شعر الوصف وما الذي تناوله في الشعر الأندلسي

اقرأ في هذا المقال


تميز شعراء الأندلس بفنّ الوصف وما يلازمه من الدقة واللين في الأسلوب والتفنن فيه، ومن المتعارف أنّ شعر الوصف يُعتبر من الأنواع الشّعريّة الصعبة في النظم، فشعرُ الوصف يحتاج إلى الدّقة والضرب في الخيال لنقل المتلقي من عالم السمع إلى الشيء الموصوف حتّى يكاد أن يصبح ملموسًا وأمام عينه، وهذا النوع من الشّعر لا يجيده كثير من الشّعراء الذين سبقوا من هم في الأندلس.

شعر الوصف في الأندلس

قد كان العهد الأندلسي عهد الجمال الذي يعج بكل الأسباب التي منحت المجتمع صورته الفتّانة فقد عرفتْ الأندلس بالبيئة الجميلة والموقع الجيد والأرض الخضراء بما تحتويه من أنهارٍ وأشجارٍ وأزهار، وارتبط الأندلسيّون بيئتهم وجمالها، وَكذلك إلى ما عُرف في مجالس الأنس التي جعلتْ من البيئة مكانًا لها، وإضافة إلى ذلك ما كان من ازدهار حضاري وفكري في الأندلس آنذاك، كلّ ذلك كان دافع لهم للوصول إلى بوتقة من الأوصاف السّاحرة المتجدّدة كجدّة ذلك العصر.

اتجاهات شعر الوصف في الشعر الأندلسي

لقد تنوع شعر الوصف في العهد الأندلسي وَذلك بتنوع المواضيع التي رافقت ذلك الموضوع، فقد وجد ذلك الوصف بجميع أنواع الشّعر التي نظمها أهل الشعر، ويعتبر وصف البيئة من أبرز مواضيع الوصف في الشّعر الأندلسي ومن تلك الاتجاهات:

1- وصف البيئة: إنّ وصف البيئة من أكثر الأشعار المتداولة في الأندلس؛ ذلك لما كانت تتميز به الأندلس من بيئة جميلة تسحر الفؤاد وتجعل الشعراء لا يملّون من التمعن بها، وأصبحت ألسنتهم تقطر شهدًا بألوان من الشعر في تفنيد تلك الصور، فتناول الشّعراء ملامح البيئة ومواطن الجمال بالوصف البارع، فوصفوها وصفًا يعج بالحياة، ومن ذلك ما جاء من قول ابن خفاجة في وصف الأندلس:

 إنّ للجنّة في الأندلس

مُجتلى حسن وريا نفس

فسنا صبحتها من شنب

ودجى ظلمتها من لعس

فإذا ما هبّتْ الريح صبا

صحتُ: وا شوقي إلى الأندلس

مزج وصف المرأة بالطبيعة

وقد يستعين الشّاعر بالمرأة ومعالم حسنها ليصف جمال البيئة، وهذا ما يُعرف بأنسنة البيئة؛ أي أن يستعير الشاعر للبيئة الجامدة صفات من الإنسان ويلبسها إياها، فتصبح الشجرة امرأة تتمايل وتصبح الغيوم رجلًا حزينًا وغير ذلك من الصور، ومن ذلك ما جاء في شعر ابن سهل الإشبيلي عندما رأى في الطّبيعة امرأة حسناء تتزيّن وتتجمّل، فيقول:

الأرضُ قد لبستْ رداءً أخضرا

والطّلُّ ينثر في رباها جوهرا

وكأنّ سوسنها يُصافحُ وردَها

ثغرٌ يقبّلُ منه خدًّا أحمرا

2- وصف الأنثى: وهذا النوع من الوصف فهو عكس النوع السابق؛ بمعنى أنّ الشاعر يستعير للأنثى صفات من البيئة ليظهر جمالها، فيرى في جسم الأنثى غصنًا ناعمًا، ويرى في عينيها عينَي غزالة، وغيره العديد مما جاءت به أفكار الشعراء الأندلسيين، ومن ذلك ما جاء في شعر المعتمد يقول فيه متغزّلًا:

نضتْ بُردها عن غصن بانٍ منعّم

نضير، كما انشقَّ الكمامُ عن الزّهر

وصف مجالس الخمرة

ومن الوصف ما جاء في ذكر مجالس اللهو، وقد كان لبيئة الأندلس تأثيرٌ كبيرٌ في دفع الشعراء نحو هذا النوع من الوصف نظرًا لما كانت تتمتّع به رياض الأندلس من مجالس للهو نحو ذلك، فيتجه الشّاعر إلى وصف المجالس وكؤوس الخمر ومن يشاركه ذلك المجلس أيضًا، وممّا جاء في وصف الخمرة قول ابن خفّاجة:

ومَجَرِّ ذيلِ غمامةٍ قدْ نَمَّقَتْ

وَشِيَ الرَبيع بهِ يدُ الأنواءِ

ألقَيتُ أرحلنا هُناكَ بِقُبَّةٍ

مضروبةٍ من سَرحَةٍ غَنّاءِ

وقسَمتُ طَرْفَ العينِ بينَ رَباوةٍ

مُخضَرَّةٍ وقَرَارَةٍ زَرقاءِ

وشربْتُها عذراءَ تحسبُ أنّها

مَعصورةً من وَجْنَتَي عذراءِ

حَمْراءُ صافيةٌ تَطيبُ بِنفسِها

وغِنائِها وَخَلائِقِ النُدَماءِ

خُذها كما طَلَعَتْ عليكَ عرارةٌ

مُفتّرةٌ عن لُؤلُؤ الأنداءِ

3- خلط الوصف مع المديح: وقد ظهر الوصف واضحًا في شعر المديح أيضًا، نرى الشّاعر يتجه إلى تصوير ممدوحه وما يمتلك من خصال، من خلال تصويره بما يُشبه صفاته من عناصر البيئة، فيذكره بأنّه غيوم بكرمه، ومن ذلك ما أتى في قصيدةٍ لأبي بكر بن عمار يمتدح ملك إشبيليّة، فيبدأ بتصوير البيئة فيقول:

أدر الزجاجةَ فالنسيمُ قدْ انبرى

والنجمُ قدْ صرفَ العنانَ عن السّري

 نماذج من شعر الوصف الأندلسي

يقول ابن خفاجة يصف نهرًا:

للهِ نهرٌ سالَ في بطحاءَ

أشهى ورودًا من لمى الحسناء

متعطّفٌ مثل السّوار كأنّهُ

والزهرُ يكنفُهُ مجرّ سماءِ

قد رقَّ حتّى ظُنّ قرصًا مفرغًا

من فضةٍ في بردةٍ خضراءِ

يقول ناهض بن إدريس واصفًا قصر يحيى بن أبي يعقوب:

 ألا حبّذا القصرُ الذي ارتفعتْ بهِ

على الماءِ من تحتِ الحواجبِ أقواسُ

هو المصنعُ الأعلى الذي أنفَ الثّرى

ورفعه عن لثمهِ المجدُ والباسُ

فأركب متنَ النهرِ عزًّا ورفعةً

وفي موضع الأقدام لا يوجد الراسُ

فلا زال معمورَ الجنابِ وبابُه

يغصُّ وجلتْ أفقه الدّهرِ أعراسُ

وفي النهاية نستنتج أن شعر الوصف ازدهر في بلاد الأندلس وتميز فيه العديد من الشعراء، الذين عرفوا بدقة الوصف ورقته وتفننوا في وصوفهم لجميع الأشياء رغم صعوبة هذا الشعر.

المصدر: تاريخ الأدب الأندلسي عصر الملوك والمرابطين، تأليف إحسان عباس 2008كتاب المائيات في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف 2016الأخلاق الأسلاميه في الشعر الأندلسي عصر ملوك الطوائف د. يوسف شحدة الكحلوت 2010صورة الممدوح في الشعر الأندلسي عصر الطوائف 2015مختارات من الشعر الأندلسي 2008


شارك المقالة: