ما هو المحكوم فيه شرعاً؟

اقرأ في هذا المقال


هو ما ارتبط به خطاب الله، وإذا كان حكم تكليفياً فيكون فعلاً ، أمّا في الحكم الذي وضعه الله: فقد يكون فعلاً للمسلم كما في العقود والجرائم، وقد لا يكون فعلاً له ولكن يرجع إلى فعله: كشهود شهر رمضان الذي جعله الشارع سبباً لوجوب الصيام، والصيام فعل للمسلم، والمحكوم فيه يسمّی أيضاً بالمحكوم به، ولكن التسمية الأولى أفضل وأولی فقوله تعالى: “وَآتُوا الزَّكَاةَ” الإيجاب المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعلٍ للمسلم: هو إيتاء الزكاة، فجعلهُ واجباً، وقوله تعالى: “وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا” التحريم المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعلٍ للمسلم: وهو الزنى، فجعلهُ محرماً وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ” الندب المستفاد من هذا الحكم تعلق بفعلٍ للمسلم: وهو كتابة الدين، فجعله مندوباً .
وقوله تعالى: “وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ” الكراهة المستفادة من هذا الحكم تعلقت بفعل للمسلم: هو إنفاق الخبيث، فجعلته مكروهاً، وقوله تعالى: “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”هذا الحكم تعلقت بفعلٍ للمسلم: هو الانتشار في الأرض فجعلهُ مباحاً وقد تكلم الأصوليون عن الأفعال التي تعلق بها التكليف من ناحيتين: الأولى: من جهة شروط صحة التكليف بها، والثانية : من ناحية الجهة التي تضاف إليها هذه الأفعال.

شروط صحة التكليف:

  • أن يكون معروفاً لإنسان معرفةً كاملة حتى يتصور قيامهُ بهِ على اكمل وجه، فلا يصح العمل بالمجهول، ولهذا فإنّ التشريعات التي جاءت في القران مجملة كالصلاة والزكاة، بيّنها الرسول على وجه ينفي إجمالها بما لهُ من سلطة بيان أحكام القرآن قال تعالى: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” والمراد بالعلم، علم المكلف فعلاً أو إمكان علمه، بأن يكون قادراً بنفسه أو بالواسطة على معرفة ما كلف به، بأن يسأل أهل العلم عما گُلف به، والقرينة على أنَّ علمهُ، وجوده في دار الإسلام، لأنّ هذه الدار دار علم بالأحكام لشيوعها والشيوع قرينة العلم، ولهذا قال الفقهاء: العلم مفترض فيمن هو في دار الإسلام.
  • وقاعدة: (لا يصح الدفع بالجهل بالأحكام في دار الإسلام)، مبنية على ما ذکرناهُ وهذا خلاف ما هو المقرر بالنسبة إلى دار الحرب (أي : دار غير الإسلام) إذ العلم بالأحكام الشرعية غير مفترض بالنسبة لمن فيها، لعدم شیوع الأحكام الشرعية فيها ولهذا لو أسلم هناك شخص وجهل وجوب الصلاة، لم يلزمه قضاؤها إذا عرف الوجوب بعد ذلك، وإذا شرب الخمر جاهلاً بالتحريم لم يعاقب على فعلهِ إذا رجع إلى الإسلام، والقاعدة في القوانين الوضعية كالقاعدة في الشريعة الإسلامية، فالقانون يعتبر معلوماً لدى المكلفين إذا ما نشر بالطرق القانونية،كما لو نشر في الجريدة الرسمية.
  • أن يكون الفعل عند قدرة المسلم أي تحت قدرة المسلم ، وإذا لم يتحقق الفعل ، فيكون التكليف عبثاً ينزه عن الله سبحانه وتعالى.
  • الشاق من الأعمال إنّ العمل يجب أن يكون مقدوراً عليه، ولكن هل يشترط فيه أن لايكون شاق؟ الواقع أن أيّ فعل لا يخلو من المشقة، فالمشقة من لوازم التشريع، ولكن إذا كانت مشقة معتادة تطيقها النفس البشرية فلا يلتفت إليها ولا تكون حائلاً دون التكليف أمّا المشتقة غير الاعتيادية التي لا تطيقها النفس إلّا بكلفة زائدة وضيق شديد، فإنّ الحكم يختلف.

شروط قدرة الفعل للمكلف:

  • لا تكليف بالشيء غير الممكن، سواء أكان غير ممكن لذاته : کالجمع بين النقيضين، أم
    كان غير ممكن لغيره، وهو ما لم تجر العادة بوقوعه، وإن كان العقل يجوّز ذلك،
    مثل: الطيران بلا آلة، فإنّ سنة الكون ما جرت على وجود مثل هذا الفعل، فالتكليف
    بأمر غير ممكن ، بنوعية تکلیفه بما لا يطاق، ولهذا لم يأت به الشرع.
  • لا تكليف بما لا يدخل تحت استطاعة الإنسان، لأنّ هذا لا يدخل تحت إرادة الإنسان وقدرته، وكل ما يستطيعهُ هو أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر ومن هذا القبيل أيضاً : التكليف بالأمور الوجدانية والقلبية التي تستولي على النفس ولا يملك الإنسان دفعها، ولهذا جاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ في قسمه بین أزواجه:” اللهم هذا قَسْمي فيما أملِكُ ، فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ – يعني القلبَ”، يعني في الميل القلبي لبعض أزواجه أكثر من البعض الآخر.
    كذلك الحديث الشريف، فعن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي ﷺ:” أوصني قال: لا تغضب فردد مراراً، قال: لا تغضب” ليس المراد منه النهي عن ذات الغضب إذا تحققت موجباته، وإنّما النهي معتمداً على الاسترسال في الغضب، وعلى الاندفاع في قول أو فعل لا يجوزان، إذعليه أن يصمت ويسكت حتى تنطفئ جمرة الغضب في نفسه، كما أنّه على الإنسان أن يتجنب عما يثير غضبه إذا عرف من نفسه الغضب، وعدم القدرة على ضبطها ، فكل هذه الأمور باستطاعته أن يفعلها لئلا يقع فيما لا يجوز نتيجة الغضب.

المصدر: الوجيز في اصول الفقه وتاريخ التشريع/العلامه حسين علي الاعظميمنهاج الوصول إلى علم الأصول في أصول الفقه/ناصر الدين عبد الله ابن عمر/البيضاويأصول الفقه للناشئة/د. إبراهيم عبد الله سلقينيالوجيز في أصول الفقه/.دعبد الكريم زيدان


شارك المقالة: