ما هي قصة توبة سليمان عليه والسلام؟

اقرأ في هذا المقال


قصة توبة سليمان عليه السلام:

عن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: كان سُليمان عليه السلام عبارة عن رجلٍ أغر، يُحب الغزو في البحر والبرّ، فقد سَمع بمالكِ في جزيرة من جزائر البحر، فهمّ سليمان وركب الريح هو وجنودهُ من الجنّ والإنس حتى هبطا في تلك الجزيرة، وقام بقتل ملكِ تلك الجزيرة وسبى من فيها من الجواري، وأصاب جارية لم يُشاهد مثل حُسنها وجمالها قط، وكانت تلك الفتاة هي ابنتُ ذلك الملك الذي قُتل، فأخذها لنفسه، وكان يجدُ فيها أشياءً لم تكن موجودة عند غيرها، وكان يُفضلها على جميعِ نسائهِ.

لقد دخلَ عليها يوماً وقالت له: إنّي أتذكر أبي ومُلكهُ وما حلّ بهما، وإنّهُ ليحزنني ذلك، وإنّي أريد منك أن تأمر الشياطين فيُصورون لي صورةً لأبي وأريد وضعها في داري لكي أنظر إليه بكرةً وعَشيا، راجياً أن يذهب عني حزني، ومن أجل أن يُسلي نفسي.

فقام سليمان عليه السلام وأمرَ صخراً المارد، ومُثّلَ لها على هيئة أبيها في ناحية بيتها لا تُنكرُ منه شيئاً إلّا أنّه لا يوجد فيه روح، فقدمت إليه وزينتهُ وقامت بإلباسه حتى جعلتهُ على هيئة أبيها وفي نفس لباسهِ.

وكلما خرج سليمان عليه السلام من بيتهِ تقتربُ عليه كلّ فترةٍ من جواريها فتُعطرهُ وتسجدُ له وتسجدُ جواريها وتروحُ بمثلهِ، وسُليمان عليه السلام لا عِلم له بذلك الأمر، حتى مضى أربعون يوماً.

وعرفَ الناس، ووصلَ آصف بن برخيا، فكان صديقاً له، وقام بالدخول عليه وقال: يا نبي الله، إنّي أحببتُ بأن أقوم مقاماً أتذكر فيه من مضى من أنبياء الله تعالى، وأحبُ أن أثني عليهم بعلمي فيهم، قال: فأمر سليمان بجمع الناس وقامَ فيهم، وقام بذكر من مضى من أنبياء الله جل وعلا، وقام بالثناءِ على كلّ واحدٍ فيهم، وقام بذكر ما فضلهم الله به، حتى وصلَ في النهاية عند سليمان، فقد تحدث عن فضلهِ وما منحهُ الله إياه في صِغر سنهِ وحداثتهِ، ثم سكت، فملئ سُليمان غيظاً. فعندما دخل، قام بالإرسالِ إليه، فجاءهُ، فقال له: يا آصف؟ تحدثت عن من مضى من أنبياء الله، وأثنيت عليهم بما عملوه في زمانهم كلّه، وعندما ذكرتني ثنيتني بخيرٍ في صغري، وسكّت عن غير ذلك من أمري وأنا كبير، فما هو الذي أحدثتهُ في كِبري.

قال آصف: لقد أحدثت أنّ هناك أناسٌ يعبدون غير الله تعالى في دارك منذُ أربعين عاماً في هوى امرأةٍ، قال: في داري، قال: نعم في دارك، قال: “إنا لله وإنا إليه راجعون”، لقد فهمتُ، ما قلت ذلك إلّا عن شيءٍ وصلك، وبعد ذلك رجع إلى دارهِ وقام بتحطيم ذلك الصنم، وقام بمعاقبة تلك المرأة وولائدها، وبعد ذلك قام بجلب ثياب الطهر وارتداها، وخرج إلى فلاةِ الأرض، ثم فرش له الرماد، ثم أقبل على الله تائباً، وجلس على ذلك الرماد يتمرمغُ فيه مُتذللاً لله ومُتضرعاً يبكي ويستغفرُ ربه ويقول: يا ربّ، ما هذا بلاؤك عند آل داود أن يعبدون إلهً غيرك، وأنّ يسكنوا في دارهم، وأهلهم يعبدون غيرك. وبقي على هذه الحال حتى أمسى.

ثم عاد بعد ذلك وعندهُ جاريةً تُدعى الأمينة، وكان إذا ذهب للخلاءِ أو أراد أن يأتي امرأةً كان يضعُ خاتمهُ عندها، وكان لا يمسُ هذا الخاتم إلّا وهو طاهر، وجعل الله تعالى مُلكهُ في خاتمهُ.

لقد قال وهب: في ذاَت يومٍ جاء سُليمان ليتوضأ فدفعَ الخاتم إليها، وجاء صخر المارد، فسبق سُليمان ودخل المُتوضأ قبله، ودخل سليمان لحاجتهِ، وخرج الشيطانُ على هيئة سليمان يمسحُ لحيتهُ من الوضوء، لا يفرقُ من سليمان عليه السلام شيئاً، فقال: يا أمينة أعطني الخاتم، فأعطتهُ له، ولم تعلم أنّه ليس بسليمان، ووضعهُ في يده، ثم ذهب وجلس على تخت سليمان، وعكف عنده الجنُ والطير  وخرجَ سليمان النبي، وقال لأمينة: هاتِ خاتمي، قالت: ومن تكون، فقال: أنا سليمان بن داود. فاختلف حالهُ وزالَ عنهُ بهاؤهُ، قالت: كذبت؛ لأن سليمان أخذ خاتمهُ، وهو يجلسُ الآن على سريره في ملكهِ، فعرف سُليمان بأن خطيئتهُ قد أدركتهُ.

قال الحسن: وخرجَ سليمان يهربُ من الخوف على نفسهِ، فأسرع على وجهه بغير حِذاء ولا قلنسوة في قميصٍ وإزارٍ، وظل يمشي على الطريق ببابٍ أحدٍ حتى كان قد أنهكهُ العطشُ والجوع، فطرق الباب، وخرجت عليه امرأة وقالت ما خطبك، قال: ضيافةُ ساعةٍ، فانظري ما أصابني من الحرّ والرمضاء، فرجلاي قد احترقتا، وبلغتُ مجهودي من الجوع والعطش، قالت المرأة، زوجي ليس هنا، وليس بمقدوري أن أُدخل  رجلاً غريباً على بيتي، ولكن أدخل البستان فيوجدُ فيه ماءً وثماراً، فاجلس وبرّد نفسك فيه، فإذا أتى زوجي استأذنتهُ في ضيافتك، فإذا أذن لي فتفضل، وإن لم يأذن، فإنك أصبت ما رزق الله ومضيت.

وقام بالدخول للبستانِ، واغتسل ووضع رأسهُ فنام، وكان الذباب يؤذيه، فجاءت حيةٌ سوداء وأخذت ريحانةً من البستانِ بفمها وأتت سليمان، وصارت تذبُ عنه الذباب، حتى أتى زوج المرأة، وقالت له عمّا حدث، فذهب للبستان من أجل رؤية سليمان، فندما وصل إلي رأى الحيّة وصنيعها، فنادى امرأته وقال لها تعالي أنظري إلى العجب، فسار إليه وأيقضاهُ، وقالا له: يا فتى، هذا منزلنا لا يسعنا شيءٌ يُعجزك، وعندي ابنةٌ سأزوجها لك، وكانت هذه الفتاة من أجمل نساءِ ذلك الوقت، وتزوجها، ومكث عندهم ثلاثاً، وبعدها قال: ليس بوسعي الآن إلا طلبُ المعيشةِ لي ولأهلي، فانطلقا إلى الصيادين، فقال لهم: هل تطلبون رجلاً يُعينكم وترضخون لهمن صيدكم، وكل واحدٍ يأتيه الله برزقهِ، فقالوا له: لقد انقطع عنّا الصيد، وليس عندنا أي فضلٍ نعطيهِ، فسار إلى غيرهم، وقال لهم مثلما قال في المرةِ الأولى، فقالوا له: نعم، وكرامةً نواسيك بما عندنا.

لقد أقام معهم، ويختلفُ في كلّ ليلةٍ إلى أهلهِ ما أنتج من الصيد حتى أنكر الناس قضاء سليمان وأفعالهِ. فعنما رأى الخبيث أن الناس قد فطنوا له، انطلق بالخاتم وألقاهُ في البحر. وقيل أمسك الخاتمُ أربعين يوماً.

لقد روي أنّ شيطان سُليمان: جلس على كرسي، واجتمعت الإنس والجن ومُل كل شيء كان يملكهُ سليمان، إلا أنّه لم يُسلط على نسائهِ، وسارَ سُليمان ابن داود يسأل الناس، ويطرقُ على كلّ بابٍ  ويقول: أريد طعاماً، فأنا سليمان بن داود. وكانوا يصدونهُ، ويقولون له: ما يكفيك ما أنت فيه، حتى تُكذب على سليمان، فإنّ سليمان على مُلكهِ، وبعد ذلك حلّ عليه الجهد واشتد عليه البلاء، وعندما مضت  الأربعين يوماً: قال آصف: يا قوم بني إسرائيل، هل شاهدتم من خلاف حكم ابن داود ما شاهدتُ أنا، فقالوا له: نعم، فعمد عن ذلك الخبيث، ورمى الخاتم بالبحر، والتقفهُ جري وابتلع الخاتم وحدث في داخلهِ شيءٌ يُشبه الحريق من أشعة نور الخاتم، واستقلّ مجرى الماء ووقع في شباك الصيادين الذين كانوا يشتغلون مع سليمان.

وعندما حلّ المساء، قسموا السمك فيما بينهم، وأسقطوا الجري وأعطوه لسليمان، وعاد إلى أهل بيتهِ، وأمرهم أن يُعدوه، فعندما شقوا الجري وفتحوا بطنهُ أضاء البيت من شدة نور الخاتم، ونادت المرأة على سليمان وأرتهُ الخاتم، فوضعه في يدهِ، وخرّ لله ساجداً، وقال: إلهي لم الحمدُ على قديم بلائك وحسن صنيعك لآل داود، وقال إلهي: أنت بدأتهم بالنعم وأنت الذي أورثتهم الكتاب والنبوة والحُكم فلك الحمد يا رب. إلهي أنت تجود بالكبير، وتلطف بالصغير، فلا يخفى عليك شيئاً. إلهي، لم تسلمني بذنوبي، فلك الحمد فإنّك تغفر الذنوب وتجيب الدعاء. إلهي لم تسلمني بجريرتي، فلك الحمد يا رب، وأنت لم تخذلني بخطيئتي، فلك الحمد. إلهي لقد أتمم نعمك عليّ، فاغفر لي ما مضى، وهب لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي، فقال تعالى: “وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ”.

المصدر: كتاب سليمان عليه السلام النبي الملك، تأليف منصور عبد الحكيم.كتاب سليمان عليه السلام في القرآن، إعداد همام حسن يوسف سلوم - اشراف الدكتور خالد علوان.كتاب مفتاح سليمان عليه السلام، تأليف د. عمرو حسن أحمد بدران.ص19 - كتاب التوابين لابن قدامة - توبة سليمان عليه السلام.


شارك المقالة: