النظام السيميائي اللغوي

اقرأ في هذا المقال


يشير علماء الاجتماع إلى ضرورة اعتبار علم اللغة جزءاً من السيميائيةK فالنظام السيميائي اللغوي هو النهج السيميائي لفهم جوهر اللغة.

النظام السيميائي اللغوي

يمكن دراسة اللغة من وجهات نظر مختلفة لكن النهج السيميائي ضروري لفهم جوهر اللغة، ونظرًا لأن اللغات الطبيعية ليست سوى فئة فرعية من أنظمة الإشارة الممكنة، فإن دراسة النظام السيميائي اللغوي يشار إلى اللغات الطبيعية في سياق نظرية عامة لأنظمة الإشارة الممكنة، وهذه النظرية تسمى السيميائية.

وتنطبق مبادئ وقوانين السيميائية على دراسة اللغات الطبيعية، وكذلك على أنظمة الإشارات الأخرى، لذلك، يجب اعتبار علم اللغة جزءًا من السيميائية، ويمكن تعريف اللغويات كجزء من السيميائية التي تتعامل مع أنظمة الإشارات الطبيعية أي مع اللغات الطبيعية.

وبالنظر إلى تعريف علم اللغة كجزء من السيميائية، يجب أن يتم البحث عن السمات المحددة لعلم اللغة كنظام سيميائي، وتحقيقاً لهذه الغاية يجب أن يتم النظر في السؤال، ما هو الفرق المحدد بين اللغات الطبيعية وجميع أنواع أنظمة الإشارة الأخرى؟ حيث يجب أن تكون أي لغة طبيعية وسيلة مناسبة للتعبير عن الشبكة المفاهيمية للعقل البشري.

أي أن أي لغة طبيعية يجب أن تكون نظام إشارات، والذي يمكن أن يكون له العديد من العلامات المميزة حيث توجد مفاهيم مميزة في الشبكة المفاهيمية للعقل البشري.

والتي يمكن أن تخلق العديد من العلامات الضرورية للتعبير عن مفاهيم جديدة في عمليات الإدراك البشري والتواصل، ويمكن تسمية هذه الميزة لأي لغة طبيعية بخاصية المرونة الإدراكية، واللغات الطبيعية كونها مرنة معرفيًا فإن أي لغة طبيعية هي نظام إشارة غني للغاية ومتغير ومنتج.

وهذه الميزة للغة الطبيعية تجعل من الممكن دائمًا ترجمة رسالة يتم التعبير عنها في بعض أنظمة الإشارات إلى رسالة يتم التعبير عنها بلغة طبيعية، بينما العكس ليس صحيحًا لا يمكن ترجمة كل رسالة يتم التعبير عنها بلغة طبيعية إلى رسالة يتم التعبير عنها بلغة بعض أنظمة تسجيل أخرى.

وكنتيجة مباشرة لمرونتها المعرفية، فإن أي لغة طبيعية لديها نظام من علامات التشكيل، ولكي تكون اللغة الطبيعية مرنة معرفيًا يجب أن تتمتع بالقدرة على إنتاج عدد لا حصر له من الإشارات، ويعمل نظام علامات التشكيل كوسيلة لإنتاج العلامات.

وبسبب نظام علامات التشكيل، يمكن إنتاج أي علامة من خلال الجمع بين علامات التشكيل؛ لذا فإن أي علامة ليست سوى مجموعة من علامات التشكيل، والمرونة المعرفية هي خاصية أساسية لأي لغة طبيعية، وبسبب هذه الخاصية فإن أي لغة طبيعية هي نظام إشارات غني ومعقد ومتغير بشكل غير محدود ومنتج.

النظام اللغوي من وجهة نظر علم التحكم الآلي السيميائي

ومن وجهة نظر علم التحكم الآلي السيميائي تنتمي اللغات الطبيعية إلى نوع من الأنظمة التي يطلق عليها في علم التحكم الآلي السيميائي أنظمة كبيرة جدًا، لذا ما هو إذن نظام كبير جدًا كما هو مفهوم في علم التحكم الآلي السيميائي؟ ففي علم التحكم الآلي السيميائي يشير مفهوم النظام الكبير إلى نظام به عدد كبير من الفروق.

وكلما كبر النظام زاد عدد تمايزاته وسيكون للنظام الكبير جدًا عدد كبير جدًا من الفروق، وتستخدم الكلمات الكبيرة جدًا في علم التحكم الآلي السيميائي للإشارة إلى إنه نظرًا لوجود مراقب محدد لديه موارد وتقنيات محددة فإن النظام يتفوق عليه بثرائه وتعقيده، بحيث لا يمكنه ملاحظته تمامًا أو التحكم فيه تمامًا أو إجراء الحسابات للتنبؤات تمامًا.

وتنتمي اللغات الطبيعية إلى هذه الأنظمة الكبيرة جدًا لأن كل لغة طبيعية لها عدد كبير جدًا من الفروق، فكيف إذن يمكن للطفل أن يتعلم لغة طبيعية، وهي لغة كبيرة جدًا كالنظام؟ وكيف يمكن للطفل أن يكتسب نظامًا يتفوق عليه بثرائه وتعقيده؟

وسيبقى اكتساب لغة طبيعية من قبل الطفل لغزاً ما لم يتم افتراض فرضية حيث يتوفر نظام إشارة بسيط يقوم على أساس اللغات الطبيعية ويتحكم في أدائها، ويسمى نظام الإشارة البسيط هذا النمط الوراثي اللغوي وهو أساس سيميائي شائع تقوم عليه جميع اللغات الطبيعية.

النمط الجيني كأساس سيميائي مشترك للغات الطبيعية

واللغات الطبيعية بهذا المعنى هي تجسيدات للنمط الجيني اللغوي، وعمل كل لغة طبيعية يحاكي عمل التركيب الوراثي اللغوي، ويمكن أن يتم افتراض أن الطفل يكتسب لغة طبيعية من خلال التركيب الوراثي اللغوي والذي بالطبع لا يوجد بشكل مستقل عن اللغات الطبيعية ولكنه إذا جاز التعبير متأصل فيها.

وبالتالي فإن عملية اكتساب لغة طبيعية من خلال التركيب الوراثي اللغوي يجب أن تُفهم على أنها عملية غير واعية، لكن من الضروري افتراض أن النمط الجيني اللغوي له وجود موضوعي كأساس سيميائي مشترك للغات الطبيعية.

وإن دراسة التركيب الجيني اللغوي هو دراسة الخصائص السيميائية الشائعة للغات الطبيعية، أي دراسة القوانين السيميائية الأساسية لعمل اللغات الطبيعية، ويتناقض علاج علم اللغة كجزء من السيميائية مع وجهة نظر منتشرة إلى حد ما بأن علم اللغة جزء من علم النفس.

وصحيح أن العمليات اللغوية في العقل البشري تنطوي على ظواهر نفسية، لكن العمليات المنطقية في العقل البشري تنطوي أيضًا على ظواهر نفسية؛ ومع ذلك لا أحد ينظر إلى المنطق على إنه جزء من علم النفس.

وعلى الرغم من أن العمليات المنطقية تنطوي على عمليات نفسية، فإن المنطق مستقل عن علم النفس، لأن المنطق له موضوع محدد لا علاقة له بالاعتبارات النفسية كقواعد الاستنتاج وبناء الأنظمة الاستنتاجية، وعلى الرغم من أن الظواهر النفسية تصاحب العمليات اللغوية في العقل البشري.

إلا أن علم اللغة مستقل عن علم النفس، لأن الاعتبارات النفسية لا علاقة لها بفهم أنظمة الإشارات، وبصرف النظر عن بعض الحالات الهامشية للمحاكاة الصوتية والظواهر ذات الصلة، فإن علامات اللغة البشرية اعتباطية وتقليدية.

فاللغة هي عرف اجتماعي ضمني يتقاسمه أعضاء المجتمع اللغوي؛ والتعدي على هذا العرف الاجتماعي يجعل المتحدث يتعرض لخطر أن يكون غير مفهوم أو مثير للسخرية، واللغة كشبكة من الأعراف الاجتماعية هي ما يدور حوله علم اللغة، والأعراف الاجتماعية هي فوق الفردية حيث إنهم مستقلون منطقيًا عن العمليات النفسية التي قد ترتبط بها في أذهان الأفراد.

وعلم اللغة مستقل تمامًا عن علم النفس، فعلم نفس الكلام ليس حتى علمًا مساعدًا في علم اللغة، وإن استقصاء الظواهر اللغوية بأساليب علم النفس ممكن بالطبع وهو مهم، لكن الشرط الأساسي الضروري لمثل هذا التحقيق هو التأسيس السابق للحقائق اللغوية حيث يفترض علم نفس الكلام أن علم اللغة هو أساسه.

مبدأ التمييز بين العلامات

ولصياغة مبدأ التمييز بين العلامات إذا كانت علامتان مختلفتين، فيجب التمييز بينهما بتسلسلات مختلفة من الصوتيات، ولفهم سبب أهمية التشكيل أي الفونيمي، والطبقة لأي لغة بشرية، يجب وضع اعتبار لنظام إشارة أبسط من أي لغة بشرية.

ويحتوي على صوتين فقط، أطلق عليها اسم الصوتيات وهي علامات التشكيل، أي إشارات ليس لها معنى ولكنها تستخدم لإنتاج العلامات، وأطلق على فئة الإشارات التي تنتجها الصوتان A وB معجم نظام الإشارة، وإذا كان لابد أن يكون للعلامة المنتجة طول صوتي واحد، فسيكون نظام الإشارة هذا قادرًا على إنتاج علامتين فقط.

المصدر: السيميولوجيا والسرد الأدبي، صالح مفقود، 2000ما هي السيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، 1994الاتجاه السيميولوجي، عصام خلف كاملسيمياء العنوان، بسام قطوس، 2001


شارك المقالة: