علاقة خلافة العباسية بالبويهيين

اقرأ في هذا المقال


علاقة خلافة العباسية بالبويهيين:

كان من الواقع أن يسترجع البويهيون الأمان والطمأنينة والوحدة إلى أرض الخلافة ليفرضوا سيطرتهم على كل شيء، وضبط تنظيم جندهم، وإعطاء المجال للخلافة كي تتفرد بمسؤولياتها وتبتعد عن إثارة الفتن المذهبية. إلا أن ذلك لم يتحقق لأنهم دخلوا بغداد يحملون روح العداء للخلفاء العباسيين المخالفين لهم في المذهب.

وقد أخذ على عاتقة مُعز الدولة بعد فتح بغداد، وسيطرته على الأمور فيها، في إلغاء الخلافة العباسية. إلا أنه توقف، بعد أخذ مشورة أصحابه، لأن مثل هذا التغيير كان سيعرض العالم الإسلامي لهزات عنيفة بالإضافة إلى زعزعة الحكم البويهي. وبالتالي فإنََ العراق الذين حاول معهم مُعز الدولة استمالتهم إليه، كانوا على مذهب الإمامية وهذا يدل على أن تنصيب خليفة زيدي سيكون مُمائلاً في نظرهم، بالمقارنة مع الخليفة العباسي.

لهذا شعر مُعز الدولة من خلال أفكارة السياسية القوية بأن البقاء على الخلافة العباسية أفضل، مُتبعاً المبدأ الزيدي القائل: (بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل) وأخذ على هذا الأساس الذي أقرّه المبدأ الزيدي، وعلى أساس المصلحة السياسية، أن يدين بالولاء لخليفة سُنيّ، إلا أنه اتبع سياسة ترمي إلى الحد من سلطته مقابل تقوية نفوذه.

لقد ساد العهد البويهي شيء من الاستقرار السياسي من حيث مدة حُكم الخلفاء. فقد تولى الخلفاء الحكم سنوات طويلة قبل أن يعزلوا. من ذلك فقد تولى الخليفة المطيع الحكم مدة 29 عاماً (334 – 363 هجري)/(946 – 974 ميلادي)، والطائع 18 عاماً (363 – 381 هجري)/(974 – 991 ميلادي)، والقادر 41 عاماً (381 -‏ 422 هجري)/(991 – 1031 ميلادي).‏

ولعل مُرد ذلك يعود إلى أن إمرة الأمراء التي تولاها البويهيون، كانت تتحمل كافة تبعات الحكم، وأضحوا في ظلها مطلقي التصرف في العراق مقابل استمرار تحديد نفوذ الخليفة الذي ظل رمزاً لا يتولى من مقاليد الأمور شيئاً يمكن أن يُنازعه فيه أحد، واقتصر عمله على إضفاء الصفة الشرعية على أعمالهم.

قالوا الكثير من المؤرخين بأن بنو بويه قاموا بإذلال الخلفاء العباسيين وسلبوهم حكمهم، ولم يتورعوا عن التعدي على أشخاصهم أحياناً، وأن الخلافة خسرت هيبتها، ووهنَ شأنها، في عهدهم، وأن الخليفة أضحى ألعوبة في أيديهم، يُمثل رمزاً دينياً، ليس له من السلطة سوى الاسم فقط، أما السلطة الفعلية في الدولة فكانت في يد الأمير البويهي.

والأصل أن بنو بويه لم يكونوا المشكلة الأساسية لضعف الخلافة العباسية، وخسران هيبتها، بل إنهم ورثوا وضعاً قائماً بدأ قبل عهدهم، فقد الخليفة في أثنائه كل اختصاصاته كمصدر أول للسلطة في الدولة وهكذا، يمكن القول أن بني بويه حين تولوا منصب إمرة الأمراء، لم يغيروا شيئاً من صلاحيات ومسؤوليات من يتولى هذا المنصب، ولعل التغيير الذي حدث هو جعل إمرة الأمراء وراثية في بيتهم، بل إن مُعاملتهم للخلفاء، جرت على النسق الذي كان متبعاً قبلهم.

ولعل أوضاع الخلافة في عهدهم، كانت أفضل مما كانت عليه في عصر النفوذ التركي، وذلك بفعل، استقرار الحكم لبني بويه، مما أبعد الخلفاء عن المشاكل التي كانوا عرضة لها في الأيام السابقة، نتيجة لتنازع القادة وأمراء الأمراء حيث كان ذلك سبباً مُباشراً لخلعهم في أوقات متقاربة، والاعتداء عليهم. بل إن الأمراء البويهيين حرصوا على إظهار الطاعة والولاء لمقام الخليفة العباسي أمام الناس، نظراً للنفوذ الديني الذي كان يتمتع به بين المسلمين باعتباره الرئيس الأعلى للجماعة الإسلامية.

الوراثة في أسرة بني بويه:

ولما انتهى الصراع على السلطة، وأصبح منصب أمير الأمراء وراثياً في أسرة بني بويه، لم يعد هناك من داع للاحتكاك بالخليفة. ومن جهة أخرى، فقد فوّض الخليفة إلى الأمير البويهي إدارة الدولة بصفة رسمية مما أضفى الصفة الشرعية على تصرفاتهم وأعمالهم.

والواقع أن الأمراء البويهيين لم يتدخلوا في اختيار الخليفة العباسي، وفي عزله من منصب الخلافة سِوى مرتين، كانت أولاهما في عام (334 هجري)/(945 ميلادي)، أي عقب دخولهم بغداد مباشرة. فقد قبض مُعز الدولة البويهي على الخليفة المستكفي وخلعه من الخلافة، وبايع للمطيع، والراجح أن الأمير البويهي سلك هذا النهج مع الخليفة بفعل عاملين وهما سياسي وديني.

أما السبب السياسي والأساسي، سببه أن الخليفة المستكفي كان يتواصل مع ناصر الدولة الحمداني أثناء الصراع العسكري الذي كان بينه موصولاً وبين مُعز الدولة في الموصل، ويُطلعه على أسرار الجيش البويهي العسكرية وتحركاته. وأما السبب الديني، فقد قبض على الخليفة وكان يتولى الإفتاء في بغداد، وأهانه أمام معز الدولة. فاستاء هذا الأخير. فأقدم على خلع المستكفي الذي أظهر عدم احترام لمذهبه.

تدخل البويهيين في الخلافة:

وأما المرة الثانية التي تدخل فيها البويهيون في خلع الخليفة العباسي فكانت في عام (381 هجري)/(991 ميلادي)، عندما خلع بهاء الدولة الخليفة الطائع وأجلس القادر على سدة
الخلافة. وقدعزا السيوطي ذلك إلى أن الخليفة قبض على أبي الحسن بن المعلم، وكان من خواص بهاء الدولة، وسجنه. فعظم ذلك على بهاء الدولة فقبض على الخليفة، وخلعه واستولى على أمواله، وعلى كل ما وجده في دار الخلافة.

لكن كان السبب الرئيسي وراء حادثة الخلع قضية مالية. فقد شعر بهاء الدولة بضيق في الأوضاع الأقتصادية، والتف صراع الجند حوليه، فزيّن له أبو الحسن بن المعلم بالقبض على الخليفة والاستيلاء على أمواله. أما فيما يتعلق بنفقات الخليفة، فإن أمراء الأمراء كانوا قد خصصوا لتلك النفقات ضياعاً تُسمى (الضياع المستخلصة)، أما بنو بويه فجعلوا للخليفة راتباً.

فقد خصص معز الدولة للخليفة المستكفي راتباً يومياً حدده بمبلغ خمسة آلاف درهم، ويبدو أنه وجد أن ذلك غير عملي، لأن الأموال قد تتأخر، لذلك أضاف إلى المياومة، بعد فتح البصرة في عام (336 هجري)/(947 ميلادي)، ضياعاً مُستخلصة بمثابة إقطاعات، ومع ذلك فقد كانت أموال الخليفة عرضة للمصادرة.

المصدر: ❞ كتاب تاريخ الدولة العباسية 132-656هـ ❝ مؤلفة د.محمد سهيل طقوش ص (223 – 229)❞ كتاب سلسلة تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأول ❝ مؤلفة شوقي ضيف❞ كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية ملون ❝ مؤلفة سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوث❞ كتاب الدولة العباسية ❝ مؤلفة محمود شاكر أبو فهر


شارك المقالة: