قصة قصيدة خليلي ريا قد أجد بكورها

قصة قصيدة خليلي ريا قد أجد بكورها:

أمّا عن مناسبة قصيدة “خليلي ريا قد أجد بكورها” فيروى بأنه في سنة من السنين حج عبد الله بن معمر القيسي، وعندما انتهى من الحج توجه إلى المسجد النبوي يريد أن يتهجد عند قبر رسول الله صل الله عليه وسلم، وبينما هو يتهجد سمع صوت شاب يبكي، وهو ينشد قائلًا:

أشجاكَ نَوْحُ حمائمِ السِّدرِ
فأهَجْنَ منكَ بلابلَ الصَّدرِ

أمْ عَزَّ نَومكَ ذِكرُ غانيةٍ
أهدت إِليكَ وساوسَ الذِكرِ

في ليلةٍ نامَ الخلي بها
وخلوتُ بالأحزان والفِكرِ

يا ليلةً طالتْ على دنِفٍ
يشكو السُّهادَ وقلةَ الصَّبرِ

فالبدرُ يشهدُ أنني كلِفٌ
مُغرًى بحبِّ شبيهةِ البدرِ

ما كُنتُ أحسبُني أهِيمُ بحبِّها
حتى بُلِيتُ وكنتُ لا أدري

وانقطع الصوت، ولكنه لم يعرف من أين يأتي هذا الصوت، ولكن الشاب عاد يبكي وينشد قائلًا:

أشجاكَ مِن ريا خيالٌ زائرٌ
والليلُ مُسوَدُّ الذَّوائبِ عَاكِرُ

واغتالَ مُهجَتكَ الهوى بِرَسِيسَةٍ
واهْتاجَ مُقلَتكَ المنامُ الباكِرُ

ناديتَ ريا والظلامُ كأنهُ
يَمٌّ تَلَاطَمَ فيهِ موجٌ زَاخِرُ

والبدرُ يسري في السماءِ كأنهُ
ملِكٌ ترجَّلَ والنجومُ عَسَاكِرُ

فإذا تعرضت الثريا خلتها
كأساً به حبب السلافة دائِرُ

فترى بهِ الجَوزاءَ ترقُصُ في الدُّجى
رقصَ الحبيبِ عَلَاهُ سُكرٌ ظَاهِرُ

يا ليلُ طُلتَ على مُحِبٍّ ما لَهُ
إلا الصّباحَ مُساعِدٌ ومُؤازِرُ

فأجابني مُت حتفَ أنفكَ واعلَمَنْ
أنَّ الهوى لهوَ الهوانُ الحاضِرُ

وبينما كان الشاب ينشد قام عبد الله بن معمر بتتبع الصوت حتى وصل إليه، وجلس معه وسأله عمن يكون، فأجابه الشاب قائلًا: أنا عتبة بن الحباب الخجرزي، فقال له عبد الله: وما سبب بكائك، فقال له الشاب: في يوم كنت في مجلس الأحزاب أصلي، وعندما انتهيت وخرجت، لقيت مجموعة من الفتيات الجميلات، فأتت إلي إحداهن، وقالت لي: هل لك في وصل من يريد وصالك، ومن ثم غادرت، فأصبحت أخرج في كل يوم إلى نفس المكان، ولكني لم أستطع أن ألاقيها، وأنا أفكر فيها منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا.

وعندها قال له عبد الله: قم معي إلى هنالك، لعل الله يساعدنا على أن نجدها، فتوجهوا إلى مسجد الأحزاب، ووصلوا إليه في وقت صلاة الفجر، فصلوا، وحينما خرجوا، لقوا نفس الفتيات اللواتي رآهن عتبة فيما سبق، ولكن الفتاة لم تكن معهن، فقالت له واحدة منهن: إن الفتاة التي كانت تريد وصالك، أخذها والدها إلى مدينة السماوة، فقال لها: وما هو اسمها؟، فقالت له: ريا بنت الغطريف السلمي، فأنشد عتبة قائلًا:

خَليليَّ! ريّا قَد أُجِدَّ بِكُورِها
وسارَتْ إلى أرضِ السماوةِ غَيرُهَا

خَليليَّ ما تقضي به أُم مالك
علي فما يعدو علي أميرها

خَليليَّ إنّي قد غشيت من كثرة البُكى
فَهَل عند غيري مُقْلَةٌ وعبرةٌ أستعِيرُها ؟

فقال له عبد الله: قم معي، فقال له الشاب: إلى أين؟، فقال له: إن عندي الكثير من المال، وكل اهل المدينة يعرفونني، ولن أتركك إلا عندما تتزوج منها، وقاموا حتى وصلوا إلى قبيلة الأوس والخزرج، فوقف عبد الله في وسطهم، ونادى بهم قائلًا: أيها الناس، ماذا تقولون في هذا الشاب، فقالوا: هو سيد ابن سيد، وخير ابن خير، فقال لهم: إني متوجه إلى السماوة، لكي أخط له، ولا أريد منكم إلا أن تساعدوني على تجهيز الراحلة، فجهزوها له، ومن ثم توجه إلى العراق، وأتوا بيت أبيها، ودخلوا عليه، فاستقبلهم أحسن استقبال، وجهز لهم الطعام، ووضعه أمامهم، ولكن قبل أن يأكلوا قال له عبد الله: لن نأكل حتى تعطينا ما نريد، فقال لهم: وما الذي تريدونه؟، فأخبره عبد الله بخبر عتبة، فقال له أباها: إن أمرها في يدها، دعني استشيرها.

ودخل إلى غرفة ابنته وهو غاضب، وقال لها: إن الشاب الذي تحدثتي معه في المدينة، قد أتى لكي يخطبك، وأنا قد عاهدت الله على أن لا أزوجك منه، فقالت له ابنته: إن من معه لهم من كبار القوم وأشرافهم، وهم لا يردون، فإن كنت مصرًا على أن تردهم، فردهم ردًا جميلًا، فقال لها أبوها: وكيف أفعل ذلك؟، فقالت: اطلب منهم مهرًا كبيرًا، فخرج إليهم وقال لهم: إن ابنتي قد وافقت، ولكنها تريد مهرًا فمن منكم سوف يعطيها إياه، فقال عبد الله: أنا، فقال أبوها: مهرها ألف مثقال من الذهب، فقال له عبد الله: لك ذلك، فقال أبوها: وتريد عقدًا من المجوهرات، وعشرون ثوبًا من مطرزة، فقال له عبد الله: لك ذلك، فبقي الأب يزيد، وعبد الله يقول له: لك ذلك، وقال له عبد الله في النهاية: هل وافقت؟، فقال له أبوها: نعم، ولكن على مضض.

وبعث عبد الله بالرجال لكي يؤول له بمهرها، وأتوه به، فأقاموا هنالك أربعين يومًا، ومن ثم تزوج عتبة من ريا، ورحل بها إلى المدينة المنورة، وفي الطريق قطع عليهم الطريق قطاع الطرق، فأخذوا يقاتلونهم، وقتل عتبة بينما كان يقاتلهم، فنزلت له ريا، وحضنته وهي تبكي، وتنشد قائلة:

تَصبَّرتُ لا أنِّي صَبِرتُ وإنما
أُعلِّلُ نفسي أنها بكَ لاحقة

فلو أَنصَفَتْ روحي لكانت إلى الرَّدَى
أمامكَ مِن دونِ البريةِ سابقة

فما أحدٌ بعدي وبعدكَ مُنصِفٌ
خليلاً ولا نفسٌ لنفسٍ بصادقة

نبذة عن عتبة بن الحباب:

هو عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي الأنصاري، وشاعر من شعراء الدولة الأموية، اشتهر بشعر الغزل.