تيارات البحر المتوسط

اقرأ في هذا المقال


ما هي تيارات البحر المتوسط؟

إن البحر المتوسط يتميز ببعض التيارات السطحية التي تختلف في طبيعتها وأسبابها عن التيارات الرئيسية التي توجد داخل المحيطات الكبرى؛ وذلك لأن العامل الأساسي الذي يحرك مياه المحيطات هو الرياح العامة، أمَّا المياه السطحية التي توجد داخل البحر المتوسط فتتحرك بسبب عوامل أخرى ومن أهم هذه العوامل ارتفاع درجة ملوحة مياه هذا البحر.
إن ارتفاع درجة حرارتها بالنسبة لمياه المحيطات بشكل عام، حيث يرجع ذلك إلى دفء البحر المتوسط وسرعة تبخر مياهه من جهة، كما أن عدم كفاية ما ينصب فيه من مياه الأنهار أو الأمطار لتعويض ما يضيع من مياهه بالتبخر من جهة أخرى.
وليس من شك في أن تضاريس الحوض لها أيضاً دخل كبير في أحواله المائية، إذ أن امتداد الجبال بقرب الساحل في أغلب أجزائه، حيث قد يقلل من فرصة وجود أنهار كبيرة تحمل إليه ما يكفي من المياه لتعويض الذي فُقد منه عن طريق عملية التبخر، كما يقدر مجموع ما تلقي به الأنهار التي تصب في البحر المتوسط مباشرة بنحو (4.9%) فقط من المياه التي تضيع منه عن طريق عملية التبخر، أمَّا الباقي فإنه يعوض بثلاث وسائل أخرى وفيما يلي توضيح كل منها:

  • زيادة ما يدخل من المياه إلى هذا البحر من المحيط الأطلسي عن طريق بوغاز جبل طارق، عما يخرج منه من نفس الطريق، وهذا يُعوض (70.6%) من مجموع المياه التي تبخرت.
  •  الأمطار وغيرها من مظاهر التكثف وهذه تُعوض (21.3%).
  • زيادة المياه التي تدخل البحر المتوسط من البحر الأسود عن طريق بوغازي البوسفور والدردنيل عما يخرج منه إلى نفس البحر، حيث يُعوض (3.2%) من قيمة المياه التي تبخرت.
    ومن خلال هذا يتضح لنا بشكل كبير أهمية بوغاز جبل طارق الضيق بالنسبة لمياه البحر المتوسط، إذاً لو لم تصل المياه عن طريقه إلى هذا البحر لحدث جفاف بسبب عملية التبخر، كما أنه لولا ضيق هذا البوغاز وضحولته؛ وذلك بسبب وجود عتبة صخرية عند مدخله لا يزيد ارتفاع الماء فوقها عن (400 متر)، لاختلطت مياهه بمياه المحيط الأطلسي، وما عادت لها صفاتها الأولى التي تتميز بها.
    كما قد ترتب على وصول المياه السطحية إلى البحر المتوسط من جهة الغرب ومن جهة الشرق تكون دورة عامة تتحرك عن طريقها المياه السطحية لهذا البحر في اتجاه معاكس لحركة عقرب الساعة، حيث تتحرك من جهة الشرق إلى جهة الغرب أمام سواحله الشمالية، ومن جهة الغرب إلى جهة الشرق أمام سواحله الجنوبية، ولو أنها تتأثر في حركتها بشكل السواحل، فمثلاً في جنوب أوروبا فإننا نلاحظ أن التيار يتحرك من جهة الجنوب إلى جهة الشمال في السواحل الغربية لأشباه الجزر ومن جهة الشمال إلى جهة الجنوب أمام سواحلها الشرقية، كما هو الحال أمام سواحل كل من إيطاليا وإسبانيا.
    كما أن هذه التيارات السطحية كانت تملك أثر واضح في بناء المواني المهمة التي تكون قريبة من مصبات الأنهار، حيث أننا نلاحظ أن هذه الموانئ تنشأ بشكل دائم في الجهة التي لا تتأثر في الرواسب التي يجلبها النهر ويحملها التيار البحري، حيث أن هذا هو السبب في نشأة سالونيكا إلى جهة الشرق من مصب الواردار، البندقية إلى الشمال من مصب نهر البو ومرسيليا إلى جهة الشرق من مصب الرون، برشلونة في شمال شرق دلتا الأيرو، كما لا يوجد شك في أن حركة التيارات أمام الساحل الشمالي لمصر من جهة الغرب إلى جهة الشرق وقد ساعد على حماية ميناء الإسكندرية من الرواسب الطينية التي تحملها مياه نهر النيل وتلقي بها في البحر، وذلك بالأخص أثناء موسم الفيضان.
    أمَّا التيار السفلي الذي يتحرك على عمق يتراوح ما بين 100 و150 متراً، فيتجه باتجاه بوغاز جبل طارق في أغلب أجزاء البحر ما عدا بحر إيجة، حيث يتحرك باتجاه البحر الأسود، كما تكون حركة المياه في بوغاز جبل طارق تسير في اتجاهين متضادين، فيوجد هناك تيار سطحي قوي يندفع من المحيط إلى البحر المتوسط بسرعة تبلغ تقريباً خمسة كيلو مترات خلال الساعة، حيث يتراوح عمقه ما بين 50 و 100 متر من سطح الماء.
    كما يقابل هذا التيار السطحي تيار آخر سفلي يتحرك على عمق يتراوح ما بين 100 و200 متر، حيث تنحدر عن طريقه مياه البحر المتوسط ذات الكثافة والملوحة المرتفعتين على حافة العتبة الصخرية باتجاه قاع المحيط، كما يواصل التيار السطحي الذي يحمل مياه المحيط الأطلسي ذات الكثافة والملوحة المنخفضتين نسبياً حركته باتجاه الشرق، أمام الساحل الشمالي لأفريقيا حتى الساحل الشمالي لمصر، إلا أن سرعته تتناقص بشكل تدريجي كلما اتجهنا باتجاه الشرق.
    أمَّا التيار السفلي الذي يخرج من البحر المتوسط فتنتشر مياهه الكثيفة على قاع المحيط في اتجاهات متباينة أمكن تتبعها لمسافات طويلة أمام ساحل كل من البرتغال والمغرب، بل وفي عرض المحيط، والمياه التي تغذي هذا التيار السفلي تضم الطبقة التي يتراوح عمقها بين 300 و 500 متر في معظم أجزاء البحر المتوسط؛ حيث يلاحظ أن هذه الطبقة تتحرك بصفة عامة نحو الغرب، أما الطبقات الأعمق من ذلك فلا تتأثر تأثرًا ظاهرًا بهذه الحركة، ويرجع ذلك إلى تأثير بوغاز جبل طارق.
    وغير ذلك فمن الممكن أن نلاحظ ذات الحركة للمياه كذلك في البوغاز الذي يعمل على فصل جزيرة صقلية عن تونس؛ فهنا يوجد تياران أحد هذه التيارات يكون سطحي ويتجه تجاه الشرق، والثاني يكون سفلي يتجه نحو الغرب، ولكنهما أضعف بكثير من تياري بوغاز جبل طارق، وفي الطرف الشمالي الشرقي للبحر المتوسط يوجد تياران آخران في بوغازي البسفور والدردنيل؛ أحدهما سطحي يتحرك من البحر الأسود إلى البحر المتوسط، والثاني سفلي يتحرك في الاتجاه المضاد، وهذان التياران لا يبلغان كذلك من القوة مبلغ تياري بوغاز جبل طارق.
    ولا سيما أن التيارات الدافئة كانت دائماً تعمل على تدفئة السواحل تلك التي تمر من خلالها، في حال أن التيارات الباردة تعمل على برودتها؛ فقد ينتج على الظاهرتين السابقتين أن الاختلاف في درجة حرارة السواحل الشرقية للقارات عن درجة حرارة سواحلها الغربية التي تكون واقعة في نفس العروض، كما أن هذا يظهر بشكل واضح عند مقارنة السواحل المتقابلة في القارة الواحدة أو السواحل المشرفة على محيط واحد في القارات المختلفة.
    ومن خلال هذه الطريقة تم دراسة وفهم تيارات البحر المتوسط تلك التي كان لها الدور الكبير في الكثير من العوامل الجغرافية والتأثير على جغرافية المنطقة.

المصدر: محمد صبرى محسوب/مبادئ الجغرافيا المناخية والحيوية/2007.علي احمد غانم/الجغرافيا المناخية/2003.علاء المختار/أساسيات الجغرافيا الطبيعية/2011.يحيى الحكمي/الجغرافيا الطبيعية/2012.


شارك المقالة: