ما هو نوع عقوبة التشهير أو طبيعتها؟

اقرأ في هذا المقال


نوع عقوبة التشهير أو طبيعتها:

لقد تعرض الفقهاء في الكلام عن عقوبة شهادة الزور، فقال أبو حنيفة بالاكتفاء في شهادة الزور بالتشهير دون عقوبة أخرى. وقال أبو يوسف ومحمد بأنّ شاهد الزور يُعاقب بالتعزيرِ والحبس على قدر ما يرى القاضي حتى تظهرَ توبتهُ. وقال الأستروشَني: إنه يُشهر عنهما أيضاً.
وكان دليلهم على ذلك حديث عمر، حيثُ قال في شاهد الزور: يُضرب أربعين سوطاً ويسخمُ وجهه ويُطاف به، وقد قام الدليل على انتساخِ حكم التسخيمِ للوجه؛ لأنه مثلهُ، وقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام عن المُثلة ولو بالكلب العقور، حتى لا يعتمدوا على شهادته بعد ذلك، والتعزير لارتكابه كبيرة، إذ عدلت شهادة الزور الشرك بالله تعالى، فقد قال: “ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ” الحج:30.
أما أبو حنيفة فقد أخذَ بقول شريح: إذ كان يقضي في شاهد الزور بالتشهير ليس غير، وقد كان قاضياً في زمن عمر وعلي رضي الله عنهما، فما اشتهر من قضاياهُ مثل المروي عنهما. كما أن التشهير لمعنى النظر للمسلمين وذلك من حقهم، ولكن التعزير لحق الله تعالى وهو يَسقطُ بالتوبة. ولما كان شاهد الزور هو من يقرُ على نفسه بذلك، وإقرارهُ على نفسه دليلُ توبته، فإنه لا يُعزر ويكتفي بالتشهير.
ثم إن التشهير نوعٌ من التعزير، وهو تعزيرٌ لائق بجريمة شاهد الزور. وقد جاء في اللباب للميداني: بأن شاهد الزور لا يُعزر بالضرب؛ لأن المقصود الانزجار وهو يحصلُ بالتشهير، بل ربما يكون أعظمُ عند الناس من الضرب فيكتفي به. أما ما نقل عن عمر في شاهد الزور، فإنه محمول على معنى السياسة، إذا علم الإمام أن الجاني لا ينزجرُ إلا به، بدليل أن تَسخيم الوجه واردٌ عن عمر في شاهد الزور بطريق السياسة، إذ علم أن المصلحة فيه، فكذلك التعزير.
أما عند أبي حنيفة، فأهم ما يحتجُ به في الاقتصار على التشهير في شهادة الزور أن التشهير نوعٌ من التعزير، وأنه لائقٌ بجريمة شهادة الزور فيكتفي به، وإذن فقد اعتبرها، فيما أرى، أن الجزاء الأصيل لهذه الجريمة دون أن يكون توقيعها مُعلقاً على عقوباتٌ أخرى.
وأخر ما يمكن أن يُقال في رأي أبي حنيفة: إن التشهير إذا حكم به بمفرده، فإنه يكون عقوبةً أصيلةً. أما إذا حكم به مع عقوبة أو عقوبات أخرى فإنه يمكن أن يُقال: إن التشهير يكون في هذه الحالة عقوبة أصيلةً، وقد يمكن أن يُعتبر عقوبةً تكميليةً.

المصدر: كتاب التعزير في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد العزيز عامر.كتاب التعزير في الإسلام، للدكتور أحمد فتحي بهنسي.كتاب الحدود والتعزيرات عند ابن القيم دراسة وموازنة، تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد.كتاب أحكام التعزير والجرائم التأديبية وعقوباتها، للدكتور شعبان الكومى أحمد فايد.


شارك المقالة: