سد يأجوج ومأجوج

اقرأ في هذا المقال


سد يأجوج ومأجوج:

لقد بنى ذو القرنين سدّ يأجوج ومأجوج؛ من أجلِ أن يحجز بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهُم. كما ذكر الله تعالى في القرآن الكريم فقال:”قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّاقَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا” الكهف:94:95.
وهذا ما جاء في الكلام على بناء السدّ، أما مكانه، فهيّ جهة المشرق، لقوله تعالى:”حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ” الكهف:90. ولا يُعرف مكان هذا السد بالتحديد، وقد حاول بعض الملوك والمؤرخين أن يتعرفوا على مكانه. ومن ذلك، أن الخليفة الواثق بعث بعض أُمرائه يتجه معه جيشاً سرية؛ لينظروا إلى السد، ويعاينوهُ، وينعتوهُ له إذا رجعوا، فوصلوا من بلاد إلى بلاد ومن ملك إلى ملك، حتى وصلوا إليه، ورأوا بناءه من الحديد ومن النحاس، وذكروا أنهم رأوا فيه باباً عظيماً، وعليه أقفالٌ عظيمة، ورأوا بقية اللبن والعسل في برج هناك، وأن عنده حراساً من الملوك المتاخمة له، وأنه منيفٌ شاهق، لا يُستطاع ولا ما حوله من الجبال، ثم رجعوا إلى بلادهم، وكانت غيبتهم أكثر من سنتين وشاهدوا أهوالاً وعجائب. وهذه القصة قد ذكرها ابن كثير رحمه الله في التفسير، ولم يذكر لها سنداً، فالله أعلم بصحة ذلك.
والذي تدلُ عليه الآيات السابقة أن هذا السدّ بُني بين جبلين، لقوله تعالى:”حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ” والسدان: هما عبارة عن جبلان متقابلان، ثم قال:”حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ” أيّ حاذى به رؤوس الجبلين، وذلك بزبر الحديد، ثم أفرغ عليه نحاساً مذاباً، فكان سدّاً مُحكماً.
قال الإمام البخاري: “قال رجلٌ للنبيّ عليه الصلاة والسلام: رأيتُ السّدّ من البرد المحبر. قال: قد رأيته” رواه البخاري.
وقال السيد قطب: “كُشف سدٌّ بمقربة من مدينة ترمذ، عُرف باب الحديد، قد مرّ به في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي العالم الألباني”سيلدبرجر” وسجله في كتابه، وكذلك ذكره المؤرخ الإسباني كلاً في رحلته سنة 1403″، وقال: سدّ مدينة باب الحديد على الطريق سمرقند والهند، وقد يكون هو السدّ الذي بناه ذو القرنين. قلتُ ولعلّ هذا هو السدّ وهو السور المحيط بمدينة ترمذ الذي ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان، وليس هو سدّ ذي القرنين.
وأيضاً، فلا يهمنا تحديد مكان السد، بل نتوقف عندما أخبرنا الله تعالى به، وما جاء في الأحاديث الصحيحة، وهو أن سد يأجوج ومأجوج موجودٌ إلى أن حين إيتيان الوقت المحدد لدّك ذاك السد، وخروج يأجوج ومأجوج، ويكون ذلك عند قُرب قدوم الساعة، كما قال تعالى:”قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا- وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا” الكهف:98:99.
والذي يدلُ على أن هذا السدّ موجودٌ لم يندكّ ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام في السدّ، قال:” يحفرونه كل يومٍ حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا، فستخرِقونهُ غداً، قال:فيعيدهُ الله عزّ وجل كأشدّ ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ارجِعُوا فستخرقونه غداً إن شاء الله تعالى، واستثنى، قال: فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه، فيخرقونه، ويخرجون على الناس، فيستقونَ المياه، ويفرّالناس منهم”. رواه الترمذي.
والذي جاء في حديث الصحيحين، أنه فُتح منه جزءٌ يسير، ففزعَ من ذلك النبي عليه الصلاة والسلام. ويرى الأستاذ قطب أن من باب الترجيح لا من باب اليقين أن وعد الله بدلّ السّدّ قد وقع، وأنه قد خرج يأجوج ومأجوج، وهم التتار الذين ظهروا في القرن السابع الهجري، ودّمروا الممالك الإسلامية، وعاثوا في الأرض فساداً.
وفي هؤلاء التتار يقول القرطبي: وقد خرج منهم، أيّ الترك في هذا الوقت أممٌ لا يحصيها إلا الله تعالى، ولا يردّهم عن المسلمين إلا الله تعالى، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج أو مقدّمتهم. تفسير القرطبي. وكان ظهور هؤلاء التتار في زمن القرطبي، وسمع عنهم ما سمعَ من الفساد والقتل، فظّنُهم يأجوج ومأجوج أو مقدّمتهم.
ولكن الذي هو من أشراط الساعة الكبرى، هو خروج يأجوج ومأجوج في آخر الزمان،فهذا الأمر لم يقع بعد؛ وذلك لأنّ جميع الأحاديث الصحيحة تدلّ على أن خروجهم سيحصلُ بعد نزول عيسى عليه السلام، وأنهُ هو الذي يدّعو عليهم، فيهلكهم الله، ثم بعد ذلك يرمِيهم في البحر، ويُريح البلاد والعباد من شرّ أعماهم.

المصدر: كتاب أشراط الستأليف محمد سلامة جبر- الطبعة الأولى.اعة وأسراها، كتاب أشراط الساعة، تأليف يوسف عبد الله بن يوسف الوابل دار ابن الجوزي.كتاب أشراط الساعة، تأليف عبد الله بن سليمان الغضيلي.كتاب علامات الساعة، تأليف سعيد اللحام.


شارك المقالة: