أسباب النزول

اقرأ في هذا المقال


يُعرف أسباب النزول : ما نزلت الآية أو الآيات تتحدَّث عنه أيام وقوعه، وكلمة وقوعه يعتبر شرطاً جوهرياً لبيان سبب النزول وتمييزه عن الآيات التي نزلت للإخبار بالوقائع الماضية. وقد اعتنى بذلك المفسرون في كتبهم ، وأفردوا فيه تصانيف منهم علي المديني شيخ البخاري، ثمَّ تتابعت المصنفات في ذلك، وأسباب النزول للإمام المفسِّر النحوي المحدِّث أبي الحسين علي بن أحمد النيسابوري الشهير بالواحدي، ولباب النقول في أسباب النزول للإمام المحدِّث جلال الدين السيوطي .

فوائد علم أسباب النزول :

من يتامل ويدرس الوثائق لمعرفة أسباب النزول والوقائع التي بُني عليها ورود النص أو ترتَّب عليها وقوع الحدث من أحداث التاريخ له أثر بالغ الخطر في دراسة تلك النصوص والأحداث وذلك لوجوه كثيرة منها :

  • الاستعانة على فهم المراد :
    لما هو معلوم من الارتباط بين السَّبب والمسبِّب ، قال الواحدي : لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصَّتها وبيان نزولها .
    وقال ابن دقيق العيد : بيان سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإنَّ العلم يورث العلم بالمسبب .
  • معرفة وجه الحكمة التي ينطوي عليها تشريع الحكم : ممّا يكون أدعى لتفهمه وتقبُّله، فمن قرأ أسباب نزول آيات نحريم الخمر متدرجة واحدة بعد الأخرى ، أدرك ضرورة تحريم الخمر، وبعثه موقف الصحابة عند نزول تحريمها الباتّ لأنْ يقتدي بهم ويتأسَّى بعملهم فينزجر عمّا قد يكون عليه من فعل محرَّم .
  • إزالة الإشكال عن ظاهر النص لمّن لم يتعرَّف سبب النزول : وذلك كثير يصادفه المفسِّر، ومنه هذا المثال المشهور وهو أنَّه قد أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى ﴿لَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ یَفۡرَحُونَ بِمَاۤ أَتَوا۟ وَّیُحِبُّونَ أَن یُحۡمَدُوا۟ بِمَا لَمۡ یَفۡعَلُوا۟ فَلَا تَحۡسَبَنَّهُم بِمَفَازَةࣲ مِّنَ ٱلۡعَذَابِۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمࣱ﴾ [آل عمران ١٨٨] قال : لئن كانَ كلُّ امريءٍ فرح بما أوتيَ وأحبُّ أن يُحمدَ بما لم يفعل مُعذِّباً لنُعذبَنّ أجمعون ؟؟ حتى بيَّن له ابن عباس أنَّ الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فخرجوا قد أروه أنْ قد أخبروه بما سألهم ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه ” اخرجه البخاري ومسلم .
    ومنها قوله تعالى ﴿لَیۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحࣱ فِیمَا طَعِمُوۤا۟ إِذَا مَا ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّءَامَنُوا۟ ثُمَّ ٱتَّقَوا۟ وَّأَحۡسَنُوا۟ۚ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ﴾ [المائدة ٩٣] فحُكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنَّهما كانا يقولان الخمر مباحة، ويحتجان بهذه الآية، وخفي عليهما سبب النزول .
  • كشف أسرار البلاغة في القرآن العظيم : لما يفيد علم أسباب النزول من تلاؤم أسلوب القرآن مع مقتضى حال السَّامعين والعالمين إلى يوم الدين، وقد حفلت مصادر التفسير البلاغي من هذا اللون .

كيف نعرف أسباب النزول :

لمّا سبَّب النزول أمراً واقعاً نزلت الآية بشأنه كان من البدهي ألَّا يدخل العلم بهذه الأسباب في دائرة الرأي والاجتهاد لهذا قال الإمام الواحدي في ديباجة كتابه أسباب النزول :

ولا يحلُّ القول في أسباب النزول إلَّا بالرواية والسَّماع ممَّن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب ، وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطِّلاب ”

حتى قال الإمام محمد بن سيرين : سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال ” اتقِ الله وقلْ سداداً ، ذهب الذين يعلمون فيم أَنزل الله من القرآن ”

ولمّا كانت أسباب النزول غير خاضعة للاجتهاد أدخلها علماء الحديث من الصحابي الذي عاين التنزيل وعاصره فيما له حكم المرفوع ، وإن كانت العبارة فيها لفظ الصحابي ، فإنَّ له حكم المرفوع أي المنسوب إلى النبي صلَّى الله عليه وسلم .

وقد اتفق علماء الحديث على اعتبار قول الصحابي في سبب النزول له حكم المرفوع، وأخرج البخاري ومسلم وغيرهم أسباب النزول .

أمّا ما يرويه التابعي من أسباب النزول فهو مرفوع أيضاً ، لكنَّه مرسل .

اختلاف روايات أسباب النزول :

  • ضعف الرواه :

وضعف الراوي يسبِّب له الغلط في الرواية ، وان تكون مردودة ، فإذا خالفت روايته رواية المقبولين كانت أولى بالردِّ .

مثال : ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ فَأَیۡنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَ ٰ⁠سِعٌ عَلِیمࣱ﴾ [البقرة ١١٥] فقد ثبت أنها في صلاة التطوع للراكب على الدابة  [روي عن عبدالله بن عمر:] كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي وَهو مُقْبِلٌ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ على راحِلَتِهِ حَيْثُ كانَ وَجْهُهُ، قالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥]. [وفي رواية]:، ثُمَّ تَلا ابنُ عُمَرَ، {فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}[البقرة: ١١٥]، وَقالَ في هذا: نَزَلَتْ. مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٧٠٠  •  [صحيح]  •  شرح رواية أخرى

وأخرج الترمذي وضعفه أنَّها في صلاة من خفيت عليه القبلة فاجتهد فأخطأ القبلة، فأنَّ صلاته صحيحة .

فالمعوَّل هنا في سبب النزول على الأول صحته .

  • تعدُّد الأسباب والمُنزَّل واحد :

وذلك بأنْ تقع عدَّة وقائع في أزمنة متقاربة فتنزل الآية لأجلها كلِّها، وذلك واقع في مواضع متعددة من القرآن ، والعمدة في ذلك على صحَّة الروايات، فإذا صحَّت الروايات بعدَّة أسباب ولم يكن ثمَّة ما يدلُّ على تباعدها كان دليلاً على أنَّ الكل سبب لنزول الآية والآيات .

مثال ذلك آيات اللعان :

أنَّ هِلالَ بن أُميَّةَ قذَفَ امرأتَه عندَ النَّبيِّ ﷺ بشَريكِ بنِ السَّحْماءِ، فقال النَّبيُّ ﷺ: البَيِّنةَ أو حَدٌّ في ظَهرِكَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إذا رَأى أحدُنا الرَّجُلَ على امرأتِه يَنطلِقُ يَلتمِسُ البَيِّنةَ؟ قال: فجعَلَ النَّبيُّ ﷺ يقولُ: البَيِّنةَ وإلّا فحَدٌّ في ظَهرِكَ، قال: فقال هِلالُ بنُ أُميَّةَ: والذي بعَثَكَ بالحَقِّ، إنِّي لصادقٌ ولَيُنزِلَنَّ اللهُ في أمْري ما يُبرِّئُ به ظَهري منَ الحَدِّ، قال: فنزَلَ جِبريلُ قال: فأُنزِلَتْ عليه: {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ} [النور: ٦] حتى بلَغَ: {والْخامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ} [النور: ٩]، قال: فانصرَفَ النَّبيُّ ﷺ فأرسَلَ إليهما، قال: فجاء فقام هِلالُ بنُ أُميَّةَ فشَهِدَ، والنَّبيُّ ﷺ يقولُ: إنَّ اللهَ يَعلَمُ أنَّ أحدَكما كاذبٌ؛ فهل منكما من تائبٍ؟ فقامتْ فشَهِدَتْ، فلمّا كان عندَ الخامسةِ قال النَّبيُّ ﷺ: وَقِّفوها؛ فإنَّها مُوجِبةٌ، قال ابنُ عَبّاسٍ: فتَلكَّأتْ ونَكَصَتْ حتى ظَننّا أنَّها ستَرجِعُ، ثُمَّ قالتْ: لا أفضَحُ قَومي سائرَ اليَومِ، قال: فمَضَتْ؛ ففَرَّقَ بيْنَهما، قال: وقال النَّبيُّ ﷺ: أبصِروها، فإنْ هي جاءتْ به -قال هِشامٌ: أحسَبُه قال مِثلَ قَولِ محمَّدٍ:- فإنْ جاءتْ به أكحَلَ العَينَينِ سابغَ الأَليَتَينِ مُدَمْلَجَ السّاقَينِ فهو لشَريكِ بنِ السَّحْماءِ، قال: فجاءتْ به كذلك، فقال النَّبيُّ ﷺ: لَولا ما مَضى من كِتابِ اللهِ لكان لي ولها شَأْنٌ.

سنن الدارقطني ٣٧١٢  •  حسن

وفي الصحيحين أنَّها نزلت في عويمر العجلاني وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً .. فقال صلَّى الله عليه وسلم ” قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك ” وظاهر الحديثين الاختلاف، وكلاهما صحيح .

فأجاب الإمام النووي بأنَّ أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضاَ فنزلت في شأنهما معاً، وبذلك قال الإمام الخطيب قال ” لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد ”

  • أن يتعدد نزول النص لتعدد الأسباب :

قال الإمام الزركشي : وقد ينزل الشيء مرَّتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه خوفَ نسيانه … ”

ولذلك ما ثبتَ في الصحيحين ١- [عن عبدالله بن مسعود:] بيْنَما أَنا أَمْشِي مع النبيِّ ﷺ في حَرْثٍ، وَهو مُتَّكِئٌ على عَسِيبٍ، إذْ مَرَّ بنَفَرٍ مِنَ اليَهُودِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَقالوا: ما رابَكُمْ إلَيْهِ، لا يَسْتَقْبِلُكُمْ بشيءٍ تَكْرَهُونَهُ، فَقالوا: سَلُوهُ، فَقامَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَسَأَلَهُ عَنِ الرُّوحِ، قالَ: فأسْكَتَ النبيُّ ﷺ، فَلَمْ يَرُدَّ عليه شيئًا، فَعَلِمْتُ أنَّهُ يُوحى إلَيْهِ، قالَ: فَقُمْتُ مَكانِي، فَلَمّا نَزَلَ الوَحْيُ قالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا}. وفي رواية: كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ ﷺ في حَرْثٍ بالمَدِينَةِ، بنَحْوِ حَديثِ حَفْصٍ. غَيْرَ أنَّ في حَديثِ وَكِيعٍ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا} وفي حَديثِ عِيسى بنِ يُونُسَ: وَما أُوتُوا مِن رِوايَةِ ابْنِ خَشْرَمٍ. وفي رواية: كانَ النبيُّ ﷺ في نَخْلٍ يَتَوَكَّأُ على عَسِيبٍ…، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَديثِهِمْ عَنِ الأعْمَشِ. وَقالَ في رِوايَتِهِ: {وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلّا قَلِيلًا}.

مسلم (٢٦١ هـ)، صحيح مسلم ٢٧٩٤  •  [صحيح]  •  أخرجه البخاري (٤٧٢١)، ومسلم (٢٧٩٤) واللفظ له  •  شرح رواية أخرى وهي مكية باتفاق فإن المشركين سألوه عن ذي القرنين وعن أهل الكهف قبل ذلك بمكة وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك ، فأنزل الله الجواب .

المصدر: علوم القرآن - نور الدين عتر الربهان في علوم القرآنصحيح البخاري - البخاري صحيح مسلم - الامام مسلم


شارك المقالة: