حركات البربر في الشمال الأفريقي ضد الحكم الأموي

اقرأ في هذا المقال


ماذا يعني مصطلح البرابرة لغةً:

هم الأُناس تراهم الشعوب على أنهم بدائيون وليس لديهم أي نوع من التحضر ويتصفون بالشر، وأصل كلمة برابرة يوناني، وبدايةً كانت تستخدم للأُناس الذين قدموا اليونان ولا يتكلموا لغتهم، وفي العادة يتم إطلاق لقب بربري على أي شخص نراه غير متحضر؛ وذلك بسبب الصورة التي صورها الإنسان في مخيلته، ويمكن أن يكون جزءاً من مجموعة ثقافية متدنية مثل البدو الرحالين، أو الطبقة الاجتماعية، مثل قطاع الطرق سواء داخل الأمة أو خارجها.

البرابرة في الشمال الأفريقي:

كان البرابرة في الشمال الأفريقي غير راضين بالأوضاع السائدة عندهم، وخصوصاً المعاملة التي كانت يتلقونها من بعض الولاة، ممّا أدى لإشعال نار الفتنة، فقام بإثارة الثورة ضد الحكم الأموي، ومما أدى لزيادة صعوبة الأمر انتقال عدد كبير من الخوارج إلى أفريقيا، وعملوا على تحريض البربر ونشر الفتن والمذهب الثوري الخاص بهم، وربما كانت لديهم أهداف سياسية يرغبون بالحصول عليها، مثل الاستقلال عن السلطة الرئيسية.

وانطلقت أول ثورة للبربر في عهد هشام بن عبد الملك في طنجة سنة 122هـ؛ وذلك لأن عمر بن عبد الله المرادي عامل طنجة أساء معاملة البربر وكان يقسو عليهم، وبعدها استطاع الثوار الاستيلاء على طنجة، وقتلوا عاملها عمر، وبايعوا قائدهم ميسرة على خلافة طنجة، وأصبحت شوكته قوية؛ لأن جميع البرابرة كانوا معه.
وقد عمل ميسرة على استخلاف عبد الأعلى بن حديج الأفريقي ليكون والياً على طنجة، ثم ذهب إلى والي السوس وهو إسماعيل بن عبيد الله بن الحبحاب وقتله، وعندما علم والي أفريقيا عبيد الله بن الحباب أنه تم قتل ابنه، وتم أيضاً مقتل عمر المرادي، غضب كثيراً وأرسل إلى حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع وكان حينها في صقلية، وقد أعطى الأمر له بأن يعود لإطفاء فتيل الثورة التي أشعلها البرابرة.
وقام ابن الحبحاب بتجهيز جيش ضخم اشترك فيه أشراف أفريقيا ووجوهها، وكان خالد بن حبيب الفهري قائداً عليهم، فذهبوا لملاقاة ميسرة، وجرت حرب طاحنة بالقرب من طنجة، قام ميسرة بالهرب إلى طنجة من شدة الحرب، ولم يكن البرابرة راضين عن تصرف قائدهم فقاموا بقتله، وجعلوا خالد بن حميد الزناتي قائداً عليهم.
ثم سار بهم خالد بن حميد إلى المواقع التي كان فيها خالد بن حبيب، واشتد القتال بينهم وكان أسلوب البربر يقوم على الخداع، وعملوا على مفاجأة الجيش الأموي بكمين، فقاوم المسلمون وقاتلوا بشجاعة إلى قتلوا جميعاً، وقال الأثير عن هذه الحرب: وقُتل في هذه الوقعة حماة العرب وفرسانها فسميت غزوة الأشراف.
ونتيجة للمعركة الطاحنة التي جرت اختل التوازن في أفريقيا، وانتقل الاضطراب إلى الأندلس، وعندما علم أهل الأندلس بثورة البربر قاموا بالثورة هم أيضاً على أميرهم عقبة بن الحجاج، فقاموا بعزله وجعلوا مكانه عبد الملك بن قطن، وعندما علم هشام بن عبد الملك بالثورات والخسائر التي تلقتها الجيوش الأموية قال: والله لأغضبنَّ عليهم غضبةً عربية ولأبعثنَّ جيشاً أوله عندهم وآخره عندي.
وأرسل هشام جيشاً من بلاد الشام وأمر كل والي في طريقهم يخرج معهم، فكان بلج بن بشر القشيري على رأس الجيش، وعندما وصل إلى القيروان وعامل أهلها معاملة سيئة، فكتب أهل القيروان لحبيب بن أبي عبيدة يشكون بلج إليه، فكتب حبيب لكلثوم ابن عم بلج وأخبره بأعماه وأمره بالذهاب إليه.
وجعل كلثوم عبد الرحمن بن عقبة الغفاري والياً على القيروان، وذهب هو إلى حبيب بن أبي عبيدة، وكان على رأس الجيش بلج بن بشر، وحصل نزاع بين بلج وحبيب كاد أن يهلك الجيش الأموي، ولكنهم في الأخير اصطلحوا، وقام حبيب بعرض خطة حربية مدروسة على بلج لكنه رفضها، وذهبوا لملاقاة خالد بن حميد الزناتي.
وجرت حرب عظيمة بين المسلمين والبربر، وانتهت بمقتل كلثوم والي أفريقيا وحبيب بن عبيدة وكثر من وجهاء العرب، وهرب الباقون إلى الأندلس ومن بينهم بشر، والآخرون ذهبوا إلى القيروان، وكان السبب الرئيسي لهذه الخسارة الفادحة هو احتلاف رأي قادة الجيش.
وعندما رأى البرابرة نصرهم، ذهبوا إلى مدينة القيروان لنهبها واستباحتها، وكان جيشهم يُقدَّر بثلاثمائة ألف جندي، ولكن الله أراد هزيمتهم بجيش يبلغ اثنا عشرة ألف جندي، وتشتت جمع البرابرة، واستمرت فلول الجيش الأموي في مدينة القيروان تناوش البربر، وظهر رجل بعدها يقال له عكاشة بن أيوب الفزاري في قابس، وكان يتبع رأي الخوارج الصفرية، وسار له جيش من القيروان بقيادة مسلمة بن سوادة.
ودارت حرب بين المسلمين بقيادة مسلمة والبربر بقيادة عكاشة، وحدثت حرب شديدة بينهم انتهت بخسارة جيش مسلمة بن سوادة، وعملت بعدها القيادات القريبة باستجماع قوتها للإلتقاء بجيش عكاشة مرةً أخرى، وتقابل الطرفان وانتهت الحرب بهزيمة عكاشة ومقتل الكثير ممّن معه.

المصدر: كتاب هشام بن عبد الملك والدولة الأموية، علي عبد الرحمن العمروكتاب الدولة الأموية، محمد سهيل طقوشكتاب الكامل في التاريخ الإسلامي، ابن أثيركتاب الدولة الأموية عوامل الإزدهار وتداعيات الإنهيار، علي محمد صلابي


شارك المقالة: