ما هو مدى كرم الله على يوسف عليه السلام؟

اقرأ في هذا المقال


كرم الله على يوسف عليه السلام:

لقد بيّن المولى عزّ وجل كرمهُ على يوسف فيقول: “وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” يوسف:22. لقد كان يوسف عليه السلام أجملُ رجلٍ في عصره، وكان نقاء أعماقه وصفاء سريرته يُضفيانِ على وجهه مزيداً من الحُسن والجمال، وأنه قد أوتيَ صحة الحكم على الأمور، وأوتي علماً بالحياة وأحوالها، وأوتي أسلوباً في الحوار يخضعُ قلب من يستمع إليه، وأنه أيضاً أوتي نُبلاً وعفةً جعلا منه شخصيةً عظيمةً لا تُقاوم.
وأدرك سيدهُ أنّ الله قد أكرمهُ بإرسال يوسف إليه، اكتشف يوسف أكثر من رأى في حياته أمانةً واستقامةً وشهامةً وكرماً، وجعلهُ سيدهُ مسئولاً عن بيتهِ وأنه أكرمهُ وعاملهُ معاملة الأب لابنه. ومن هنا ستبدأ محنةُ يوسف التي واجهها في بيت العزيز وهي أشدُ وأعمق من المواجهات الأولى.

امرأة العزيز وقصتها مع يوسف عليه السلام:

قال تعالى: “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” يوسف: 23-24. فلم يذكر السياق القرآني شيئاً عن عمره أو عمرها، ولكن فللنظر في ذلك من باب التقدير، فلنقول أنّ يوسف في الثانية عشر من عمره وكانت زوجة العزيز في الثلاثة والعشرين من عمرها، وبعد ثلاثة عشر عاماً قد بلغت هي السادسة والثلاثين وصار عمر يوسف الخامسة والعشرون، فالحاصلُ هنا أنها قد كانت هي بالغةً وجريئة على شخصٍ أصغر منها سنّاً.
فقد جهزت له امرأة العزيز مكيدةً له وهي المراودة، ف فقد راودتهُ عن نفسه، وقامت بإغلاق أبواب القصر جميعها، وقالت هيتَ لك، فلن تفر مني هذه المرة، فمن خلال كلامها أي أن هناك مراتٌ عديدة حاولت التمكن منه ولم تقدر، فقد كان هناك محاولات عدة كانت بالخفاء ولمم تتمكن منه لكن هذه المره حاولت أن تتمكن منه بالعلن والصراحة، فالذي يبدوا من امرأة العزيز أنها سئمت تجاهل يوسف لتلميحاتها المستمرة وإباءه، فقررت أن تغير خطتها، وخرجت عن نطاق التلميح إلى النطاق الصريح، فقامت بإغلاق الأبواب ومزقت أقنعة الحياء عنها وقامت بمصراحتهِ بحبها له وطالبتهُ بنفسه، وأن يستسلم لها.
ثم يتجاوز السياق القرآني الحوار الذي دار بين امرأة العزيز ويوسف عليه السلام، ولنا أن نتصور كيف حاولت إغراءه إما بلباسها أو كلماتها أو حركاتها، ولكن ما يهمنا هنا هو موقف يوسف عليه السلام من هذا الإغواء، فوقف النبي الكريم أما إغوائها وغير ذلك وقال لها: قال معاذ الله إنه ربذي أحسن مثواي إنهُ لا يُفلحُ الظالمون” أُعيذُ نفسي بالله أن أفعلَ هذا مع زوجة الشخص الذي أكرمني بأن نجاني من الجُبّ وجعل في هذه الدارُ مثواي الطيبُ الآمن ولا يُفلحُ الظالمون الذين يتعدونَ حدودو الله فيرتكبون ما تدعينني اللحظةُ إليه.
“ولقد همت بهِ وهمّ بها لولا أنّ رأى بُرعان ربه” يوسف:24. لقد اتفق المفسرون حول كلمة الهم بالمعصية، واختلفوا حول همه، فمنهم من أخذ بالإسرائيليات وذكر أنّ يعقوب ظهر لهُ أو جبريل نزلَ إليه، لك لكن التلفيق والاختلاق كان ظاهر في هذه الزوايات الإسرائيلية، ومن قائل إنها همت به تقصد المعصية، وهمّ بها أي يقصد المعصية ولم يفعلها.
قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله تعالى: “ولقد همت بهِ وَهَم بها” قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير. بمعنى ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها، يستقيم هذا التفسير مع عصمة الأنبياء، كما يستقيم مع روح الآيات التي تلحقه مباشرة” كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” يوسف:24. وهذه الآية التي تُثبتُ أن يوسف من عباد الله المُخلصين، وتقطعُ في نفس الوقت بنجاته من سلطان الشيطان، فقال تعالى لإبليس يوم الخلق: “إن عبادي ليس لك عليهم سُلطان”. وما دام يوسف من عباده المخلصين، فقد وضح الأمر بالنسبة إليه، فهذا لا يعني هذا أن يوسف كان يخلو من مشاعر الرجولة، ولا يعني هذا أنه في نقاء الملائكة وعدم احتفالهم بالحس، ولكنه يعني أنه تعرض لإغراء طويل وأنه قاوم نفسه يوماً ثم بعد ذلك أسكنها تقواها كونهُ مُطلعاً على برهان ربه، ومتيقناً أنه يوسف بن يعقوب النبي بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام جدُ الأنبياء وخليلُ الرحمن.
ويبدوا أنّ يوسف عليه السلام فضلّ الانصراف متجهاً إلى الباب لكي لا يحدث شيئاً يُغضب الله، لكن امرأة العزيز لحقت به لتمسكه تدفعاها الشهوة لذلك، فأمسكت قميصه من الخلف، فتمزق في يدها. وهنا تقطع المفاجأة، فتح الباب زوجها العزيز، وهنا تبتدئ المرأةُ المكتملةُ، فتجدُ الجواب حاضراً على السؤال البديهي الذي يطرح الموقف، فتقول متهمة الفتى: “كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين” يوسف:24. واخترعت هذه المرأة العاشقة أسرع العقاب الواجب تنفيذه في حق يوسف؛ وذلك خوفاً على يوسف من عقاب الملك فخشية أن يفتك به ويقتله لذلك أخترعت له عقاب السجن.

المصدر: كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب يوسف في القرآن والتوراة، للدكتور زاهية الجيلاني.كتاب يوسف الأحلام قصة يوسف عليه السلام، للشيخ محمود المصري.كتاب يوسف عليه السلام بين مكر الأخوة وكيد النسوة، تأليف محمد علي أبو العباس.كتاب إتحاف الإلف من سورة يوسف عليه السلام، تأليف محمد بن موسى نصر، وتأليف سليم بن عيد الهلالي.


شارك المقالة: