قصة بحيرى مع النبي

اقرأ في هذا المقال


قصه الراهب بحيرى مع النبي

عندما وصل سيدنا محمد صلّى الله عليهِ وسلم من العمر تسعَ سنينَ ، وفي رواية اثنتي عشرةَ سنة ، خرج مراقفاً عمّهُ أبو طالب في تجارة إلى الشام ، ويقال إنّ أبا طالباً كان يريد المسيرَ إلى الشامِ لوحدهِ فقالَ له النبيّ صلّى الله عليه وسلم : ( أي عمِّ إلى من تخلفني هَهُنا ؟ فما لي أمٌّ تكفلني ، ولا أحدٌ يُؤويني) ، فرقَّ قلبُ عمّ النبيّ عليه الصلاة والسلام له وقال أبو طالب : ( والله لأخرجنّ به معي، ولا يفارقني أبداً )، فأصطحبهُ معه حتى وصل إلى أرض بُصرى وهي أرض تعدُّ من أراضِي بلاد الشّام.

وكان هناكَ راهبٌ معروف حين ذاك يقال له ( بَحيرى) ، وكان عالماً نصرانياً، يعرف بعلوم دينهِ ، وهو من قبيلة عبد القيس وهي أحد القبائل الموجودةِ في تلكَ المنطقةِ، وقيلَ أنّ بحيرى هو أحد أحبارِ يهود تيماء ، فلمّا نزل ركب أبو طالب قريباً من صومعته وهو (معبد الرّهبان) أو كما يقال( بيت العبادة) عند النصارى ، وكانوا كثيراً ما يمرون بهم في تلك الطريق، وذلك فيما قالوا وزعموا أنّه رأى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام حين أقبلوا إليهم، أنّ غمامة كانت تسير مع النبي عليه الصلاة والسلام كظلهِ من بين القوم كلهم تظله في طريقه فلا تفارقه.
فأرسل بحيرى إلى من في القوم أو إلى الرّكب الذين قدموا ودعاهم إلى الجلوس لمشاركته الطّعام وقال لهم : إنّي أحبُّ أن تحضروا جميعكم إلى ما دعوتكم له ، فذهبوا إليه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يأت معهم من بين القوم لحداثة (لِصغرِ) عمرِ النبي حين ذاك ، فأصبح بحيرى ينظر إلى القوم ولم يرَ الشّخص الموصوف فيهم فقال : (يا معشر قريش لا يتخلّف أحدٌ منكم عن طعامي) ، فنظروا جميعاً إليهِ وقالوا له: يا بحيرى ما تخلّف عن طعامك منّا من أحٌد ينبغي له أن يأتي إلّا أنّ هناك غلام وهو أحدث قومنا سنّاً ، فتخلّف عن القدوم معنا ولم يأتِ إلى مجلس طعامك ، فقال له: لا تفعلوا هذا ، ادعوهُ للطعام فليحضر هنا معكم فقال أحد الرّجال من قريش ممّن رافقوا هذا الرّكب معهم: واللات والعزّى إن كان للؤم بنا أن يتخلّف (لم يأت) ابن عبد الله بن عبد المطلب عن هذا الطعام من بيننا وكان المقصود هو نبي الله محمد صلَّى الله عليه وسلم .
ثمّ قام إلي النبيّ عليه الصلاة والسلام واحتضنه وأجلسه مع القوم في الطعام ، فلمّا رأى بحيرى النبي عليه الصلاة والسلام جعل ينظرُ إليهِ وصارَ يلحظهٌ لحظاً شديداً و ينظرُ إلى أشياءٍ وأماكن من جسد النبي عليه السلام ، وقد كان يجدُ عنده تلك الصّفات ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرّقوا قام إليه بحيرى فقال له : يا غلام أسألك باللات والعزى أن تخبرني وتجيبني عمّا أسألك عنه ، وما سبب قوله له ذلك الكلام أو أنّه حلّفهُ لأنّ بحيرى سمع لقومه يحلفون( بالات والعّزى) ، وقيل أنّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال له : “ولاتسألني باللات شيئاً والله ما أبغضت شيئاً قطّ بغضها ” ، فقال بحيرى : أحلفك بالله أن تخبرني ما اسألك عنهُ ، فقال له النبيّ : ( سلني عمّا بدا لك) .
فقام يسأله عن أشياء من حال تخصُّ النبي عليه الصلاة والسلام : من نوم النبي عليه السلام ، وهيئته ِ، وأمورهِ ، فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يخبر بحيرى فيوافق ذلك تماماّ ما عند بحيرى الرّاهب من صفته ، ثمّ نظر بحيرى إلى ظهر النبيّ عليه السلام ، فرأى خاتم النبوّة بين كتفيهِ على الموضع المذكور من صفتهِ التي عندهُ . فأخذ بحيرى بيدِ رسولِ اللِه صلى الله عليه وسلم وقال لهم : هذا سيّد العالمين، هذا رسول ربِّ العالمين ، بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمين .
فقال له أشياخ وزعماء من قريش ممّن كانوا على ذلك الموقف: ماعلمك بهذا ؟ قال : إنّكم حين أشرفتم في طريقكم من العقبة لم يبق هناك شجر ولا حجر إلا خرَّ ساجدا له ولا يسجدان إلّا لنبي مبعوث من الله ، وإنّي أعرف النبي بخاتم النبوة أسفلَ من غضروف كتفهِ تشبهُ التفاحة . ثمّ التفت بحيري إلى عمّ النبي عليه الصلاة والسلام أبي طالب فقال له : هل هذا الغلام منك؟ قال: هذا ابني ، قال له بحيري : ماهو بابنك ( إنّه ليس ابنك ) وأنكر بحيرى ما قال عمّه أبو طالب من جواب، وقال: وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والدهُ على قيد الحياة ، قال أبو طالب : ولِمَ ؟ فردّ بحيرى قائلاً : لأنَّ وجه هذا الغلام وجهُ نبي وعين هذا الغلام عينُ نبي ، فقال أبو طالب : وما هوا النَّبي ؟ قال بحيرى : الذي يوحي الله إليه من السّماء بنبئ فينبىء بهذا النبأ أهل الأرض ، قال أبو طالب : الله أجلُّ ممّا تقول يا بحيرى ، والتفت أبو طالب إلى النبي فقال : ألا تسمعُ ما يقول يا محمد؟ فردَّ النبي عليه الصلاة والسلام : ( أي عمّ . لا تنكرُ للهِ قدرة) . ثمّ أخبره أبو طالب أنّ الغلام ابن أخيه ، فقال بحيرى : فما فعل ابو الغلام (يقصد والدُ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ) ؟ قال : مات وأمّه كانت حُبلى به ، قال : صدقت بقولكَ ؛ فارجع بابن أخيك إلى بلده ، واحذر عليه من اليهود ، فوالله لئن رأوه اليهود هنا ليبلغنّه شراً، وفي روايةٍ أُخرى : (ليقتلنّهُ) فإنّ لابن أخيك هذا من الشأن العظيم ، فأسرع بهذا الغلام إلى بلاده . فعاد سريعاً به عمّه أبو طالب حتى أقدمهُ مكّةَ حينَ فرغ من تجارته بالشام ).
فعاد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الرِّحلة ليبدأ بالعمل لسعيهُ في طلب الرِّزق ، فكان عليه الصلاة والسلام يرعى الأغنام عند قومه قريش، فقد روى البخاري في صحيحه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ما بعث الله نبيا إلّا رعى الغنم ، فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)) .
وفي رواية عند الإمام أحمد : (( بعث مُوسَى ، عليه السلام ، وهو يُرْعَى غنماً على أهله ، وبعثت أنا ، وأنا أرعاها لأهلي بجياد)) . . وكان يرعاها في بني سعد أيضاً عليه الصلاة والسلام .

المصدر: نور اليقين في سيرة المرسلين/ الشيخ محمد الخضري/ الرحيق المختوم/الشيخ صفى المباركفوري/ الطبعة الشرعيةمختصر الجامع في السيرة النبوية/سميرة الزايد


شارك المقالة: