قصة رسائل السيدة الغامضة

اقرأ في هذا المقال


تُعتبر هذه القصة من الأعمال الأدبية الأمريكية، وقد دار محور الحديث فيها حول سيدة كانت قد أثارت جدلاً بين العلماء بسبب المعلومات التي كانت تصرح بها حول كل شخص يأتي لمقابلتها.

قصة رسائل السيدة الغامضة

في البداية كانت تدور وقائع وأحداث القصة حول إحدى السيدات التي تدعى ليونورا بيبر، حيث أنه تلك السيدة من اللواتي أثارت جدلاً بين العديد من العلماء المشاهير على مدار عشرين عاماً حولهن، حيث أنهم حاولوا بشتى الطرق أن يدينوا تلك السيدة ووصفوها بالمخادعة، وقد لجأوا إلى الحيل المحكمة وتجسسوا عليها وتتبعوها، بالإضافة إلى كل ذلك قاموا بإجراء آلاف التجارب عليها، وفي النهاية لم يكن أمامهم سوى أن يعترفوا بأن تلك السيدة بطريقة لا يمكن تفسيرها لديها القدرة في التواصل مع الموتى، وطوال حياتها مدت للباحثين والروحيين بثروة هائلة ونفيسة من المعلومات وكم هائل من المواد التي اعتمدوا عليها في دراساتهم وأبحاثهم.

ومن بين هؤلاء العلماء الذي أثارت تلك السيدة تفكيره هو ويليام جيمس وهو من أشهر علماء النفس الأمريكيين، فعلى مدار أربع سنوات متواصلة كان يجري العديد من الدراسات التفصيلية حول تصرفات وسلوكيات تلك السيدة، فقد كان يذهب إلى العديد من الجلسات التي تقوم بها، كما أنه كان يقوم باستجواب عدد كبير من الذين كانوا يحضرون جلساتها كذلك، وفي نهاية دراسته حول تلك السيدة اعترف بأن تلك السيدة تمتلك قدرات خارقة لا يمكنه تفسيرها، على الرغم من مستوى العلم الذي توصل إليه.

وقد أشار ويليام جيمس إلى أنه في أول مرة سمع بها عن تلك السيدة كان من أحد الأشخاص المقربين له كان قد حضر إحدى جلساتها الي أقامتها في منزلها الواقع في مدينة بوستين، وأول ما أخبره قريبه أخذ بالسخرية من ذلك الأمر وأشار إلى أن مثل هؤلاء يلجؤون إلى الحيل المخادعة ويستدرجون المعلومات عن الموتى من حراس المقابر والخادمين عندهم وبعض معلوماتهم تكون من السجلات المدنية كذلك.

ولكن حينما شاهد السيد ويليام مدى إصرار قريبه في سرد الأخبار الغريبة عن قدرات السيدة قرر أن يحضر إحدى جلساتها، وأول ما شاهد تلك السيدة اندهش إذ وجدها سيدة طويلة القامة ذات مظهر لطيف ونظيف، وهذا الأمر يختلف عما تصورها به، وفي تلك الأثناء كانت السيدة غارقة في عملها وتتقمص شخصية أحد الأطباء المتوفيين من أصول فرنسية ويدعى فينوي، وقد كان يصدر من خلال حنجرة السيدة صوت رجولي خشن يتحدث باللغة الفرنسية، وبعد تكرار حضور الجلسات من قِبل السيد ويليام اقتنع أن الأمر أكثر من مجرد خدعة.

فعلى سبيل المثال كانت والدة جيمس قد فقدت منذ وقت طويل دفتر الشيكات الخاص بها، وحينما سأل السيدة أثناء غيبوبتها عن مكانه ذلك الدفتر، قامت بوصف المكان الذي يوجد به الدفتر بكل دقة وبالتفصيل، وأول ما عاد إلى منزل والدته توجه إلى ذلك المكان الذي وصفته له السيدة وبالفعل وجد الدفتر، وفي واقعة أخرى أثارت بها تلك السيدة الغامضة الجدل هو أنها أخبرت السيد ويليام أن في صباح هذا اليوم أن عمته قد توفيت، وحينما توجه إلى منزله وجد أنه تم إرسال له برقية مكتوب فيها أن عمته توفيت بالفعل في صباح ذلك اليوم.

ولكن على الرغم من كل ما كان يصدر عن تلك السيدة هو حدث بالفعل، إلا أن الأستاذ ويليام بقيت لديه بعض الهواجس حول إمكانية أن تكون السيدة الغامضة قد قامت بجمع معلومات خاصة حول عائلته، ولذلك قام باصطحاب أحد من أصدقائه المقربين وأخبرها أنه زميل له، وهنا دخلت السيدة الغامضة في غيبوبتها وأشارت إلى الاسم لذلك الزميل، بالإضافة إلى أسماء والديه، كما تحدث حول المرض الذي توفى به والد الزميل، وفوق كل ذلك أضافت إلى قدر لا يستهان به من المعلومات الشخصية التي تتصل بذلك الزميل.

وفي يوم من الأيام بعد العديد من الزيارات التي أجراها السيد ويليام لتلك السيدة قام بكتابة تقرير حولها وقدمه إلى الجمعية البريطانية للطب النفسي، وحينما اطلع العديد من العلماء على تلك التقارير دار بينهم حديث ساخر حول أنه كيف كان من السهل أن يتم الإيقاع بشخص ذكي مثل الأستاذ ويليام في حبائل تلك السيدة، ولكن على الرغم من ذلك فقد أثارت التفاصيل الدقيقة التي أشار إليها الأستاذ ويليام انتباه الجمعية؛ ولذلك قامت الجمعية البريطانية بإرسال وفد تحقيقي من أجل أن يجري دراسة حول حالة السيدة، وقد كان ممثل هذا الوفد هو العالم الذي يعرف باسم ريتشارد هودجسون، وهو ما كان محاضر في جامعة كمبردج، وقد كان ذلك العالم قد قضى فترة طويلة من حياته في دراسة الظواهر الروحية الغريبة.

وأول ما وصل الفيلسوف برفقة السيد ويليام إلى جلسة السيدة قدمه ويليام تحت اسم السيد سميث، لكن أول ما بدأت السيدة بالجلسة كشفت عن اسمه الحقيقي وأسماء أشقاءه وشقيقاته كما أضافت أن والده وشقيقه الأصغر توفيا، وإنه حينما كان في فترة الصبا كانت لعبته المفضلة مع ابن عمه الذي يدعى فريد هي نطة الانجليز.

وبعد أن سمع السيد هودجسون بتلك الحقائق عن نفسه استأجر مجموعة من المخبرين وطلب منهم تتبع السيدة في كل مكان؛ وذلك لأنه رغب في أن يعرف في أن تلك السيدة تتواصل مع أحد يزودها بتلك المعلومات، كما قام بالسعي من أجل جلب أشخاص من ولايات متنوعة أخرى وبعيدة ليس لهم أي صلة بتلك المدينة، وكان يدخلهم إلى الجلسة وبعد أن تغرق السيدة في غيبوبتها ويصرفهم قبل أن تفيق.

وبعد مرور ما يقارب على العامين من الدراسة والبحث الدؤوب حول السيدة الغامضة أصبح هودجسون أقرب ما يكون إلى الاعتراف بالقدرة الخاصة التي تتمتع بها، لكنه أصر أن يجرى اختباراً نهائياً حاسم، إذ رغب أن يريح به الضمير العلمي، وهو أن يصحبها إلى دولة أخرى ليس له بها معارف أو أقرباء أو أصدقاء، وبالفعل قادتها إلى دولة إنجلترا، وهناك جرى تعيين طاقم جديد من الخدم لها وتم تفتيش بين أغراضها تفتيشاً دقيقاً، وكانت تتم مراقبتها بصفة دائمة على يد بعض أعضاء الجمعية البريطانية للبحث النفسي.

وقد استمرت فترة إقامتها في إنجلترا ما يقارب على الثلاثة شهور، وقد عقدت فيها ثمانية وثمانون جلسة، وخلال تلك الجلسات كانت قد صرحت بمئات التفاصيل حول من حضروا تلك الجلسات، وبعد أن يتم التحري حول تلك التفاصيل ثبتت صحتها، بل أن بعض هذه التفاصيل تضمنت أحداث كبيرة لم يكن الشخص الحاضر يعلم عنها شيئاً.

وفي يوم من الأيام حضر إليها شخص يدعى جورج بيلو وهو ما يعمل كمحامي في مقتبل العمر وبعد أيام قليلة تعرض لجريمة قتل، وذات يوم أعلن دكتور فينوي الذي كان يتكلم على لسان السيدة أن المحامي موجود ويرغب في الاتصال مع أشخاص، بعدها تم إحضار أكثر من ثلاثين من الأصدقاء وأقرباء المحامي المقتول، وقد تعرفت عليهم السيدة واحداً واحداً.

لم تذكر السيدة أسماء أقاربه وأصدقائه فقط، بل تكلمت عن أعمالهم وآرائهم وعاداتهم، كما ذكرت أنه ذات يوم قام بترجمة إحدى العبارات اليونانية إلى اللغة الإنجليزية، وأن تلك العبارة قد نطق بها أحد دارسي اللغات القديمة ممن حضروا الجلسة، مع العلم بأن السيدة لا تعرف شيئاً من اللغة اليونانية في الأصل، كما استطاع أن يدل الحاضرين على ما يفعله والده في مدينة أخرى وقت الجلسة.

أقنعت جلسات السيدة الغامضة الكثير من الباحثين، وتوصلوا إلى أن الأمر بالفعل يتضمن مقدرة السيدة على الاتصال بشخص متوفى، وكانت آخر تجارب الأستاذ هودجسون هي الجلسة التي حضرها أحد علماء النفس والذي يدعى جيمس هيسلوب من جامعة كولومبيا، حيث حضر الجلسة وهو متخفي ويضع قناع على وجهه، وفي تلك اللحظة دون تردد كشفت السيدة عن معلومات عديدة للسيد هيسلوب، مما اضطره أخيراً إلى الاعتراف بأنه قد استطاع في الحقيقة أن يتحدث إلى روح والده المتوفى من خلال السيدة.

وأخيراً في بداية القرن التاسع عشر اعتزلت السيدة جلساتها الروحية؛ وذلك بسبب تدهور حالتها الصحية بعد أن شغلت بقدراتها الباحثين لسنوات طويلة، وعلى الرغم من ذلك الجدل الذي أثارته بقدراتها كانت تقول لكل من يسألها حول هذه القدرة الغريبة أنها لا تعلم شيئاً مما يحث لها وهي في حالة الغيبوبة.

المصدر: كتاب ألوان من القصة القصيرة من الأدب الأمريكي - عباس محمود العقاد - 1963


شارك المقالة: