ما هي الشبهة الواردة على عقوبة السارق؟

اقرأ في هذا المقال


عقوبة السارق:

ويدور معنى عقوبة السارق، بأنه الحدّ الذي يُقام على السارق وهو قطع اليد، وكلمة القطع تأتي على عدة معاني في القرآن حول المنع، وهنا تأتي بمعنى بترٌ لليدُ الحسيّة البشريّة، وهي نوع من أنواع الإعاقة التي تخصُ الإنسان، وهي الوسيلة المستخدمة لفعل شيءٍ ما. ولكن هل هذا هو الحلّ لقضية السارق؟

الشبهة الواردة على عقوبة السارق :

لقد ورد ابن القيم رحمه الله التساؤلِ المشهور من نفاة القياس والحكم والتعليم من وجود الفرق بين المتماثلين والجمع بين المختلفين. وقد ورد يرادهم في السرقة، وكشف عنها بما لا يدع لقائل مقالاً. وقد ذكر نفاة القياس وأمثاله لفك شرعية القياس، لا للقدح في حكم السرقة، فحاشاهم بل هم مؤمنون بحكم الله ودينه وشرعه ولا يعتريهم في ذلك شك ولا يُساورهم فيه وهم.

أما في عصرنا فهذه الإيرادات ونحوها فهي النافذة الموهومة التي نفذ منها المستشرقون وأذنابهم، بإلقاء الشبه وتكوين الشكوك لا في هذا الحدّ أي “قطع السارق”. فحسب بل من أجل أدراجهم بالرعاع من أولاد المسلمين الغرباء عن إسلامهم إلى ترك الإسلام جملةً وتفضيلاً. فقال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” الحجر:9. ولهذا فقد وردت الإرادات على لسان مورد الشبه والاعتراض ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة ومن هذه الاعتراضات ما يلي:

  • الاعتراض الأول: هي أن العقوبة بالقطع هي محض ظررٍ للسارق. فقد قال ابن القيم: إن السارق إذا انقطعت يده فإن قطعها شرٌ بالنسبة إليه، وخير محضٍ بالنسبة إلى عموم الناس، وذلك لما فيه من حفظٍ لأمَوالهم ودفع الضرر عنهم، وهو خيرٌ بالنسبة إلى متولي القطعِ أمراً وحكماً؛ لما في ذلك من الإحسان إلى عبيدة عموماً بإتلاف هذا العضو المؤذي لهم، المضرّ بهم فهو محمود على حكمه بذلك، وأمره به مشكور عليه يستحق عليه الحمد من عباده والثناء عليه والمحبة، أفليسَ في عقوبة هذا الصائل خيرُ محض، وحكمةٍ وإحسان للعبد وهي شرٌ بالنسبة إلى الصائل الباغي، فالشر ما قام عين الخير والحكمة.
    أما قطع اليد فإنها كفيلة بقطع دابر السرقة أو تقليلها إلى حدّ كبير جداً، والتاريخ خير شاهدٍ على هذه العقوبات التي آتت أكلها وثمرتها للناس فعاشوا بأمان من السرقة والسِراق.
  • الاعتراض الثاني: وكيف يكون القطع لمن سرق ثلاثة دراهم دون مختلس ألف دينار أو ناهبها أو غاصبها. وقال ابن القيم في الجواب عن هذا السؤال، إن من تمام حكمة الشارع، هو إن السارق لا يمكن الاحتراز منه، فإنه ينقب الدور ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن لصاحب المتاع الاحتراز بأكثر من ذلك، فلو لم يُشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضاً، وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق بخلاف المنتهب والمُختلس.
    فالمنتهب: هو الذي يأخذ المال بالجهرِ والعلن وعلى مرأى من الناس، فيمكنهم أن يأخذوا على يديه ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم.
    أما المختلس: وهو الذي يأخذ المال على حين غفلة من مالكه وغيره، فلا يخلو من نوع تفريط يمكن به المختلس من اختلاسه، وإلا فمع كمال التحفظ والتيقظ لا يمكنه الاختلاس. والمختلس ليس مثل السارق، بل هو أشبه بالخائن.

    الغاصب:
    أما الغاصب فالأمر فيه ظاهرٌ وهو أولى بعدم القطع من المنتهب، ولكن يسوغ كف عدوان هؤلاء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة بأخذ المال.
  • الاعتراض الثالث: التفاوت بين ديّة اليد إذا جنى عليها، فإن ديتها تقدر بخمسمائة دينار، وبين عقوبتها بالقطع إذا سرق فإن نصاب السرقة الموجب للقطع ثلاثة دراهم. فقال ابن القيم: إن قطع اليد في ربع دينار وجعل ديتها خمسمائة دينار، فإن من أعظم المصالح والحكمة فقد احتاط في هذين الأمرين للأموال والأطراف. فقطعها في ربع دينار هو حفظاً للأموال، وجعل ديتها خمسمائة دينار حفاظاً لها وصيانةً لها.

حكمة التشريع في جعل نصاب السرقة ربع دينار:

إن حكمهُ تخصيص القطع بهذا القدر؛ لأن لا بد من مقدارٍ يجعل ضابطاً لوجوب القطع، إذ لا يمكن أن يُقال تقطع يده بسرقة فلس أو حبة حِنطة على سبيل المثال أو تمرة، ولا تأتي الشريعة بهذا وتنزه حكمة الله ورحمته وإحسانه عن ذلك. فلا بدّ من ضابطٍ، فالدراهم الثلاثة هي أول مراتب الجمع، وهي عبارة عن مقدار ربع دينار.

فقال ابراهيم النخعي وغيره من التابعين: أنهم كانوا لا يقطعون في الشيء التافه، فإن عادة بعض الناس كانت هي التسامح في الشيء الحقير من أموالهم، إذ لا يلحقهم ضررٌ بفقده. أما التقدير بثلاثة دراهم، فإن الحكمة ظاهرةً: فهي كفاية المقصد في يومه له يمونه في الغالب، فإن قوت اليوم للرجل وأهله له خطر عند غالب الناس، وعند الأثر المعروف، فإن من أصبح في سربه معافى في بدنه، وعنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.

المصدر: كتاب أحكام السرقة في الشرع الإسلامي، للمؤلف الدكتور محمد جبر الألفي.كتاب تكرار السرقة والأحكام المترتبة عليه في الفقه الإسلامي، للدكتور فراس سعدون فاضل.كتاب شرح صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب حدّ السرقة ونصابها، للشيخ حسن أبو الأشبال الزهيري.كتاب الحدود والتعزيرات لابن القيم دراسة وموازنة، تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد.


شارك المقالة: