ما هو دافع مناجاة امرأة عمران لله تعالى؟

اقرأ في هذا المقال


دفع مناجاة امرأة عمران لله تعالى:

قال الله تعالى: “إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” آل عمران:35. عندما نقرأ “إذ” فلنعلم أنها ظرف، ويقدر لها في اللغة: “اذكر” ويُقال: إذ جئتك، أي اذكر أني جئتك، وعندما يقول الله تعالى: “إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ” فبعض الناس يفهم أن الحق سبحانه وتعالى سمعَ قول امرأة عمران، وعلم سبحانه دافعها وقت أن قالت امرأة عمران: “رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي“؛ إنهم يحاولون أن يربطوا هذه الآية بما جاء قبلها من أنّ الله تعالى سميعٌ وعليم؛ لأن الحق قال قبلها: “والله سميع عليم”.
وقولها: “رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا” فالدافعُ إلى هذه المناجاة لله تعالى، أنها كانت موجودةً في بيئة ترى الناس يعتزون بأولادهم، ويكِد الناس من أجل أن يكون الأبناء عزوةً وقرة عين، ولم تعجب امرأة عمران بذلك؛ لقد أرادت ما في بطنها محرراً من كلّ ذلك؛ إنها تريدهُ محرراً منها وهي محررة منه، وهذا يعني أنه غير مرتبط بشيءٍ أو بحب أو برعاية، فلماذا؟ إنّ الإنسان مهما كان مجاهداً لنفسه في طاعة الله، فإن المسائل التي تتصلُ بالناس وبه تمرُ عليه وتشغلهُ، لذلك أرادت امرأة ما في بطنها محرراً من كل ذلك.

كيف تحكمت امرأة عمران عليه السلام بالنذر؟

يُقال إنّ امرأة عمران إنما تتحكم بهذا النذر في ذاتِ إنسانيةٍ كذاتها، ونَرِدُ على ذلك بمايلي، فقد كانوا قديماً عندما ينذرون ابنّاً للبيت المقدس ما دامت لهم الولايةُ عليه يظلُ كما أرادوا إلى أنّ يبلغ سن الرُشد، وعند بلوغ سنّ الرُشدِ؛ فإن الإبن له أن يختار بين أنّ يظل كما أراد والدهُ، أو يحيا حياتهُ كما يُريد، وأن بلوغ سنّ الرشد هو اعترافٌ بذاتيةِ الإنسان في اتخاذ القرار المناسب لحياتهِ.
إنّ امرأة عمران لا تُريد ما في بطنها أنّ يكون قُرةَ عينٍ، أو أنّ يكون معها، إنها تريدهُ محرراً لخدمة البيت المُقدس، وطلب امرأة عِمران هذا يقتضي في التصور البشري، أن يكون المولود ذكراً؛ لأنّ الذين كانوا يقومون بخدمةِ البيت هم الذكران.
إذن ، فإن معنى طلب إمرأة عمران: “رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا” أي أنها تطلبُ ولداً ذكراً، ونحن نعرف أن كلمة الولد تطلق على الذكر والأنثى، ولكن الاستعمال الشائع هو أن يطلق الناس كلمة ولد لا على الذكر فقط، ولكن “الولد” كلمة معناها المولود سواء أكان ذكراً أو أنثى. وكلمة “نذر” عندما نسمعها نفهم أنها أمرٌ أريد به طاعة فوق تكليف المكلف من جنس ما كُلّف.
إنّ النذر هو زيادةً عما كُلّف المكلف من جنس ما كلف، وكلمة: “نذرت” إنّ امرأة عمران كانت تقية وورعةً، ولكنها ليست مجبرةً على النذر، وفعلتُ ذلك، وهو أمرٌ زائد من أجل خدمة بيت الله؛ لأنهُ إنّ قام البعض بخدمة البيت فأمرَ خدمة البيت يسقط عن الباقين، وإنّ لم يقم أحدٌ بخدمة البيت، فإنّ ذلك معناه وقوع الجميع في الإثم، وما دامت امرأة عمران قد نذرت ما في بطنها محرراً، فهذا يدلُ على حبها لربها جلّ وعلا؛ لأن النذر كما نعلم يُظهر حب العبد لربه، ولأوامره، فإنك لو لم تحب ربك لما زدتُ فوق تكليف المكلف من جنس ما كُلّف.
والمقصود بقوله تعالى: “فتقبلَ مني” أي القبول، وهو أخذ الشيءِ برضى؛ لأنك قد تأخذ بكرهٍ أو تأخذ على مضضٍ أما “فتقبل” أي أن الأخذ بقبولٍ ورضى، واستجاب اللهُ لهذا الدعاء، فقال تعالى: “فَتَقَبَلَها رَبّها بِقَبولٍ حَسن” والربّ هو المتولي للتربية؛ لذلك قالت امرأة عمرانِ: “إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” آل عمران:35. هكذا كان الدعاء، وهكذا كانت الإستجابةِ، “فتقبلها ربُها بقبولٍ حسن”.
وقوله تعالى: “بقبول حسن” : أي الحسنُ هنا هو زيادة في الرضا؛ لأن كلمة “بقبول” أي تعطينا معنى الأخذ بالرضا، وكلمة “حسن” أي توضيح أن هناك زيادة في الرضا، وذلك مما يدل على أن الله قد أخذ ما قدمتة امرأة عمران برضى وبشيء حسن، وهذا دليل أن الناس ستلمح في تربيتها شيئاً في الرضا؛ إنه ليس قبولاً عادياً، لكنه قبول حسن وقال الله تعالى: “وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا” أي يدل على أن امرأة عمران كانت تقصد حين نذرت ما في بطنها ألا تربي ما في بطنها إلى العمر الذي يستطيع فيه المولود أن يخدم في بيت الله ولكنها نذرت ما في بطنها منذ اللحظة الأولى لميلاده، إنها لن تنعم به، ولذلك قال الله تعالى : ” وكفلها زكريا ” وزكريا هو زوج خالة السيدة مريم عليهما السلام

المصدر: كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء، للحافظ ابن كثير.كتاب قصص الأنبياء، تأليف عبد القادر شيبة الحمد.


شارك المقالة: