تفسير سوة المؤمنون

اقرأ في هذا المقال


قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) ﴾﴾ صدق الله العظيم.

مناسبة التسمية:

المؤمنون: لأنّ الله ذكر فيها بعض صفات المؤمنين.

قد أفلح: لأنّ الله سبحانه وتعالى افتتح بها السورة.

ما جاء من الأحاديث عنها :

  • عن عبد الله بن السائب قال: «صلى النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع».
  • وأخرج البيهقي من حديث أنس عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنّه قال: «لمّا خلق الله الجنة قال لها تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون» .
  • عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان النبي ﷺ إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل، وأنزل عليه يوما فمكثنا [عنده(١) ساعة فسري عنه فاستقبل القبلة فرفع يديه وقال: (اللهم زدنا ولا تنقصنا وأرضنا وارض عنّا- ثم قال- أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة- ثم قرأ- قد أفلح المؤمنون) حتى ختم عشر آيات، صححه ابن العربي. وقال النحاس: معنى “من أقامهن” من أقام عليهن ولم يخالف ما فيهن.

موافقة أول السورة لآخرها:

  • بدأت السورة المباركة بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)) صدق الله العظيم، وختمت السورة بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (١١٧) ﴾ صدق الله العظيم.

وأيضاً :

  • بدأت السورة بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ﴾ صدق الله العظيم.
  • وختمت بـ ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ صدق الله العظيم…

وذلك لبيان حكمة الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان، وأنّ الفلاح الحقيقي بالإيمان والتحلي بصفات أهل الإيمان.

المحور الرئيسي للسورة :

المقارنة بين صفات المؤمنين الصادقين ومصير الكافرين.

مواضيع السورة المباركة:

1 – ذكر صفات المؤمنين قال تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ (١) ٱلَّذِینَ هُمۡ فِی صَلَاتِهِمۡ خَـٰشِعُونَ (٢) وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ (٣) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِلزَّكَوٰةِ فَـٰعِلُونَ (٤) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰ⁠جِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ (٦) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (٧) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰ⁠عُونَ (٨) وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَ ٰ⁠تِهِمۡ یُحَافِظُونَ (٩)) صدق الله العظيم.

2 – ذكر الجزاء الذي أعده الله للمؤمنين، قال تعالى : (أولـٰىٕك هم ٱلو ٰ⁠رثون (١٠) ٱلذین ی. رثون ٱلفردوس هم فیها خـٰلدون (١١) ) صدق الله العظيم.


3- إقامة الحجَّة على الكافرين بأدلة عقلية، قال تعالى (وَهُوَ ٱلَّذِی ذَرَأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَإِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ (٧٩) وَهُوَ ٱلَّذِی یُحۡیِۦ وَیُمِیتُ وَلَهُ ٱخۡتِلَـٰفُ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ (٨٠) بَلۡ قَالُوا۟ مِثۡلَ مَا قَالَ ٱلۡأَوَّلُونَ (٨١) قَالُوۤا۟ أَءِذَا مِتۡنَا وَكُنَّا تُرَابࣰا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبۡعُوثُونَ (٨٢) لَقَدۡ وُعِدۡنَا نَحۡنُ وَءَابَاۤؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبۡلُ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ (٨٣)) صدق الله لعظيم.


4 –  من أعظم صفات المؤمنين التي تدل على الافتقار والذل لله تعالى الدعاء بالمغفرة والرحمة، قال تعالى:  ﴿وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨) ﴾ صدق الله العظيم.


فوائد ولطائف حول السورة المباركة:

لم يرد كلمة ( الفردوس) إلّا في موضعين (سورة الكهف) و(سورة المؤمنون)، والموضعان لهما اقتران بعلو الهمة في الطاعة، والتضحية في خدمة دين الله سبحانه وتعالى.

  • الآية الأولى: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نزلا (١٠٧) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا (١٠٨) ﴾ صدق الله العظيم.
  • الآية الثانية: قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١) ﴾ صدق الله العظيم.

2  – محاسبة العبد لعملهنَّ والنظر في أعماله من موجبات السير إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (أَیَحۡسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِۦ مِن مَّالࣲ وَبَنِینَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمۡ فِی ٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِۚ بَل لَّا یَشۡعُرُونَ (٥٦)) صدق الله العظيم.

3 – علامة من علامات سلامات القلب وإخلاص العمل الخوف الدائم والوجل من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:  ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (٦١) ﴾ صدق الله العظيم، قالت السيدة عائشة: “يا رسول الله ﴿والذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة﴾ هو الذي يذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال: لا ولكن من يصوم ويصلي ويتصدق وهو وجل”.


4 –  قوله تعالى: (فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (٧)) صدق الله العظيم، أي:  المجاوزون الحد.

5 – قوله تعالى : ﴿ثُمَّ أنْشَأْناهُ خَلْقًا آخَرَ﴾ صدق الله العظيم، ن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هو تصريف الله إياه بعد الولادة في أطواره في زمن الطفولية وما بعدها إلى استواء الشباب، وخلق الفهم والعقل وما بعده إلى أن يموت.

6 – قوله تعالى: ﴿ولَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ صدق الله العظيم، قال الرازي: وفي ذلك تعزية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسلية له ببيان أن قوم غيره من الأنبياء كانوا يصنعون مع أنبيائهم ما يصنعه قومه معه، ثم قال: إنّ اسم نوح يشكُر، ونوح لقبه، أو عبد الله على ما قاله السيوطي، وعاش نوح من العمر ألف سنة وخمسين.

7 – قوله تعالى: (فَإِذَا ٱسۡتَوَیۡتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلۡفُلۡكِ فَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِی نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ (٢٨) وَقُل رَّبِّ أَنزِلۡنِی مُنزَلࣰا مُّبَارَكࣰا وَأَنتَ خَیۡرُ ٱلۡمُنزِلِینَ (٢٩)) صدق الله العظيم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان في السفينة ثمانون إنسانا؛ نوح وامرأته سوى التي غرقت، وثلاثة بنين: سام وحام ويافث، وثلاث نسوة لهم، واثنان وسبعون إنساناً، فكل الخلائق نسل من كان في السفينة، قال الرازي: قال قتادة: علمكم الله أن تقولوا عند ركوب السفينة: ﴿بسم الله مجراها ومرساها﴾ [هود: ٤١] وعند ركوب الدابة ﴿سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين﴾ [الزخرف: ١٣] وعند النزول ﴿وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين﴾ [المؤمنون: ٢٩] قال الأنصاري: وقال لنبينا: ﴿وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق﴾ [الإسراء: ٨٠] وقال: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان﴾ [النحل: ٩٨] كأنّه سبحانه أمرهم أن لا يكونوا عن ذكره وعن الاستعاذة به في جميع أحوالهم غافلين.

المصدر: زاد المسير — ابن الجوزيجامع البيان — ابن جرير الطبريفتح البيان — صديق حسن خانروح المعاني — الآلوسيتفسير القرآن العظيم — ابن كثير


شارك المقالة: