ماذا يعني الفوات الإحصار و في الحج

اقرأ في هذا المقال


الإحصار والفوات:

الإحصار: وهو الحبس والمنع، ومصدر أحصره أيّ حبسهُ حابسٌ ما. والمقصود به هنا أن يحصل للإنسان مانعٌ يمنعه من إتمام النسك، كأن يُمنع من دخولِ مكة، أو الوقوفِ بعرفة، فالإحصارُ لا يختّص بعرفة كما هو في الفوات، ويمكن أن يكون في الحجّ والعمرة، بخلاف الفوات فلا يكون إلا في الحج.

الفوات: هو مصدر فاته يفوته فواتاً وفوتاً، والفواتُ هو عدمُ الشيءِ بعد وجوده. والمقصود بالفواتِ هنا فوات الحجّ، ويفوتُ الحجّ بطلوع فجر يوم النّحر على المُحرم ولم يقف قبل ذلك بعرفة، ولو للحظة من الليل أو النهار. وهو من العوارض النادرة، فمن فاتهُ الوقوفُ بعرفة ولو لعذر حتى طلع عليه فجر يوم النّحر فقد فاته الحجّ، لفوات زمن الوقوفِ، وهو ركنُ الحجِّ الأعظم.

ماهو سبب الإحصار ومتى يفوت الحج:

إختلف العلماء بم يكون الإحصار؟ فخصه قومٌ بمنع العدو فقط، وأما غير العدو فإنه لا إحصار فيه، مثل المرض وضياع النفقة، وغير ذلك. لقوله تعالى بعد أن ذكر الإحصار:”فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ” قالوا: فقوله:”فَإِذَا أَمِنْتُمْ” هذه إشارة إلى أن الحصر في قوله:“فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ” ويراد به حصر العدو فقط. واحتجوا بقوله تعالى: “فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ” البقرة:196 .قالوا: فلو كان المُحصر هو المُحصر بمرضٍ لم يكن لذكر المرض بعد ذلك فائدة.

وقالوا: إن أفعل (أحصر) إذا أوقع بغيره فعلاً من الأفعال، وإذا كان هكذا فأحصر أحق بالعدو، وحصر أحق بالمرض، لأن العدو إنما عرض للإحصار، والمرض فهو فاعل الإحصار. وقالوا: لا يطلق الأمن إلا في ارتفاع الخوف من العدو، وإن قيل في المرض فباستعارة، ولا يصار إلى الاستعارة إلا لأمر يوجبُ الخروج عن الحقيقة، وكذلك ذكر حكم المريض بعد الحصر الظاهر منه أن المحصر غير المريض، وهذا هو مذهب الشافعي.

وذهب آخرون إلى أن الإحصار بكل مانعٍ من مرضٍ وذهاب نفقة وغيره، لعموم قول الله تعالى:“وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ”.البقرة: 196 أي عن إتمام الحج والعمرة، ولم يقيد الله تعالى الحصر بعدو.
وأما قوله تعالى:“فَإِذَا أَمِنْتُمْ”البقرة: 196 فهذا ذكرٌ لبعض أفراد العام، وهذا لا يقتضي التخصيص. ولحديث الحجاج بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :”من كُسر أو عرج فقد حلَّ”. رواه أصحاب السنن.

ما حكم المحصر الذي فاته الحج أو العمرة:

إن فاته الحج انقلب إحرامه عمرة، فيطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ويتحلل بأعمال العمرة، كما يجب عليه أيضاً القضاء عند جمهور أهل العلم سواء أكان الفائت واجباً أم تطوعاً، وسواء أكان الفوات بعذرٍ أم بغير عذر.
وقال المزني: ” يمضي في حج فاسد” أي يفعل أفعال الحاج، وهذا بعيد. وقال صاحب البحر الرائق شرح كنز الدقائق: ” من فاته الحج بفواتِ الوقوف بعرفة فليُحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل بلا دمٍ.

هناك أحكام للمحصر الذي فاته الحجّ والعمرة وهي:


1. أن فوات الحج لا يكون إلا بفوت الوقوف بعرفة بمضي وقته.

2. أنه إذا فاته فإنه يجب عليه أن يخرج منه بأفعال العمرة.

3. لزوم القضاء سواء كان ما شرع فيه حجة الإسلام أو نذراً أو تطوعاً، ولا خلاف بين الأمة في هذه الثلاثة فدليلها الإجماع.

4. عدم لزوم الدم لحديث الدارقطني المفيد لذلك لكنه ضعيف، لكن تعددت طرقه فصار حسناً.
والمحصر الذي أحصر عن الحج بعدما أحرم بمرض أو غيره، فإن حبس عن الحج كله، ولم يستطع أن يصل إلى البيت، جاز له التحلل في المكان الذي حصر فيه بعد أن ينحر هدياً، أو يبعث به إلى الحرم، ثم يحلق رأسه أو يقصره، لقول الله سبحانه وتعالى:“وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ”.الحج:196 ولأن النبي لما أحصر عن دخول مكة يوم الحديبية نحر هديه وحلق رأسه، ثم رحل، وأمر أصحابه بذلك.
إلا إذا كان المحصر قد إشترط قائلاً عند إحرامه: “فمحلي حيث حبستني”حلّ من إحرامه، ولبس ثيابه، ولاشيء عليه.
ولاهدي ولا قضاء لأن للشرط تأثيرٌ في العبادات. لحديث ضُباعة بنت الزبير رضي الله عنها، أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم:” إني أريد الحج، وأنا شاكية” فقال لها: حجي واشترطي أن محِلِّي حيث حبستني”. رواه مسلم.
وهل الأولى أن يشترط؟ أو الأولى ألا يشترط إما مطلقاً أو بالتفصيل؟ فالصواب أنه لا يشترط إلا إذا كان يخاف من عدم إتمام النسك. فإن لم يجد هدياً في موضعه الذي أحصر فيه، أناب من يذبح عنه الهدي في الحرم ثم حل، فإن كان فقيراً لا يقدر على ذبح الهدي، صام عشرة أيام ثم حلّ في قول الجمهور، والصحيح لاشيء عليه، فيحلق أو يقصر وقد حل.
وإن شاء أن يبقى على إحرامه إلى الحجّ القادم فله ذلك، ولكن الأسهل له التحلل لأنه لا يستطيع أن يَدع محظورات الإحرام لمدة سنة كاملة! فهذا فيه مشقة شديدة.
ولا فرق بين الحصر العام في حق الحجاج كلهم وبين الحصر الخاص بالفرد باتفاق أهل العلم. وأما في حال تمكّن المحصر من الوصول إلى البيت من طريقٍ أخرى، فيتعيّن عليه ذلك، ولزمه سلوكها سواء قربت أم بعُدت، ولم يُبَح له التحلل.
وسواء أحصر المحرم عن البيت قبل الوقوف أو بعده، فله التحلل في أحد قولي العلماء، وأما إن كان ما أحصر عنه ليس من أركان الحج، كالمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي الجمار، وطواف الوداع، فليس له أن يتحلل لأن صحة الحج لا تتوقّف عليه، ويجب عليه دم لتركه الواجب، وقيل لا يجب لأن الواجب سقط عنه بالعجز. فإن عدم المُحْصَر الهدي ففي انتقاله إلى البدل خلاف بين أهل العلم.

ما حكم قضاء المحصر:

في وجوب القضاء قولان: أحدهما: يجب، سواء كان الحج واجباً أم تطوعاً؛ لأنه إن كان واجباً فوجوب القضاء ظاهر، وسواء كان واجباً بأصل الشرع، بأن يكون هذا فريضة الإسلام، أو واجباً بالنذر، ولكن إذا كان تطوعاً فهل يجب القضاء؟ قال بعضهم: نعم، يجب القضاء؛ وذلك لأن الإنسان إذا شرع في النسك صار واجباً، وهذا من خصائص الحج والعمرة؛ أنَّ نفلهما يجب المضي فيه، بخلاف غيرهما فهو لما شرع وأحرم بالحج أو بالعمرة صار ذلك واجباً كأنما نذره نذراً، وإلى هذا يشير قوله تعالى:“ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”.الحج:29.
وعلى هذا فيجب القضاء سواء كان ذلك تطوعاً أو واجباً بأصل الشرع وهو الفريضة، أو بالنذر؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:“من نذر أن يطيع الله فليطعه“. صحيح البخاري . وبهذا القول قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي.
والثاني: لا قضاء عليه روي عن عطاء، ووجه الأول الحديث وإجماع الصحابة، وإذا قضى أجزأ القضاء عن الحجة الواجبة لا نعلم فيه خلافاً.

لكن الصحيح أن القضاء ليس بواجب إن كان الحج أو العمرة تطوعاً، لأن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يلزم الناس بقضاء العمرة، وأن عمرة القضاء ليس معناها العمرة المقضية، وإنما معنى القضاء المقاضاة، وهي المصالحة التي حصلت بين النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وبين قريش، والنبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يلزم الناس بالقضاء، لأن الله لم يفرض الحج والعمرة في العمر إلا مرة، فلو أوجبنا عليه القضاء لأوجبنا العمرة أو الحج مرتين أو ثلاثاً أو أكثر.

وقيل: إن اشترط فلا قضاء عليه، ولا هدي عليه، إلا إذا كان الحج واجباً بأصل الشرع، أو واجباً بالنذر فإنه يلزمه القضاء ولو اشترط. وقيل: إن فاته بتفريط منه فعليه القضاء، وإن فاته بغير تفريط منه كما لو أخطأ في دخول الشهر فظن أن اليوم الثامن هو التاسع، ولم يعلم بثبوته فلا قضاء عليه، وهذا القول قول وسط بين من يقول يلزمه القضاء، ومن يقول لا يلزمه القضاء. فتكون الأقوال ثلاثة:

  1. يلزمه القضاء.
  2. لا يلزمه القضاء.
  3. التفصيل، وفي حال فاته بتفريط منه لزمه القضاء، ولكن إن كان بغير تفريط منه فلا يلزمه القضاء. والصحيح أنه لا يجب قضاء التطوع.

وإن من خاف أن يفوته الحجّ وقَلَبَ إحرامهُ بالحج عمرة قبل أن يفوته فيكون جائز، ولا يُعدّ هذا فواتاً على كلام الفقهاء رحمهم الله فقالوا: لأنه يجوز للحاج أن يقلب إحرامه عمرة، ولكن هذا القول فيه نظر؛ لأنه لا يجوز للحاج أن يقلب إحرامه عمرة إلا إذا أراد التمتع، وإرادة التمتع هنا ممتنعة.

المصدر: الجوهرة النيرة، أبو بكر بن علي بن محمد العبادي الزبيدي الحنفي.كتاب بداية المجتهد،ابن رشد الحفيد.البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين ابن نجيم الحنفي.


شارك المقالة: