رمضان والقرآن

اقرأ في هذا المقال


يقول الله عز وجل:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)“البقرة185”.

في ليلة السابع عشر من رمضان و النبي صلى الله عليه وسلم في الأربعين من عمره أذِن الله عز وجل للنور أن يتنزل فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له : اقرأ ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم 🙁 ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثمَّ أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطَّني الثالثة ثمَّ أرسلني فقال:(اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم)“الأعلى1″.فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده ” البخاري”.
وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الرؤوف الرحيم في هذا الشهر العظيم .
وهكذا شهدت أيامه المباركة اتصال الأرض بالسماء ، و تنزُّل الوحي بالنور والضياء، فأشرقت الأرض بنور ربها وانقشعت ظلمات الجاهلية الجهلاء.

 من قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولاً آخر ، إنَّه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر، (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)،( إنَّا أنزلنا في ليلة مباركة) ، قال ابن عباس : أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر ثمَّ أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. “رواه النسائي و الحاكم”.

وقال ابن جرير : نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه و سلم على ما أراد الله إنزاله إليه.

ختم القرآن الكريم:

فإن ختم القرآن من الأعمال الجليلة التي يثاب عليها العبد، وينال بها الدرجات العلى، فيستحب للمسلم أن يختم القرآن مرَّة بعد مرَّة، ويواظب على ذلك، قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور)“فاطر:29”.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من قَرَأَ حرفًا من كِتَاب اللهِ فَلَه بِه حسنَة، والحسَنَة بِعَشرِ أَمثَالِهَا، لَا أَقول (الم) حرف، ولَكن أَلِف حرف، ولَام حرف، ومِيم حرف) “رواه الترمذي”.
وفي الصحيحين قول النبي صلى الله عليه وسلم:(مَثَل الْمؤمِنِ الَذِي يَقرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الأُترجَةِ، رِيحهَا طَيِّب وَطَعمهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعمهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقرَأُ القرآن مَثَل الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ) “صحيح البخاري، صحيح مسلم”.

مدَّة ختم القرآن الكريم:

ليس له مدَّة محدودة، وأحسن ما يفعل في ذلك: ما بيَّنه النبي صلّى الله عليه وسلم، لعبد الله بن عمرو بن العاص لما سأله عن كيفية قراءة القرآن، فأخبره عبد الله أنَّه يختم في كل يوم ويصوم الدَّهر، فأمره النبي صلّى الله عليه وسلم، أن يصوم ويفطر، وأن ينام ويقوم، وأن يختم في كل شهر، وقال إنَّ لنفسك عليك حقًا، وإنَّ لأهلك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه، فاستزاده عبد الله فانتهى معه إلى أسبوع، قال: اقرأه في كل أسبوع، في كل سبعة أيام.
فأفضل ما يقرؤه في سبعة أيام، وإن زاد فلا حرج، في شهرأو في عشرين أو في أكثر، وأقل ما يقرؤه فيه ثلاثة أيام، كما في الحديث: لا يفقه من قرأه في أقل من ثلاث أو كما قال عليه الصلاة والسلام.


فإذا إعتاد الإنسان أن يقرأه في سبعٍ كما كان كثير من الصحابة يفعلون ذلك، كانوا يحزبونه سبعة أحزاب، ويختمون في كل أسبوع، هكذا كان جمع من الصحابة رضوان الله عليهم، وكانوا يقسمون كالآتي:
في يوم: البقرة وآل عمران والنساء، وفي اليوم الثاني: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، وهكذا حتى يكمل السبع ثلاثًا.. خمسًا.. سبعًا.. تسعًا.. إحدى عشرة، ثلاث عشرة، والحزب السابع حزب المفصل: ق والقرآن المجيد.. إلى آخره.
هذا من عمل جملة من الصحابة، وهو عمل طيب، وفيه تيسير وعدم مشقة، وإن قرأه في شهر أو في عشرين يوم أو في أكثر؛ فالأمر واسع.


في رواية البخاري قال له:( اقرَأِ القرآن فِي شهر قلت: إِنِّي أَجِد قوَة، حتى قالَ: فَاقرأه فِي سَبع، وَلَا تَزِد عَلَى ذَلِكَ) “صحيح البخاري” وقد كره بعض الفقهاء تجاوز هذه المدة من غير ختم القرآن، والصحيح أنَّه لا يكره ذلك لأنَّ هذه الأحاديث خرجت مخرج الأفضلية والاستحباب، ولذلك اختلفت الروايات في تحديد المدَّة، والمقصود أنَّه ينبغي للمؤمن أن يتعاهد القرآن، ويكون كثير المدارسة له، ولا يهجره ويكون بعيد العهد به، ولذلك روى أبو ‏داود عن بعض السلف أنَّهم كانوا يختمون في شهرين ختمة واحدة.‏ أمّا أقل المدَّة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ختمه بأقل من ثلاث ليال لحديث عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرو قال:(أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا أَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) “مسند الدارمي”. وفي سنن أبي داود:(لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ)”سنن أبي داود”. وهذا النهي على سبيل الكراهة.



المصدر: فضل ختم القرآن، لخالد بن سعود البليهد، عضو جمعية العلمية السعودية.


شارك المقالة: