ما هي المصالح المرسلة شرعاً؟

اقرأ في هذا المقال


أنزل ربُنا “عز وجل”دينهُ ليكون شريعاً خالداً على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلها عامة للناس جميعًا، وجعلها مبنية على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة، فالشارع لا يأمر إلّا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة، وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة لا يشذ عنه شيء من أحكامها، فما أهملت هذه الشريعة مصلحة قط، إذ كل خير دلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكل شر حذرنا منه، ونظرًا لكثرة استعمال البعض لهذا المصطلح مع عدم الإحاطة الكافية بمعناه وضوابطه كانت هذه المقالة.

التلازم بين المصلحة والشريعة:

  • إنّ الدين الحنيف بني على أساس دفن المفاسد عن الناس في الدنيا والآخرة وتمكين أعمال العباد، فالشارع لا يأمر إلّا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة. وهذا الأصل شامل لجميع الشريعة لا يشذ عنه شيء من أحكامها.
  • إنّ الدين الإسلامي لم يعطل مصلحة قط، فما من خير إلا وقد أمرنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وما من شر إلا وحذرنا منه،وإذا عُلم ذلك فلا يمكن أن يقع تعارض بين الشرع والمصالح، إذ لا يتصور أن ينهى الشارع عمّا مصلحته راجحة أو خالصة، ولا أن يأمر بما مفسدته راجحة أو خالصة.
  • ومن عمل بمصلحة لم تظهر في الدين الحنيف فلهُ أحتمالان هما: إما أن الله “سبحانه وتعالى” دل على هذه المصلحة من حيث لا يعلم هذا المدعي، وإما أن ما اعتقده مصلحة ليس بمصلحة، فإنّ بعض ما يراه الناس من الأعمال مقربًا إلى الله ولم يشرعه الله فإنه لابد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، وإلا فلو كان نفعه أعظم لم يهمله الشارع.

أقسام المصلحة في الشرع:

التي لها أعتبار في الشرع: فهي مصلحة شرعية وظهر طلبها من” الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس”، وذلك كالصلاة، وأما المصلحة الملغية شرعًا: فهي المصلحة التي يراها العبد – بنظره القاصر – مصلحة ولكن الشرع ألغاها وأهدرها ولم يلتفت إليها، بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، وذلك كالمصلحة الموجودة في الخمر. فهذا النوع من المصالح في نظر الشارع يعتبر مفسدة، وتسميته مصلحة باعتبار الجانب المرجوح أو باعتبار نظر العبد القاصر، ثم هي موصوفة بكونها ملغاة من جهة الشرع، وأمّا المصلحة المسكوت عنها: فهي التي لم يرد في اعتبارها أو إبطالها دليلٌ خاص من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، لكنّها لم تخلا عن دليل عام كلي يدل عليها، فهي إذن لا تستند إلى دليل خاص معين، بل تستند إلى مقاصد الشريعة وعموماتها، وهذه تسمى بالمصلحة المرسلة،وإنما قيل لها مرسلة لإرسالها؛ أي: إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار.

تعريف المصلحة المرسلة:

المصلحة جاءت من الصلاح في اللغة العربي؛ وهو دالٌ على استقامة الشيء وكماله في ذاته، وانتفاء الفساد عنه، وبهذا تستجلب المنافع، وتُستدفع المضار، قال الطاهر ابن عاشور: “أما المصلحة فهي كاسمها، شيء فيه صلاحٌ قوي، ولذلك اشتُقت لها صيغة المَفْعل، الدالة على اسم المكان؛ الذي يكثر فيه منه اشتقاقه”،وأشير هنا إلى أن المنفعة أو المصلحة اتخذت في عصرنا مذهبًا فلسفيًا في الأخلاق والسياسة، شيده ورسم أصوله في العصر الحديث الفيلسوف الإنجليزي “جيرمي بنتام”، فمنذ أن وضع بنتام كتابه “أصول الشرائع” تبلور هذا المذهب في طوره الحديث، وجعل “بتنام” المنفعة هي المعيار للحكم على الأشياء، وبقدر ما ينتجه الفعل من منفعة ولذة يكون خيرًا، وبقدر ضرره وإيلامه يكون شرًا، بغض النظر عما سوى ذلك من اعتبارات شرعية سماوية، وأخلاقية قومية،وقد طغت فلسفة “المنفعة” على الأمم الغربية المعاصرة، واصطبغت نُظُمُها وأخلاقها بهذه الصبغة، والمنفعة التي يستحضرها الغرب في عامة شؤونه وإن كانت توفر شيئًا من لذة، وسدادًا من عيش، وما قاله الإمام الغزالي رحمه الله “المحافظة على مقصود الشريعة”، ثم بين مراده بمقصود الشارع بأن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، وتسمّى بالاستصلاح وبالمناسب المرسل.

أقسام المصالح المرسلة:

  • ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها، وهذه أعلى المصالح، وذلك كتحريم القتل، ووجوب القصاص، وتسمّى درء المفاسد.
  • ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع، ولا يترتب على فواتها فواتُ شيء من الضروريات، وذلك كالإجارة والمساقاة،وتسمّى جلب المصالح.
  • ما لم يكن ضروريًا ولا حاجيًا، ولكنّهُ كان من باب الجري على محاسن الأخلاق واتباع أفضل المناهج، وذلك كتحريم النجاسات.

حكم المصالح المرسلة:

رأيُ بعضِ الفقهاء أنها من جهت إظهار المصالحة وإخفاء المفاسد لتكون حجه للأعتماد عليها، ومنهم من رأى أنّها ليست من هذا الباب، بل رأى أن المصلحة من باب وضع الشرع بالرأي وإثبات الأحكام بالعقل والهوى وقال: إنّها ليست من الأدلة الشرعية وأنه لا يجوز الاحتجاج بها ولا الالتفات إليها، و إظهار المصالح وودفن المفاسد أصل متفق عليه بين العلماء، ولقد اختلف الفقهاء في حكمها،وقال الشيخ الشنقيطي: “فالحاصل أنّ الصحابة رضى الله عنهم كانوا يتعلقون بالمصالح المرسلة التي لم يدل دليل على إلغائها، ولم تعارضها مفسدة راجحة أو مساوية”.

المصدر: أصول الفقه للناشئة/د. إبراهيم عبد الله سلقينيالوجيز في أصول الفقه/د.عبد الكريم زيدانصفوة في أصول الفقه/عبد الواحد محمد صالح القنزربيعلم أصول الفقه الميسر/عبد الله بن محمد بن يحيى


شارك المقالة: