حقُ الله و حقُ العبد شرعاً

اقرأ في هذا المقال


أفعال المسلمين التي تعلقت بالأحكام الشرعية: إمّا أن يكون المقصودُ بها فائدة خاصة أو فائدة عامة، فإن كان المقصود بها فائدة مجتمع فالفعل حق الله تعالى، وإن كان المقصود بها فائدة خاصة فالفعل هو حق العبد، وقد يجتمع في الفعل حق الله وحق العبد، ويكون حق الله هو الغالب أو حق العبد هو الغالب، ونتكلم فيما يلي عن كل نوع من هذه الأنواع على حدى، ولهذا يعّرفون حق الله أو حق المجتمع: بأنّه ما تعلق به النفع العام من غير تعلقة بأحد، ولهذا نسب إلى رب الناس جميعاً لخطورته وأشتمالِ نفعه، وهذا الحق لا يجوز إسقاطهُ ولا يحق لأحد التنازل عنه أو الخروج عليه، فهو كالنظام العام عند القانونيين.

حقوق الله الخالصة:

  • أولا: وقد وُجدَ بالاستقراء: أن حقوق الله الخالصة هي ما يأتي: العبادات المحضة: “الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد”، ونحوها، فالإيمان وما بني عليه، يُقصد به: تحصیل ما هو ضروري وهو الدين، والدين ضروري لقيام المجتمع ونظامه، والعبادات كلها شرعت لمصالح تعود بالنفع الكثير على المجتمع.
  • ثانياً: العبادات التي فيها معنى المؤازرة، مثل: صدقةُ الفطر، فهي عبادة؛ لأنّها تقرّب إلى الله بالتصدق على الفقير، وكونها فيها معنى المؤازرة؛ لأنّها وجبت على المكلف بسبب غيره، كما وجبت خلافاً للعبادات المحضة فهي لا تجب على المكلف بسبب الغير.
  • ثالثا: الضرائب على الأرض العشرية، وهذه سماها الأصوليون: مؤونة فيها معنی العبادة، أما أنّها مؤونة : فلأنّها ضريبة الأرض، وبهذه الضريبة تبقى الأرض بیدِ أصحابها غير معتدى عليها، وأمّا أنّ فيها معنى العبادة: فلأنّ العشر المأخوذ هو زکاة الزرع الخارج من الأرض، ويصرف في مصارف الزكاة، وهذه من المصالح العامة.

رابعا: الضرائب على الأرض التي تترك بيد أصحابها غير المسلمين بعد فتح المسلمين لها واستيلائهم عليها، فتفرض عليها ضريبة معينة، كما حدث في أرض العراق والشام؛ إذ تركها عمر بن الخطاب بيد أهلها وضرب عليها الخراج بعد مشاورة الصحابة وموافقتهم، ويصرف هذا الوارد في المصالح العامة للدولة الإسلامية وتسمّى الخراج.

خامسا:عقوبات كاملة ليس فيها معنى آخر غير العقوبة، وهي الحدود، أي: العقوبات المقدرة التي شرعت للمصلحة العامة، واعتبرت لذلك من حق الله، مثل: حد الزنى، وحد الشرب، وحد السرقة، وحد قطاع الطريق، فهذه العقوبات شرعت المصلحة المجتمع، فلا يملك أحد إسقاطها، ولهذا لما سرقت امرأة من بني مخزوم، وأراد أسامة بن زيد أن يستشفع لها عند الرسول ، غضب النبي ﷺ وخطب في الناس، وممّا قاله: ” أتُكَلِّمُنِي في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، قالَ أُسامَةُ: اسْتَغْفِرْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَلَمَّا كانَ العَشِيُّ قامَ رَسولُ اللَّهِ خَطِيبًا، فأثْنَى علَى اللَّهِ بما هو أهْلُهُ، ثُمَّ قالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنَّما أهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ: أنَّهُمْ كانُوا إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عليه الحَدَّ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتِلْكَ المَرْأَةِ فَقُطِعَتْ يَدُها” صدق رسول الله .

سادسا: وهي حرمان القاتل من الإرث، وإنما كانت قاصرةً لأنه ليس فيها إيذاء بدني، أو تقييد لحرية الجاني، وإنما فيها عدم ثبوت ملك جديد له فهي عقوبة سلبيةوتسمى عقوبات قاصرة.
سابعا : عقوبات فيها معنى العبادة، مثل : الحنث في اليمين والإفطار عمداً في رمضان، و القتل الخطأ، فهذه عقوبات لأنّها جزاء على ذنوب، وفيها معنى العبادة لأنها تؤدي بما هو عبادة من صوم أو صدقة أو تحرير رقبة.

حق العبد:


هو ما كان المقصود به مصلحة للعبد، ومثله سائر الحقوق للعباد: كضمان المتلفات، واستيفاء الدية، ونحو ذلك، وهذا النوع من الحق يكون الخيار في استيفائه إلى المكلف نفسه، فإن شاء أسقطه وإن شاء استوفاه، لأنّ للإنسان أن يتصرف في خالص حقه بما يشاء.

ما اجتمع فيه الحقان، وحق الله فيه غالب:


ومثاله: حد القذف فالقذف جريمة تمس الأعراض، وتشيع الفاحشة في المجتمع، وفي ترتيب العقوبة على هذه الجريمة مصلحة عامة لما فيها من ردع المجرمين وصيانة الأعراض وإخلاء المجتمع من الفساد، فكانت هذه العقوبة من حق الله بهذا المعنى، من جهة أخرى: فإنّ في هذه العقوبة مصلحة خاصة للمقذوف، إذ فيها إظهار لشرفه وعفته ودفع العار عنه، فكان في هذه العقوبة حق للعبد من هذه الجهة، إلّا أنّ حق الله هو الغالب، ولهذا لا يجوز للمقذوف إسقاط الحد (أي: العقوبة) عن القاذف، لأنّ حق الله لا يسقط بإسقاط العبد، وإن كان غير متمحض له، كما في العدّة: لا تسقط سقاط الزوج إياها، وإن كان فيها حقه لما فيها من حق الله .

ما اجتمع فيه الحقان، وحق العبد فيه غالب:


ومثاله: القصاص من القاتل العمد، فإنّ فيه تأمين حياة الناس وحفظ الأمن وإشاعة الطمأنينة، وهذا كله المصلحة العامة فيكون بهذا الاعتبار حق لله تعالی، من جهة أخرى: يحقق القصاص مصلحة خاصة للفرد: هي شفاء صدور أولياء وإزالة غضبهم وحقدهم على القاتل، فيكون بهذا الاعتبار حقا للعبد.

المصدر: أصول الفقه للناشئة/د. إبراهيم عبد الله سلقينيعلم أصول الفقه الميسر/عبد الله بن محمد بن يحيىأصول الفقه عند المحدثين/طاع الله، محمدالوجيز في أصول الفقه/.دعبد الكريم زيدان


شارك المقالة: