دروس مستفادة من غزوة وادي القرى

اقرأ في هذا المقال


دروس مستفادة من غزوة وادي القرى:

عندما فتح الله عز وجل على جيش المسلمين في غزوة خيبر وكان ذلك الفتح في شهر محرم وذلك في العام السابع من الهجرة النبوية الشريفة، وسمع بهذا الفتح أهل فدك، وفدك هي بلدة يهودية تقرب من خيبر، حيث أرسل يهود فدك إلى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يسألونه ويطلبون منه أن يقوم بحقن دمائهم، وأن يسمح لهم عليه الصلاة والسلام بأن يجلوا عنها ويخرجوا منها.

قال ابن هشام: “وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيرهم (يجليهم) وأن يحقن لهم دماءهم، ففعل، فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم، وأن يحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل”.

النبي محمد يسير نحو وادي القرى:

وبعد أن انتهى سيد الخلق النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر قام بفتح وادي القرى، ووادي هو وادي يمتلئ باليهود، حيث توقف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك الوادي، ولم تكن هناك أي مقاومة أو أي قتال من اليهود، إلّا سهم كان طائشاً قد أصاب خادم النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وهو مِدْعم رضي الله عنه فقتله ذلك السهم الطائش، حيث كان في موت مِدعم خادم النبي عليه الصلاة والسلام درساً مهماً للصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأيضاً درساً للمسلمين من بعدهم. 

فقد روى الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه فقال: “افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهباً أو فضة، إنّما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط (البساتين)، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له: مِدْعَم، أهداه له أَحَدُ بني الضِّبَاب (قبيلة من جذام)، فبينما هو يَحُطُّ (يُنزل) رَحْلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر (لا يُدرى من رمى به)، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئاً له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَةَ (كساء غليظ يُلْتحف به) التي أصابها يومَ خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم (أخذها قبل إدخالها في القسمة)، لتشتعل عليه ناراً، فجاء رجلٌ حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين (جلدة النعل على ظهر القدم) فقال: هذا شيء كنتُ أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك، – أو شراكان – من نار” رواه البخاري. 

معنى الغنيمة : هو كل ما غنمه المسلمون أو ما حصل عليه المسلمون واستحوذوا عليه من أموال للعدو ومن معدات لهم بالقوة أو بالقتال، وتعتبر الغنيمة هي حق من حقوقهم وذلك لأنّها تتعلق بالمال العام.

وأمّا الغلول: فيعني هو السرقة من الغنيمة قبل أن تقسم تلك الغنيمة بين المسلمين، فقد قال النووي: “(الْغُلُول) الخيانة، وأصْله السَّرِقَة مِنْ مَال الغنِيمة قبل القسمة”.

وكان هناك العديد من الفوائد والمعاني المستفادة من موقف النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه عن خادمه مِدْعم رضي الله عنه وذلك في غزوة وادي القرى:

  • من المعاني المستفادة هو جواز الحكم بالظاهر، فالصحابة الكرام رضوان الله عنهم عندما شاهدوا السهم قتل الصحابي الجليل مِدْعم رضي الله عنه حكموا لمدعم رضي الله عنه بالشهادة بمجرد ظاهر ما شاهدوه، ولكن بعد ذلك بين لهم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بما علم من باطنه.
  • من المعاني المستفادة هو أنّه تم تحريم الغلول من ما يحصل عليه المسلمين من الغنائم في الحرب قبل أن تُقسم تلك الغنائم بينهم، حتى وإن كان ذلك الشيء هو شيء صغير، وتوضيح أنّه من مات وهو غالٌّ فقد عُذِّب به في النار.
  • من المعاني المستفادة هو جواز الحلف، حيث يجوز أن يحلف الشخص على شيء يكون فيه عالماً بمآله، ويكون فيه عالماً بصدقه والغرض منه هو للتأكيد عليه، فقد كان النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يحلف حتى يؤكد للناس ما يقع من عذاب الغالِّ، فقال النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَةَ التي أصابها يومَ خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً”.
  • من المعاني المستفادة هو أنّ لعذاب القبر عدة أسباب قد بيّنها النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حتى يتحذيرنا من أن نقع فيها، ومن أسباب عذاب القبر هو الغلول، ولهذا فقد أورد البيهقي في كتابه المتعلّق بإثبات عذاب القبر حديث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن خادمه الصحابي الجليل مِدْعم رضي الله عنه، وبوّب على الحديث بقوله: “باب ما يخاف من عذاب القبر في الغلول”.

عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “لمّا كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلا، إنّي رأيته في النار في بردة (كساء مخطط) غلَّها أو عباءة” رواه مسلم.

قال ابن حجر: “(رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة) فهذا يمكن تفسيره بكِرْكِرَة، بخلاف قصة مِدعم فإنّها كانت بوادي القرى ومات بسهم عائر وغلّ شملة، والذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم كِرْكِرَة هَوْذَة بن عليّ، بخلاف مِدعم فأهداه رفاعة فافترقا”.

 وعن الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قال: “يُغْفَرُ للشهيد كل ذنبٍ إلَّا الدَّيْنَ” رواه مسلم،

وعن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: “لما كان يوم خيبر أقبل نفرٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلانٌ شهيدٌ، وفلانٌ شهيدٌ، حتى مروا على رجل، فقالوا: فلانٌ شهيد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلا إني رأيتهُ في النار في بُردةٍ غلّها أو عباءة” رواه مسلم.

المصدر: • الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام، لأبي القاسم السهيلي.• الفصول في اختصار سيرة الرسول ، لابن كثير.• الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري.• فقه السيرة ، محمد الغزالي.


شارك المقالة: