعي والتاريخي، يعد منطلقاً ﻷكثر من نظرية طرحت في هذا الصدد مثل نظرية التطور في خط مستقيم ونظرية التغير الدائري، ويمكن أن تصنف النظريات بطريقة أكثر تفصيلاً، فنقول نظرية كونت وفيكو وسبنسر.

خطورة الالتزام المطلق بنموذج علمي معين مهما كان نوعه ومضمونه:

وينبه علماء المناهج إلى خطورة الالتزام المطلق بنموذج علمي معين أياً كان نوعه ومضمونه في جميع الحالات أو في كل الظروف، فذلك الالتزام المطلق يمكن أن يكون أمراً مظللاً في الكثير من الحالات، أو على الأقل يكون عاملاً معوقاً عن التوصل إلى التفسير الصحيح.

ومثال على هذا أن النموذج الجرثومي يفشل في تفسير بعض الأمراض النفسية الجسمية أو أمراض سوء التغذية، وأمراض التسمم الكيميائي، ونفس الوضع ينطبق على النموذج التطوري، فإذا كان هذا النموذج الأخير صادقاً بالنسبة لمجتمع معين، فإن هذا لا يعني أنه يصدق بالضرورة على كافة المجتمعات الأخرى.

ويحدث عادة استعارة النماذج بين العلوم المختلفة، ويظهر هذا بشكل واضح في علم الاجتماع، فغالبية النماذج في هذا العلم الأخير، إن لم يكن كلها مستعارة من علوم أخرى، فالنماذج العضوية والوظيفية والبنائية مستعارة من علوم الأحياء، والنموذج الميكانيكي مستعار من علم الطبيعية والنموذج الإحصائي مستعار من العلوم الرياضية وهكذا.

ما هي النظرة العلمية في علم الاجتماع؟

أما النظرية العلمية فهي عبارة عن مجموعة من القضايا العامة المصاغة بطريقة منطقية، والتي تشير إلى مجموعة من الأفكار الواضحة في الواقع العلمي، ويدل دارسين المنهاج إلى أن المسائل التي تكون النظرية العملية ينبغي أن تكون منسقة ومرتبة بصورة أن يسمح بأن تمتد منها التعميمات استقرائياً، وأن تكون هذه المسائل منتجة بمعنى أنها تقود الباحثين إلى المزيد من الملاحظات والتعميمات لتوسيع نطاق المعرفة.

وعادة ما ينطلق البحث في أي علم من العلوم بمسألة عامه هي الفرض المرغوبة اختياره لبيان مدى صحته، ويحاول الباحث تحقيق هذا الفرض بتصميم بحث تجريبي أو ميداني يمكن عن طريقه انتقاء صحة هذا الفرض استناداً على الملاحظة والتجربة والمقارنة.

ويشير بعض الباحثين إلى أن قاعدة البحث في العلم هي الملاحظة العلمية المنظمة، ويعبر الباحثون عن كل ملاحظة منفردة بقضية تنص على أنه في كل مكان وزمان معين، وتحت شرط معينة وقعت هذه الظاهرة المعينة.

وتعد مثل هذه القضايا ضرورة أساسية ﻷي علم، ولكنها لا تكفي ﻹقامة العلم، ولذلك أن الملاحظات المفردة يجب أن تتبع نظاماً معيناً، حتى نتمكن من إجراء المقارنة لبيان وجه الشبة والخلاف والتصنيف، إلى جانب إخضاعها للمقارنات الإحصائية وصولاً إلى التعميمات، وهكذا تكون هذه المعارف التي تصاغ في شكل تعميمات أعلى في مستواها من تلك التي تصاغ في شكل قضايا مفردة.

هل التعميم هو أعلى درجات المعرفة؟

ولكن هذا لا يعني أن التعميم هو أعلى درجات المعرفة، ﻷن جهود العلماء العاملين في نفس الميدان تؤدي إلى ظهور مجموعة من التعميمات تحتاج إلى إطار ينظمها ويحقق الترابط والتكامل بينها، وهكذا تظهر النظرية التي يعتبرها المفكر تيماشيف أعلى درجات المعرفة.

ويشير علماء المناهج إلى خطورة الوقوف عند مرحلة النموذج العام، وعدم بذل محاولة للتوصل إلى نظريات عملية قادرة على توضيح الظواهر توضيحاً علمياً محدداً، كذلك فإنهم ينبهون إلى خطورة تمسك العلماء بنماذج معينة.

ولعل المشكلة الأساسية في علم الاجتماع تتمثل في الوقوع في هذين المحظورين معاً، فالفكر السوسيولوجي غالباً ما يتوقف لدى العالم عند تبني نموذجاً معيناً دون تجاوزه إلى بناء النظرية العلمية.

المصدر: أصول البحث الاجتماعي، عبد الباسط حسن.علم الاجتماع الريفي، غريب سيد أحمد.محاضرات في تصميم البحوث، محمد سعيد فرح.مناهج البحث العملي، محمد الجوهري.


شارك المقالة: