كبار السن وحاجتهم إلى الخدمة الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


في هذا العصر الذي نحرص فيه على تجميع طاقاتنا البشرية في سبيل التقدم والبناء، تقف مسألة رعاية المُسنين ضمن موضوعات الساعة التي يجب أن تسترعي اهتمام المسؤولين وانتباههم، والتي يجب أن يُنادي بها العاملين في ميادين العلوم الاجتماعية بصفة عامة والخدمة الاجتماعية بصفة خاصَّة.

النظرة العامة لكبار السن

لم تعدْ النظرة إلى كبار السِنّ في المجتمعات الحديثة نظرة إهمال أو حتى نظرة شفقة أو صدقة؛ بل أصبحت النظرة إلى هذه الفئة نظرة اهتمام ورعاية مثمرة. وكما أنَّ مشروعات التأهيل قدّ قامت من أجل الحصول على أكبر طاقة ممكنه من كبار السِنّ؛ فبدأت المجتمعات الحديثة تنظر إلى كبار السِنّ على أساس تمكينهم من أن يصبحوا أعضاء نافعين في بيئاتهم سعداء في مجتمعاتهم، منتجين ما استطاعوا من الإنتاج. هذه فلسفة العصر الحديث وهذه إحدى خصائصه وإذا كان هذا يُطَبّق على المجتمعات بشكل عام فإنَّه يسهِّل تطبيقه على المجتمعات النامية بشكل خاص.

ورعاية المُسِنين يمكن أن ننظر إليها من أكثر من زاوية؛ فكِبَر السِنّ هو أصلاً مرحلة من مراحل النمو، وهو آخر هذه المراحل. ولا شكّ أنَّ المرء عندما يتصوّر نفسه في آخر مراحل العمر وقد أمِنَ واطمأن على ظروف معيشته وسَعِدَ واستقر بالنسبة لمستقبل حياته؛ فإنَّ ذلك سوف ينعكس على حياته وإنتاجه في مقتبل العمر. فليس ألزم للسعادة والنشاط والبناء من الشعور بالأمن والاطمئنان على مستقبل الأيام.

المسنين طاقة بناءة حين تستغل بالشكل الصحيح

من ناحيةٍ أخرى فإنَّ المسنين أنفسهم طاقة بناءة يمكن استغلالها والإفادة منها وإلَّا فإنَّ الصورة ستنعكس ويصبحون عوامل هدم بدلاً من أن يكونوا عوامل بناء، فمن المعروف انَّ كبار السن إذا لم يشغلهم عمل يصرفون فيه جهودهم أو يقضون فيه وقت فراغهم.

قدّ يصبحون عبئاً شديداً على من حولهم وعلى أنفسهم أيضاً، حتى لو كانوا أصحّاء أقوياء أشداء من الناحية الجسدية والصحية ذلك لأنَّهم قدْ يصبحون شديدي العناد كثيري النقد، شديدي التَسلّط يأمرون وينهون لمجرد إشباع رغبتهم في الأمر والنهي وهم في ذلك معذورون؛ لنتصوّر عائل أسرة مثلاً أمضى أكثر من ثلاثون عاماً يصحو يومياً مبكراً للذهاب إلى العمل في ساعة معينة ثمَّ يعود إلى منزله ظهراً لكي يستريح قليلاً ثمَّ يذهب إلى عمل آخر أو يُمارِس نشاطاً معيناً ثمَّ يجد نفسه فجأةً بعد كل ذلك بقرار إحالته إلى التقاعد والمعاش.

وقدّ أصبح يعيش في فراغ قاتل ليس لديه من الأعمال ما يصرف فيه وقته وانفضَّ من حوله الكثيرين الذين كانوا يتفاعلون معه ويحتاجون إليه، عندئذٍ يشعر بالملل من ساعات يومه الرتيبة الروتينية لا تغيير عليها ولا تبديل، ويترتَّب على ذلك شعور متراكمة بالتوتر والإحباط خاصَّةً إذا ما كان قدْ فقدَ عمله مع عمله سُلّطَةً معينة أو مركز اجتماعي كان يُمارِسُ فيه الشعور بالاهتمام والتقدير.

هذا بالإضافة إلى ما يشعر به المُسِن من حاجةٍ إلى الانتماء وتكون النتيجة النهائية هي انعكاس ذلك كله على مَن حوله من أفراد الأسرة في صورة مشكلات متعدِّدة أغلبها ما تكون أسبابها تافهة، هذه صور مخفّفة لِما قدّ يحدث لكبار السِنّ ممَّن لا يجدون الرعاية اللازمة. ولعلَّ ذلك كله ما يوحي إلينا بأهمية الرعاية والخدمة الاجتماعية لكبار السِنّ، والواقع أنّ هذه الرعاية إنَّما تفرضها الآن ظروف العصر وملابساته فقديماً كانت العلاقات الاجتماعية من البساطة بحيث كان الفرد يجد من أسرته ومن أقربائه مَن يعوّض عمّا فقده من علاقات ويقوم على رعايته إذا لَزِمَ الأمر.

أمّا الآن بعد التطوّر الحضاري الذي نعيش فيه تغيّر شكل المجتمع وأصبحت علاقاته الإنسانية ليست علاقات مباشرة أولية كما كانت بلّ وأصبحت من التعقيد بحيث لا يجد كبير السِنّ من أفراد أسرته من يتفرَّغ لخدمته ويسهر على راحته وأصبح لِزاماً أن توجد المؤسَّسات المتخصّصة والبرامج الخاصّة التي تقوم بأداء هذه الخدمة لكبار السِنّ.

وعلى الرَّغم من إحساس جميع الناس بأهمية مرحلة الشيخوخة؛ فإنَّ معظم الناس يصرفون انتباههم عنها وكأنَّها شيء لا يخصهم وخاصَّةً إذا كانوا شباب مفعمين بالحيوية والنشاط والصِّحة والأمل. فهي مرحلة غير مغرية لهم بالبحث، ولذلك يجب التركيز والاهتمام على هذه المرحلة العمرية بشكل أفضل وتبصير الناس بأهميتها من خلال مراكز الخدمة والرعاية الاجتماعية.


شارك المقالة: