النهي عن الكلام في الصلاة

اقرأ في هذا المقال


عن زيد بن الأرقم رضي الله عنهُ قال: كُنَّا نَتكَلَّمُ في الصَّلاة يكلِّم الرَّجل منَّا صاحبهُ وهو إِلى جنبهِ في الصلاةِ حَتى نَزَلَت قوله تعالى: (( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ )) “البقرة 238″ . فأُمرْنَا بالسُّكوت ونُهينَا عن الكلام.
قانتين: للقنوت عدّة معان، منها: الطاعة، والخشوع، والدعاء وطول القيام والسكوت، وهو المراد هنا، فقد فَهم منه الصحابة نهيهم عن الكَلام في الصلاة، وأمرهم بالسكوت. واللام في قوله عن الكلام للعهد إذ يقصدِ بها الكلام الذي كانوا يتحدثون به.
فالدليل هنا ” ذكر زيد بن الأرقم ــ رضي الله عنه ــ أنّ المسلمين كانوا في بدء أمرهم يتكلمون في الصلاد بقدر حاجتهم إلى الكلام، فقد كان أحدهم يكلّم صاحبه بجانبه في حاجته، وكان على مسمع من النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـ، ولم ينكر عليهم.
ولمّا كان في الصلاة شغل بمناجاة الله عن الكلام مع المخلوقين، فأمرهم الله تبارك وتعالى بالمحافظة على الصلاة وأمرهم بالسكوت ونهاهم عن الكلام، فأنزل الله تعالى:( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) البقرة ” فعرف الصحابة منها نهيهم عن الكلام في الصلاة فانتهوا، رضي الله عنهم .

آراء العلماء في النهي عن الكلام

من ناحية الاختلاف : أجمع العلماء على بُطلان صلاة من تكلّم فيها عامداً لغير مصلحتها، عالماً بالتحريم.
واختلفوا في الساهي، والجاهل والمكره، والنائم، والمحذر للضرير، والمتكلم لمصلحتها.
فذهب الحنابلة إلى بُطلان الصلاة في كلِّ هذا، عملاً بهذا الحديث الذي معنا، وحديث كنَّا نسلم علَيكَ في الصَّلاة فَترُدّ علَيْنَا، قال: (إِن في الصَّلاةِ لَشُغْلا) ” متفق عليه ” .
وذهب الإمامان مالك والشافعي إلى صحّة صلاة المتكلّم جاهلاً، أو ناسياً في الصلاة، أو ظانًّا أن صلاته تمّت فسلّم وتكلّم، سواء كان الكلام في شأن الصلاة، أو لم يكن في شأنها، وسواءً كان المتكلم إماماً أو مأموماً، فإن الصلاة صحيحة تامة، يبنى آخرها على أولها.
وما ذهب إليه الإمامان مالك، والشافعي، من عدم قطع الصلاة بكلام الجاهل” والساهى” والمحذر” والمتكلم لمصلحتها بعد السلام قبل إتمامها” ذهب إليه أيضاً الإمام أحمد في روايات قوية صحيحة عنه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
وهناك أدلة قوية وواضحة : منها :

“حديث ذي اليدين وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين وأبى بكر وعمر، وسرعان الناس الذين خرجوا من المسجد، يرددون بينهم قصرت الصلاة” .
وما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم: بَينَما أنَا أصلّي مَعَ النَبيِّ صلى الله عليه وسلم إِذ عطس رجلٌ مِنَ القَوم، فَقلْت: يَرحمك الله فَرماني الْقَوم بأبصارِهم، فَقُلْتُ: وَاثكلاه، مَا شَأنُكم تَنْظرُونَ، فجعلُوا يَضربون بِأيديهِم علَى أفْخاذِهم فَما رأيتهم يصْمتُوني لكنِّىِ سكَت فَلَما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم… قال: (( إن هذه الصلاةَ لا يَصلُح فِيهَا شَيء من كَلام الناس))  فلم يأمره بالإعادة .
وهناك أيضاً حديث: ((عُفِي لأمتِي عنِ الخطَأِ والنسيَان وما استُكرِهوا علَيه)) .
واختلف العلماء في النفخ والنحنحة، والتأوُّه،، والأنين، والانتحاب وغير ذلك .
فذهب بعضهم: وهو المشهور من مذهب الحنابلة والشافعية” إلى أنه يبطل” الصلاة إذا انتظم منه حرفان.
فإن لم ينتظم منه حرفان، أو كان الانتحاب من خشية الله، أو التنحنح لحاجة، فمذهب الحنابلة أنه لا يبطل الصلاة واختار الشيخ تقي الدين عدم الإبطال بهذه الأشياء، ولو بان منه حرفان، لأنها ليست من جنس الكلام، فلا يمكن قياسها على الكلام .
وحكى عدم البطلان رواية عن الإمامين مالك وأحمد: مستدلينِ بحديث على رضي الله عنه، كان لي من رسول الله مَدخلان باللَيل والنَّهارِ، فَإذَا دَخلت عَلَية وَهو يُصَلِّي تَنَحنَح ” رواه أحمد، وابن ماجه” .
وقد نفخ صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف. وقال مهنا: رأيت أبا عبد الله يتنحنح في الصلاة.
وهذه الأشياء ليست كلاماً، ولا تنافي الصلاة ، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا المبحث ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (فهناك الكلمات التي تدلُّ على معنى فيها مثل يد وفم وغير ذلك) (وهناك كلمات تدل على معنى في غيرها مثل عن ومن وفي ) (وما هو بسبيلها) .
وهذان النوعان من الكلام يدلان على معنى بالوضع وقد أجمع أهل العلم على إفساد هذا القسم للصلاة إن لم يكن له عذر شرعي.
أما القسم الثاني في الكلام فهو ما لهُ معنى بالطبع كالتأوه والبكاء والأنين والأظهر أنه لا يبطل الصلاة؛ لأنهُ ليس كلاماً في اللغة التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما القسم الثالث وهو النَّحنحة فقد ورد من حديث علي قال:
كنتُ إذا دخلت عليهِ وهو يصلى تنحنح لي ونقل عن الإمام أحمد روايتان فيه إحداهما الإبطال، والأخرى اختيار الشيخ تقي الدين عدم الإبطال بحال .
قال شيخ الإسلام في الاختيارات: والأظهر أنَّ الصلاة تبطل بالقهقهة إذا كان فيها أصوات عالية تنافي الخشوع الواجب في الصلاة.
وفيها من الاستخفاف والتلاعب ما يناقض المقصود من الصلاة. فأبطلت لذلك، لا لكونها كلاماً .
قال ابن المنذر: “أجمعوا على أن الضحك يفسد الصلاة “.
هذا الحديث يرشدُ إلى عدة فوائد ألا وهي :
1- كان الكلام في الصلاة أول الإسلام مباحا بقدر الحاجة إليه .
2- تحريم الكلام في الصلاة بعد نزول قوله تعالى: ( وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) “238 البقرة” .من العامد، وهو الذي يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام فيها محرم .
3- أن الكلام- مع حرمته- مفسد للصلاة، لأن النهي يقتضي الفساد .
4- أن القنوت المذكور في هذه الآية، مراد به السكوت، كما فهمه الصحابة، وعملوا بمقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
5- أن المعنى الذي حرم من أجله الكلام، هو طلب الإقبال على الله في هذه العبادة، والتلذُّذ بمناجاتهِ فَليُحْرَصْ على هذا المعنى السامي .
6- صراحة النسخ في مثل هذا الحديث الذي جمع بين الناسخ والمنسوخ .


المصدر: كتاب التفسير العلام شرح عمدة ا .لأحكام _ لأبن القيم وابن الجوزيه وغيرهم


شارك المقالة: