ما هو مبدأ العلاقة المهنية في الخدمة الاجتماعية

اقرأ في هذا المقال


تنشأ بين الأخصائي وبين وحدات الخدمة التي يتعامل معها أفراد وجماعات ومجتمعات علاقة تتصل بالعمل سُميت بالعلاقة المهنية وذلك تمييزاً لها عن أنواع العلاقات الأخرى. وتتكون العلاقة المهنية من مجموعة من المثيرات والاستجابات بين الأخصائي والعميل يحدّدها إطار معين يتشكل وِفقاً لطبيعة الموقف.

مبدأ العلاقة المهنية وعلاقته بالمبادئ الأخرى

اختلفت الآراء بين الباحثين في تصنيف العلاقة المهنية، الفريق الأول يُعِدّ العلاقة المهنية مبدأً من مبادئ الخدمة الاجتماعية، بينما يُعِدّها الفريق الثاني أساساً للمبادئ المهنية الأخرى. ويرى أنصار الفريق الثاني أن باقي مبادئ الخدمة الاجتماعية تدور في محور العلاقة المهنية ودونها لا يستطيع الأخصائي الاجتماعي تحقيق المبادئ الأخرى، ويضيفون بأن التزام الأخصائي الاجتماعي بالمبادئ الأخرى يدعِّم ويقوّي العلاقة المهنية بينه وبين العميل الأمر الذي سوف يؤدي إلى تسهيل عملية تقديم الخدمة وتيسيرها.
إذن العلاقة المهنية هي المبدأ الأساسي لمهنة الخدمة الاجتماعية، وأنَّ المبادئ الأخرى سوف تُؤدى في حال تطبيقها وإقامة علاقة مهنية بين الأخصائي والعميل على اختلاف مستوياته: فرد أو جماعة أو مجتمع. وسيكون لها آثار إيجابية على تحقيق أهداف الخدمة الاجتماعية، فالعلاقة المهنية تتأثر بالمبادئ الأخرى وتؤثر فيها وأن العلاقة بينهما هي علاقة جدلية تبادلية.

مفهوم العلاقة المهنية


العلاقة بمفهومها العام هي: حالة من الارتباط بين شخصية أو أكثر بموضوع معين، وتمثِّل العلاقة المهنية في الخدمة الاجتماعية حالة من الارتباط المهني المؤقت بين العميل بمستوياته المختلفة من فرد، جماعة، مجتمع وبين الأخصائي، وتنتهي بتحقيق الأهداف التي أُقيمت من أجلها.
وتتميز هذه العلاقة بأنها عملية تفاعل بين الجانب الوجداني العاطفي والجانب العقلي الموضوعي، ونعني بالتفاعل الوجداني بأنه عملية تقوم على أساس تَقبُّل الأخصائي الاجتماعي وتفهُّمه لمجموعة المشاعر السلبية التي يعانيها العميل ويعبّر عنها، وكذلك تقبّل الأفكار والمعاني التي يُبديها العميل وتفهُّمها عند تفسيره لمشكلته والظروف التي يعيش فيها، أما التفاعل العقلي فهو استجابة الأخصائي الاجتماعي المناسبة التي تعتمد على فَهمه وتحصيله للحقائق الذاتية من وجهة نظر العميل والحقائق الموضوعية للواقع الذي يعيشه العميل، وأن يقوم الأخصائي الاجتماعي بعد ذلك بطرح مجموعة من الأفكار والآراء والحلول التي تناسب مشكلة العميل.
والعلاقة المهنية هي أساس يجمع طرق الخدمة الاجتماعية، ولا تقتصر على طريقة دون الأخرى، فالأخصائي الذي يعمل بطريقة العمل مع الجماعة يعتمد في عمله على العلاقة المهنية التي يبنيها مع أفراد الجماعة وقدرتِه على تفهُّم كل فرد فيهم، وعلى مساعدة الجماعة على تحقيق الأهداف التي رسمتها بنفسها، وكذلك الأمر في طريقة تنظيم المجتمع، حيث يجب على الأخصائي الاجتماعي أن تكون لديه القدرةَ على تكوينِ علاقة مهنية إيجابية مع أفراد المجتمع المحلي ليكون قادراً على التفاعل معهم أثناء عمليات ومراحل تنظيم المجتمع.

الفرق بين العلاقة المهنية والعلاقة الشخصية


1 – العلاقة المهنية وسيلة لغاية محدّدة هي مساعدة العميل فرد أو جماعة أو مجتمع وذلك لعلاج ما يَعترِضَه من مواقف صعبة، بينما العلاقة الشخصية تعتبر غاية في ذاتها تُشبِع حاجات اجتماعية لدى الفرد.
2 – يتدخل التوقيت في التمييز بين العلاقة المهنية والعلاقة الشخصية، فالعلاقة المهنية موقوتة بوقت معين، وتنتهي بانتهاء تقديم الخدمة باعتبارها الأصل في قيام هذه العلاقة، بينما العلاقة الشخصية بطبيعتها تُعارِض فكرة التوقيت إذ ليس لها أن تنتهي بتاريخ معين.
3 – تقوم العلاقة المهنية على أساس من الحقائق العلمية من ناحية، وعلى المهارات والخبرات المُتصلة بالنشاط المهني من ناحية أخرى، ويتم اكتساب هذه المهارات والخبرات عن طريق مرحلة مخطّطة من التدريب النظري والعلمي، ومن هنا تتَّسم العلاقة المهنية بالموضوعية؛ لارتباطها بحقائق ومهارات أكثر من ارتباطها بمشاعر ذاتية، هذا بخلاف العلاقة الشخصية التي تكون فيها الاعتبارات الذاتية رُكناً هامّاً من أركان العلاقة الشخصية.
4 – لا تتأثر العلاقة المهنية ولا ينبغي أن تتأثر بمظاهر السلوك التي تصدر عن العميل خلال عملية الاحتكاك والتفاعل بين الأخصائي والعميل؛ لأن هذه المظاهر السلوكية في كثير من الأحيان تصدر تعبيراً عن الصعاب التي تعترض العميل أكثر منها نحو الأخصائي بغرض النيل منه على أي صورة من الصور، وليس الأمر ذلك بالنسبة للعلاقة الشخصية.

خصائص العلاقة المهنية


1 – تمثل حالة من التفاهم بين طرفيها وتنمو تدريجياً في أثناء عمليات تبادل المشاعر والأفكار، وبما أن العلاقة المهنية حالة تنمو فهي لا تخضع لأيِّ معايير أو إجراءات محدّدة.
2 – تَمرّ العلاقة المهنية في ثلاث مراحل أساسية هي البداية والوسط والنهاية: أما بداية العلاقة المهنية فهي مرحلة استطلاعية اختباريه تظهر فيها علامات المقاومة النفسيّة من جانب العميل، يأتي العميل إلى مكتب الأخصائي وهو يحمل في نفسه تساؤلات عديدة من ضمنها: مَنْ الأخصائي وما شكله؟ ما طريقة الأخصائي وأسلوبه في التعامل معي؟ هل يساعدني أم يسخر مني أم يرفض مساعدتي؟ كيف أُطلِع الأخصائي على مشكلتي وهل يُصدّقني؟
ويتميز وسط العلاقة المهنية بالاستقرار، فتخفّ مشاعر القلق والخوف عند العميل وتنمو بدلاً منها مشاعر الثقة المتبادلة، كما تتميَّز بالتفاعل العقلي وخاصة عن طريق الاستجابات العقلية والموضوعية التي يظهرها الأخصائي الاجتماعي تِجاه مشكلة العميل.
أما نهاية العلاقة المهنية فتتميَّز بالتمهيد من جانب الأخصائي لإقفال ملف الحالة إما بالوصول إلى حلّ للمشكلة أو بتحويل الحالة إلى مصادر خدمات مجتمعية أو مهنية أخرى، وهنا يجب على الأخصائي أن يبدأ بالتخفيف من حِدّة التفاعل تمهيداً لإنهاء العلاقة. ومن أبرز أساليب إنهاء العلاقة التباعد الزمني بين المقابلات، وربط العميل بالواقع، وحَثّه على الاستقلال خصوصاً في مراحل تنفيذ الخطة العلاجية.
3– العلاقة المهنية علاقة مؤسسية: يميّز العلاقة المهنية ارتباطها بوظيفة المؤسَّسة الاجتماعية التي يعمل فيها الأخصائي وإمكانيتها وظروفها وخصائصها الإدارية، ولابد هنا من الإشارة إلى أن العلاقة المهنية تبدأ عندما تنطبق شروط المؤسسة على حالة العميل.
4 – العلاقة المهنية علاقة قيادية: يقصد بالقيادية هنا التي يستمدها الأخصائي من طبيعة وظيفته في المؤسسة التي يعمل فيها، فالأخصائي هو الشخص الذي يأتي إليه العميل طالباً المساعدة في حل مشكلته، فالأخصائي يستمدُّ من وظيفته مكانة تؤهله لقيادة العلاقة المهنية والسير بها نحو الوصول إلى علاج لمشكلة العميل.
ولا يَصحّ بكل الأحوال أن تكون العلاقة المهنية بين فريقين متكافئين أي بين الأخصائي الاجتماعي والعميل لأنها إن كانت كذلك فإنها سوف تفقد قيمتها المهنية. ويتوقف نجاح العلاقة المهنية على ثقة العميل بقدرات الأخصائي وخبرته ومهاراته في التعامل مع المشكلة بشكل يؤدي إلى علاجها، والأخصائي بما هو مزوّد به من معارف وخبرات وبما يتّصف بهِ من مهارات يستطيع قيادة المقابلة وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المحدّدة لها.

أنماط العلاقة المهنية العلاجية


أ – العلاقة المهنية التصحيحيّة أو التقويمية: وهي قدرة الأخصائي على تقييم بعض الاضطرابات أو العادات السلوكية وتصحيحها، وتعديل اتجاهات العميل نحو نفسه ونحو الظروف البيئية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يعيشها، وتعديل اتجاهاته نحو الآخرين.
وتُستخدَم الطريقة التقويمية مع المضطربين نفسياً ومع بعض حالات انحراف السلوك أو العادات السلوكية السلبية مثل:

  • حالات الاضطرابات النفسية مثل: القلق، الخوف، الوساوس، وغيرها.
  • حالات الانحرافات السلوكية مثل: السرقة، الاعتداء اللفظي، أو الجسدي، أو غيرها.
  • حالات العادات السلوكية السلبية مثل: مص الأصابع، قضم الأظافر، التبول اللاإرادي، وغيرها.
    وتستخدم العلاقة المهنية التصحيحية بصورة مباشرة كأن يقوم الأخصائي بطريقة مباشرة بتصحيح السلوك أو تعديله أو تعديل الاتجاهات عن طريق مواجهة العميل بسلبياته، وإما بصورة غير مباشرة بقيام الأخصائي ببعض المسلكيات المقصودة والموجهة نحو تحقيق هدف علاجي على أمل أن يقوم العميل بتقليدها، وحتى تحقّق هذه الطريقة النجاح المطلوب لا بُدّ أن تكون العلاقة المهنية بين الأخصائي والعميل علاقة وطيدة مُفعمة بالاحترام والثقة المتبادلة.
    ب – العلاقة المهنية التأثيرية: تتميَّز هذه العلاقة بقدرة الأخصائي ومهاراته في استغلال عامل الثقة والاحترام المتبادل بينه وبين العميل، ومعلوماته وخبراته ووظيفته في التأثير في شخصية العميل، ويستخدم هذا النمط بشكل فعّال مع الأحداث المنحرفين أو الأطفال أو طلبة المدارس.
    ج – العلاقة المهنية التدعيمية: إن بناء عوامل الثقة والاحترام المتبادل بين الأخصائي والعميل وتدعيمها يزيد في اطمئنان العميل وشعوره بالأمن، ويُزيل عنه عوامل الخوف والقلق، الأمر الذي يدفع العميل إلى التعاون مع الأخصائي في مراحل تقديم الخدمة منذ بدايتها وحتّى نهايتها.

أمور يقوم بها الأخصائي الاجتماعي ليكون قادر على القيادة المهنية


1 – احترام شخصية العميل وعدم الترفّع في أثناء التعامل معه.
2 – عدم التحيّز والتمييز بين العملاء.
3 – عدم السيطرة على العملاء، وتجنّب إرغامهم على أمور تتعارض مع قِيَمهم ومبادئهم.
4 – قد يحصل في بعض الأحيان أن يكون سِنّ العميل وخبراته وثقافته أعلى من ثقافة الأخصائي خاصةً إذا كان حديث التخرج، الأمر الذي يَشعر معه الأخصائي الاجتماعي بالضّعف، وفي هذا الموقف يجب عدم إشعار العميل بهذا الضّعف بل على الأخصائي الاجتماعي أن يستمد قيادته للموقف ممّا يتمتع به من معلومات ومهارات ومن وظيفته كقائد للعميلة المهنية.
5 – العلاقة المهنية علاقة مؤقتة: ترتبط العلاقة المهنيّة بالفترة الزمنية التي تحتاجها عملية المُساعدة، وتنتهي عند انتهاء علاقة العميل بالمؤسَّسة، سواء أكان ذلك بالوصول إلى علاج المشكلة أم بتحويل العميل إلى مؤسسة اجتماعية أخرى.
ولا يجوز بكلّ الأحوال أن تستَمر علاقة الأخصائي الاجتماعي بالعميل إلَّا في الحدود التي تحتاجها طبيعة المشكلة وبما لا يتعارض مع وظيفة المؤسَّسة والأنظمة الداخليّة فيها. وتنتهي علاقة الأخصائي بالعميل في الحالات الآتية:
– انتهاء المشكلة وعلاجها.
– تحويل العميل إلى مؤسسة أخرى.
– تحويل العميل إلى أخصائي اجتماعي آخر.

أساليب تكوين العلاقة المهنية ودور الأخصائي الاجتماعي


1 – يبدأ الارتباط المهني بين الأخصائي والعميل منذ اللّحظة التي يدخل فيها العميل إلى المؤسسة، ويمكن القول أنَّ الانطباع النفسي الأول الذي يحصل عليه العميل هو حجر الأساس.
2 – أن يتعامل مع العميل كحالة فرديّة فريدة، فكلّ فرد له من السِّمات الشخصية والقِيَم والمعتقدات والاتجاهات التي تميّزه عن غيره من الأفراد.
3 – أن يشعر العميل بالقبول لفظياً وسلوكياً بغضّ النظر عن أيّ عيوب أو مظاهر ضعف أو عجز في أي من جوانب شخصيته.
4 – أن يُحتَرَم رأي العميل ويتيح له الفُرص الكافية للتعبير عن مشاعره وآرائه.
5 – يحتاج العميل إلى أن يشعر بالطمأنينة على سرّية المعلومات التي سوف يَبوح بها للأخصائي الاجتماعي، الأمر الذي سيؤثر في تفاعله في تقديم المعلومات والبيانات التي تتناسب مع طبيعة المشكلة ومُتطلّباتها .
6 – يحتاج العميل إلى شخص يشعر ويحسّ به ليُعَبر له عن مشاعره بكل سهولة.
7 – إنَّ تَقدّم العميل بطلب المساعدة من المؤسسة والأخصائي الاجتماعي في المجتمع لا يحصل إلاّ بعد أن يكون قد استنفذ السُّبل والوسائل في البحث بنفسه عن علاج لمشكلته، ممّا قد يُسهم في خضوع العميل لكثير من المشاعر النفسية السلبية مثل الشعور بالعجز والدونية، وبالتالي فإنَّ على الأخصائي أن يبتعد عن تكريس هذه المشاعر وتدعيمها عند تعامله مع العميل، وأن يتجنب توجيه اللّوم أو التأنيب أو الإدانة له.


شارك المقالة: