عادات وتقاليد الولادة في بروناي

اقرأ في هذا المقال


عادات وتقاليد الولادة في بروناي:

بقدر تعمق جذور الطقوس الإنسانية المصاحبة لحدث “الولادة” في جميع الدول العربية عبر التاريخ، واتساعها في الجغرافيا، إلا أن تفاصيل طقوس الاحتفال بقدوم المولود الجديد تتنوع متحولة إلى أشكال متبدلة مع مرور الزمن، وتتلون بالموروث الذي ترتكز عليه أعراف وتقاليد كل منطقة، بل إن هذا التنوع ينتشر في القرية الواحدة، ويختلف باختلاف العائلات وأصولها، وباختلاف المستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسر.

ظاهرة الأنثى أو الذكر في عادات الولادة في بروناي:

أبرز ظاهرة شائعة منذ الزمن القديم، ظاهرة التمييز الفاحش بين الذكر والأنثى، فالطقوس الاحتفالية التي تصاحب الولادة تتباين في بعض جوانبها حتى بين عائلة وأخرى، لكنها جميعها تجعل من هذا الحدث فرصة للتعبير عن الفرح والزهو خاصة بل حصرياً إذا كان المولود ذكراً فقط، يتساوى الذكر والأنثى وهما في رحم الغيب، إذ تبدأ الاستعدادات لاستقبال المولود الجديد منذ فترة “الوحام”.

طقوس الوحام في عادات الولادة في بروناي:

طقس “الوحام” هو الطقس الوحيد الذي يتيح للمرأة الدلال وتحقيق الرغبات التي تتطلبها بأكملها، كما أنه يكشف عن الحرمان الذي تعانيه المرأة، وقد حفلت القصص الشعبية بحكايات محورها أو عقدتها تنطلق من “الوحمة”.

طقوس الولادة في بروناي:

بمجرد شعور المرأة بأعراض الحمل، يُرْسَل في طلب القابلة التي تكون من أفضل نساء القرية الخبيرات في التوليد، إذ تبدأ وبطرق متوارثة عن أسلافها، في مساعدة المرأة الحامل على الوضع، وقطع السرة وربطها ورشها بمسحوق الكحل، ثم تقوم بغسل الوليد ولفّه.

أما إذا تعسرت الولادة الطبيعية، فيُرسل إلى الزوج مرسال يطلب منه أن يخلع ثوبه ويرتديه بالمقلوب حتى تتيسر الولادة، وتقوم القابلة بتمرير مسبحة اليسر حول جسم المرأة مع قراءة سورة الفلق خمس مرات، ومسبحة اليسر 99 حبة، يوسع خيطها الناظم حسب مقاس المرأة وتمرر من رأسها وكتفيها إلى خصرها واليسر مرجان بحري أسود نادر يستخرج من البحر الأحمر وتصنع منه حبات مسبحة اليسر.

عادات إعلان الولادة في بروناي:

إذا مرت طقوس الولادة بسلام، وكان المولود ذكراً، فإن النساء يطلقن الزغاريد بصوت مرتفع، وهي الإشارة التي تعلن للزوج الذي عادة ما يكون بعيداً عن البيت عند ولادة زوجته، إذ لا يليق بالرجل أن يكون بالمنزل المكتظ بالنساء، فيكون في العمل أو في الدكان، وهنا نشير إلى أن دكان القرية كانت أشبه بمضافة نهارية يتجمع عند بابها الرجال أوقات راحتهم.

ومن العادات الغريبة لدى النساء في بروناي أن إطلاق زغرودة واحدة تعني أن المرأة قد وضعت بنتاً، أما إذا وضعت ولدا فثلاث زغاريد.

في حال ولادة أنثى يكتفون بالقول عابسين: الحمد الله ع سلامة أم العيال، أما إذا كان المولود ذكراً، يمتلئ الحي السكني بالزغاريد، ثم يقوم جد الغلام أو عمه بإطلاق النار في الهواء، ويتسابق الأولاد إلى والد المولود للحصول على البشارة نقوداً أو حلوى، بعدها يجتمع أقارب المولود الجديد في المضافة للمباركة.

عادات النفاس في بروناي:

بعد الاطمئنان على صحة الأم النفساء يقدم لها “للولاّدة” العسل المزوج مع السمسم، ثم يرتفع ضجيج الدجاج فيذبح ديك، وتتكلف بعض نساء العائلة بطهيه، ويُقدّم مرقه للنفساء؛ لتشربه كمقوي يساعدها على استرداد عافيتها، فيما تقوم القابلة بتنظيف الوليد وغسله سبع مرات واحدة منها بالحرث؛ أي تراب الحقل.

وقد وجد لديهم امتيازاً وحيداً للمولودة الأنثى، ومن هذه الأمتيازات تكحل ويرسم حاجبيها بالكحل، ويعلقون على قماطها قطعة “شبه”؛ ليأتي المولود الذي بعدها ذكراً.

عادات الزيارات للمولود في بروناي:

تتسابق النسوة والأقارب لزيارة المولود الجديد والإطمئنان على صحة الأم ومولودها، إذ يجلبن معهن في الغالب بعض الهدايا التي تكون عبارة عن بيض أو حبوب، أما أم المرأة “الولّادة” فتحضر إفطاراً لابنتها عبارة عن صينية دجاج، وقريباتها يخبزن لها نوع خاص من الفطائر يسمى “المردد”، أو يحضرن العجة بالبيض والجِعدة.

يُقدم للنساء الزائرات مشروب القرفة والزنجبيل والزبيب والجوز، بينما يكون الزوج وأصحابه من الرجال في غرفة أخرى أو في مضافة العشيرة يتسامرون حول صينية الزبيب والبطم، ويتم التحضير للأطفال المخشرم وحلو الذواب، وفي بعض العائلات القرفة والزنجبيل يُقدم للرجال والنساء.

طقوس سبوع المولود في بروناي:

وهو اليوم السابع على مرور الولادة، يعتبر هذا اليوم يوم العقيقة، يشهد فيه حركة زائدة في منزل العائلة، حيث تقوم النسوة في الصباح الباكر بمساعدة المرأة النفساء على الاغتسال، ويستعملن بعض الأعشاب مثل الخزامة أو الشيح والقيصوم مع ماء الغسل وبعده يتم تبخيرها بحرق عيدان الدفلى. ثم ترتدي ملابس جديدة تليق بالمناسبة وتتزين.

حيث تقوم النساء بغسل المولود بالماء المملح، لأنهم كانوا يعتقدون أن الاغتسال في هذا المسحوق يطيل العمر ويجعل الطفل رجلاً مقتدراً، ثم يكحل الطفل ويجرى تسليمه إلى جده أو أبيه أو شيخ الجامع، الذي يؤذن للمولود الجديد في أذنه اليمنى، ثم يكبر ثلاث تكبيرات في أذنه اليسرى. وإذا كانت المولودة أنثى فيختلي بها أبوها ليؤذن ويكبر في إذنها بلا طقوس، وقد يسمح للأم باختيار اسم ابنتها.

لا يختلف أفراد العائلة في اختيار الاسم المقرر للمولودة، وإذا كانت المولودة قد جاءت بعد أخوات لها تسمى كفاية أو ختام أو رابعة، أما الذكر فغالباً ما يحسم الأمر في اختيار اسم أحد أصوله.

يتم ذبح العقيقة في العادة عند حلول وقت العصر، وفي الغالب ما يذبح كبش خصوصاً إذا كان المولود ذكراً، ويحضره شيخ الجامع وعدد من رجال القرية للعشاء ويقومون بعد تناول الطعام أو قبله بتلاوة بعض السور من الذكر الحكيم والدعاء للمولود الجديد ولأفراد العائلة.

طقوس الأربعين بعد الولادة في بروناي:

لا يغادر المولود سواء كان ذكراً أو أنثى بيت العائلة، قبل أن يستكمل إكمال الأربعين يوماً من عمره، وعند حلول اليوم الأربعين عادة يحلق رأس المولود بالكامل، أو ما يعرف بـ”الزيانة”، وترافق هذه العملية طقوس وعادات مختلفة، ومنها ما يقوم بها جد المولود “الطفل” من جهة الأم في المرتبة الأولى أو جده من جهة الأب في حالة غياب الأول أو شيخ الجامع أو أحد رجال العائلة الكبار.

قبل حلول وقت عملية حلق رأس المولود، يقوم الشخص المكلف بهذه المهمة بالبدء بحلق الشعر من الأطراف بطريقة دائرية مع ترك “القنة” قنة الرأس؛ لوضع الحناء عليها، ويعمد إلى دهن المناطق التي مرر فيها موس الحلاقة بالحليب المستخرج من ثدي أمه بدل الماء حتى لا يلتصق بها الحناء.

كما توضع في مقدمة رأس الطفل تميمة، غالباً ما تكون عبارة عن كف مصنوع من الذهب أو الفضة؛ لاعتقادهم أنه يستخدم لطرد الأرواح الشريرة وحمايته من العين، وتسمى “الخميسة” أو “الكف”.

وتعرف أيضاً باسم “يد فاطمة ” تعود إلى فاطمة الزهراء، وتعرف عند المسيحيين “يد مريم” إشارة إلى مريم العذراء عليهما السلام، تمنع الأذى عن جسم الإنسان أو ما يخصه إذا ما دُفعت في وجه الحسود، وتدفع الأم كفها بعد فرد الأصابع الخمسة في وجه من تظن أنه يضمر الحسد لها أو لوليدها، وتنطق بالعدد “خمسة” أو تذكر كلمات مرتبطة برقم خمسة إذا أرادت التورية وعدم إشعار زائرتها بالريبة، كأن تقول اليوم الخميس، أو اشتريت بخمسة قروش كذا أو قبل خمسة شهور صار كذا وهكذا.

خلال مرور الأربعين يوماً بعد الولادة لا تخرج الأم بمولودها من البيت. ويمنع منعاً باتاً أن يتخطى جسد المولود أحد “يمر من فوقه”، لذا فإنه عادة ما يوضع سريره أو مكان رعايته في ركن البيت بعيداً عن جميع الأشخاص وأهالي البيت.

في كل قرية من دولة بروناي كان مزار الخضر، يكسى بقماش أخضر اللون، ويوقد فيه سراج وقوده من زيت الزيتون أو الزيت النباتي، وتزوره المرأة وابنها في اليوم الأربعين بعد الولادة إذّ يكون ذلك أول خروج للمولود من البيت.

عند حلول مساء يوم الأربعين من الولادة، يوقد البخور في جميع أطراف البيت، ويقرأ شيخ الجامع كتيب المولد النبوي الشريف على صاع من الشعير المملح والمقلي، وصينية حلوى، وغالباً ما كان يقرأ “مولد العروس” لابن جوزي الذي لازمته.

ومن الأقوال التي ينشدونها:

صلوا عليه وسلموا تسليما.

الله زاد محمدا تعظيما.

تقوم النساء في بروناي بأخذ شيء من شعر المولود وخلطه ببعض الشعير المقري، أي الذي قُرئ عليه المولد ويجمع في قطعة من القماش ذات اللون الأبيض، تكون بيضاء اللون، بعد ذلك يجري ربطها إلى عنق الطفل، أو تعلق بمشكالٍ على قماطه؛ لتظل ملازمة له حتى ينبت أول أسنانه، باعتبارها تمنع عنه أذى الإنس والجن.

ويدخل بعد ذلك الطفل في مرحلة جديدة من عمره، تصاحبها بدورها عادات وطقوس أخرى من الموروث الشعبي في دولة بروناي.

المصدر: تاريخ واسط، أسلم بن سهل الرازيموجز تاريخ العالم، هربورت جورج ويلز، 2016دول العالم حقائق وأرقام، محمد الجابريآثار البلاد وأخبار العباد، أبو يحيى القزويني، 2005


شارك المقالة: