أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله

اقرأ في هذا المقال


ما هي أساليب النبي في الدعوة إلى الله

وفيما يلي أبرز وأهم أساليب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في التربية والدعوة إلى الله، وهذه الأساليب تبرز وتوضح حرص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الشديد والكبير على هداية الناس جميعًا، فقد قال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا” (متفق عليه).

1- تقديم الترغيب على الترهيب

عَلِم رسولنا الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم طبيعة النفس البشرية وأن في النفس الإنسانية إقبال كبير وإدبار، وأنه يوجد في النفس البشرية النشاط والضعف، وأن هناك الكثير من النفوس من لا يصلحها إلا طريقة الترغيب، وأن هناك العديد من النفوس من لا يردعها أبداً ولا يهذبها إلا طريقة الترهيب.

لذلك راعى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تلك الاعتبارات، حيث جمع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بين أسلوبي الترغيب والترهيب أيضاً، بل إن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد قدَّم الترغيب على طريقة الترهيب؛ لأن أسلوب الترغيب هو أسلوب أنفع وأجدى.

وقد اتَّضح ذلك من موقف حبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم مع أبي ذر رضي الله عنه والذي يرويه لنا الصحابي أبو ذر رضي الله عنه، “أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «مَا مِنْ عَبْدٍ» قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ». قُلْتُ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟» قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ». (متفق عليه)”.

2- الإقناع العقلي واستخدام الحوار

كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يخاطب العقل في الإنسان، ومن مواقف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الدعوية التي تبرز وتظهر ذلك موقف سيدنا محمد من الفتى الذي قدم إلى النبي حتى يستأذنه في الزنا، حيث كان ردُّ النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عليه بطريقة عقلانية وبأسلوب الحوار.

وهو ما روي عن أبو أُمامة رضي الله عنه فيقول: “«إِنَّ فتىً شابًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسولَ الله، ائْذَنْ لي بالزِّنا، فأَقْبلَ القومُ عليه فزَجَرُوه»، وقالوا: «مَهْ مَهْ!!» فقال له: «(ادْنُه)، فدنا منه قريبًا، قال: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟»قال: «لَا واللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: «لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَاَل: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ» قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قال: «لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَالَ: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قال: لا والله، جعلني الله فداءك! قال: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ!» قَالَ: «وَلَا النَّاسُ جَمِيعًا يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ». قال: «فوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ»، وقالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ»”(رواه أحمد).

ويوضح لنا ذلك الموقف في الحديث السابق كيف كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يتعامل بالحوار مع الناس ويتعامل بالإقناع العقلي مع الفئة من الناس العصاة والمجترئين على القيام بفعل المعصية، حيث كان رد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على ذلك الشاب بأسلوب عقلي وأسلوب منطقي مقنع ويوضح له النبي قبيح طلبِه وشناعة تلك المعصية عندما جاء يستأذن القيام بها، وهي المعصية التي يأباها كل أفراد المجتمع، وعندما انتهى سيدنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من حديثه مع ذلك الشاب وضع عليه الصلاة والسلام يده الشريفة برفق على صدر ذلك الشاب ومن ثم دعا له بالمغفرة ودعا له بطهارة القلب وإحصان الفرج.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا وعملًا حينما قال: “«إِنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ». (رواه مسلم)”.

3- الرفق بالجاهلين والتعليم بأحسن أسلوب وألطف عبارة

وليس هناك أدل من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجل الأعرابي والذي قدم إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبال في المسجد بوجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فكان ردة فعل النبي محمد صلى الله عليه بطريقة لطيفة جداً.

حيث روى الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: “«بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَهْ مَهْ!!» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ» [يعني: لَا تقطعوا عليه بَوْلَه]، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ [صَبَّه] عَلَيْهِ».(رواه مسلم).”

ويوضح لنا ذلك الموقف في الحديث السابق كيف كان تعامل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي الجاهل، وأن النبي محمد لم يُعنفه، وأيضاً لم يُوبخه، بل أن الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام قد تركهُ حتى يكمل حاجته، ومن ثم أمر أصحابه ألا يقتربوا منه حتى يكمل؛ وذلك خشية أن يؤذيه ذلك، وذلك من رحمة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالجاهلين.


وأيضاً من حكمته وحلمه في الصبر على القيام تعليمهم، فعندما انتهى الأعرابيُّ من قضاء حاجته أوضح له النبيُّ الكريم محمد صلى الله عليه وسلم معلمًا ومؤدِّبًا له برفق ما لهذه المساجد الشريف من الحُرمة والقدسيَّة، وأن المساجد لا تصلح لفعل مثل تلك الأفعال، ومن ثم علَّمه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الوظيفة الأساسية لمساجد الله عز وجل.

4- استثمار المواقف والفرص

كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يستثمر المواقف في التعليم؛ لأن هذه المواقف هي أوقع أثرًا وهي أثبت في الذاكرة، ومن ذلك أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه الكرام يومًا، وإذا هناك بامرأة من السبي كانت تبحث عن ولدها، فعندما وجدته ضمته، هنا أراد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يستثمر تلك الفرصة الكبيرة ويعلم أصحابه الكرام مدى رحمة الله عز وجل، فقال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام رضوان الله عليهم: “«أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟» قَالُوا: لَا!! قَالَ: «واللهُ لَا يُلْقِي حَبِيبَهُ فِي النَّارِ» (متفق عليه).

يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: “«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ [أي: لم ينتهوا من حفر المكان الذي يدفن فيه الميت]، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ .. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا»، ثم ذكر الحديث الطويل في وصف عذاب القبر وفتنته. (رواه أبو داود)”.

5- الحكمة والموعظة الحسنة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان يحرص على مخاطبة عقولهم وقلوبهم، وكان يستخدم الأمثلة والقصص لتوضيح أفكاره.


شارك المقالة: