ما هي كيفية تعلم عيسى عليه السلام الكتاب والحكمة؟

اقرأ في هذا المقال


تعلم عيسى عليه السلام الكتاب والحكمة:

يقول الله تعالى عن عيسى عليه السلام: “وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ” آل عمران:48. حينما نسمع قول الله تعالى”وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ” فلا بدّ أن نسأل إذن أنه ما المقصود بالكتاب؟ فهل كان المقصود بذلك الكتاب: الكتب المتقدمة؛ كالزبور والصحف الأولى مثل صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام؟ قد يكون ذلك صحيحاً، ومعنى “ويُعلمهُ الكتاب” أي أن الحق قد علمهُ ما نزل قبله من زبور داود، ومن صحف إبراهيم، وبعد ذلك توراة موسى الذي جاء عيسى ناسخاً لها، وبعض العلماء قد قال: أُثر عن عيسى عليه السلام أن تسعة أعشار جمال الخط كان في يده، وبذلك يمكن أن نفهم: “ويُعلمهُ الكتاب” أي القدرة على الكتابة، فالمقصود بقول الله تعالى: “وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ” بعد قوله: “ويُعلمهُ الكتاب”.
إنّ كلمة الحكمة عادة تأتي بعد كتابٍ منزّل، ومثال ذلك قوله تعالى: “وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا” الأحزاب:34. فآياتُ الله المقصود بها هنا هي القرآن الكريم، والحكمة هي كلام الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فالرسول له كلام يتلقاه ويبلغه ويُعطيه الحق أيضاً الحكمة وهي سنته عليه الصلاة والسلام.
أما التوراة التي علّمها الله لعيسى عليه السلام، فكما نعلم أن مهمة عيسى عليه السلام أنه جاء ليُكمل التوراة ويُكمل ما أنقصهُ اليهود من التوراة، فالتوراة أصل من أصول التشريع لعصره والمجتمع المبعوث إليه، فهو كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: “وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” آل عمران:49.
وكلمةُ “رسول” تحتاج إلى دليل، فليس لأي أحد أن يقول: أنا رسول من عند الله، إلا إذا قدم بين يدي دعواه معجزة ثبت أنه رسول من الله. إذن فالمُعجزةُ تُلزم المنكر الذي يتحدى وتفحمهُ؛ لأنه لا يسطيع أن يأتي بمثلها؛ ولذلك قلنا: إن من لزوم التحدي أن يجعل الله تعالى معجزة الرسول من جنس ما نبغِ فيه القوم؛ لأن الحق لو جاء لهم بشيءٍ لم يدرسوه ولم يعرفوه، فالرد منهم يكون للرسول بقولهم. إنّ هذا أمر لم نعود أنفسنا عليه، ولو تعودنا عليه لاستطعنا أن نفعل مثلهُ، ولذلك يُرسل الحقُ الرسول أيّ رسول ٍ بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه، ثم تتسامى لأن الذي يطبّب جسماً ليس له علاقةً بموتِ إنسانٍ فإذا مات إنسان، فقد خرج الميت عن دائرة علاج الطبيب، ولذلك رقّى الله آية عيسى عليه السلام أنه يشفى المرضى ويُحيي الموتى، وهذا ترَقٍ في الإعجاز، وقد أخبر الله تعالى عن عيسى ابن مريم عليهما السلام أنه قال لقومه: “أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ.
إن كلمة: “أخلقُ” فمعنى هذه الكلمة مأخوذٌ من الخلق، والخُلق هو إيجادُ شيءٍ على تقدير أنهُ شيء قبل أن يوجد فأنت في ذهنك أن تأتي به على هذه الحالة، فإن كان يأتي على غير تقديرك، فليس خلقاً إنما هو شيء جزافي، فإن كان سيأخذ قطعةً من الطين ويصنع منها أي شيء، فهذا ليس خلقاً، الخلق هو المطلوب على تقدير، والخلق على تقدير فيه إيجادٌ من عدم إنه شيء كان معدوماً فوجد. إن أول فرق بين خلق الله وخلق الإنسان أن خلق الله تعالى يكون من عدم، وخلق الإنسان من موجود، وإن كان الاثنان على تقدير، وأيضاً خلق الله تعالى يُعطيهِ سرّاً لا يستطيع البشر إعطاءهُ لصنعتهِ، فالله عزوجل يعطيه سرّ الحياة، والحياة فيها نمو وفيها تكاثر.
إذن فالخلقُ هو إيجادُ على تقدير هذا الإيجاد من معدوم، والمعدوم موجودةً مادتهُ، وهذا في خلق الإنسان، أما في خلق الله تعالى، فالله يخلقُ من معدوم لا توجد له مادة البشر حين يوجدون شيئاً يوجدونهُ جامداً على ما هو عليه لا حياة فيه، ولا يمكن أن يتأتى من التكاثر لإيجاد مثلهِ، لكن الله يخلقُ من الشيء ذكراً وأنثى ويعطيهما القدرة على التناسل.

المصدر: كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء، للحافظ ابن كثير.كتاب قصص الأنبياء، تأليف عبد القادر شيبة الحمد.


شارك المقالة: