ما هي مدة التقادم المؤثرة في سقوط الحدود عند الحنفية؟

اقرأ في هذا المقال


مدة التقادم المؤثرة في سقوط الحدود عند الحنفية:

يتضمن هذا الموضوع بياناً لمدة التقادم المؤثرة في سقوط الحدّ عند القائلين به، وقد ظهر من خلال بيان أثر التقادم على الجريمة التي توجب حدّاً وعقوبتها أن جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة لا يرون التقادم مؤثراً على ذلك من حيث الأصل، وأن من يرى ذلك مؤثراً هم الحنفية. وبناءً على ذلك فإن بيان مدة التقادم المؤثرة في سقوط الحدّ يُقتصر فيه على مذهب الحنفية. فالحنفية يُفرقون في مدة التقادم المؤثرة في سقوط الحدود بين حدّي الزنا والسرقة من جهةٍ، وبين حدّ الخمر من جهة أخرى، وبيان ذلك في مطلبين ويكونان على النحو التالي.

مدة التقادم في حديّ الزنا والسرقة عند الحنفية:

اختلف فقهاء الحنفية في مدة التقادم المؤثرة في سقوط حديّ الزنا والسرقة على عدة أقوال:

القول الأول:
أن مدة التقادم المؤثرة في سقوط حدي الزنا والسرقة وهي “شهر” وهذا مذهب عند الحنفية، وهو ما نص عليه محمد بن الحسن أبو يوسف. وتعليلُ ذلك: أن ما دون الشهر يُعدّ عاجلاً، والشهر أدنى العُجال شرعاً؛ لأن من حلف أن يقضي حق فلاناً عاجلاً، فإن يقع ذلك دون الشهر، ولا يحنثُ بيمينهِ.
القول الثاني: أن مردّ تقدير هذه المدة يكون للقاضي، بمعنى أنه يرجع تقديرها إلى اجتهاد القاضي، وبه قال أبو حنيفة في رواية. والتعليلُ على ذلك: أن التقادم تختلف أحوالهُ وظروفه من قضيةٍ لأخرى ومن زمنٍ لآخر، ولأن التوقيت لا يمونُ بالرأي، وإنما مردهُ للنص ولا نص هنا، وهذا كله يقتضي أن يُجعل مرد تقديره مدة التقادم لاجتهادِ القاضي.

القول الثالث:
وهو أن مدة التقادم المؤثرة في سقوط حدي الزنا والسرقة هي “سنة” وهي رواية عن أبي حنيفة.

مدة التقادم في حد شرب الخمر:

اختلف فقهاء الحنفية في مدة التقادم المؤثرة في سقوط حد شرب الخمرة على قولين:
القول الأول: أن مدة التقادم في حد شرب الخمر مؤقتة بقيام رائحة الخمر، سواء أكان الحدّ ثابت بالشهادة أم بالإقرار، فإذا أقرّ بالشرب بعد زوال الرائحة لا يقبلُ إقراره، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف.
ودليل هذا القول: أنه استدل القائلون بأن مدة التقادم في حدّ شرب الخمر مؤقتة بقيام رائحة الخمر برواية، أنه روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه جاء رجلٌ إليه بابن أخ له سكران، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “ترتروهُ ومزمزوهُ واستنكهوهُ فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه”. أي أن يحركوه ليستنكهَ منه رائحة الخمر. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.
القول الثاني: أن مدة التقادم في حدّ شرب الخمر إذا كانت ثابتة بالشهادة كسائر الحدود لا فرق بينها، وهي “شهرٌ واحد”، وإن كان ثابت بالإقرار فليس له مدة، ويٌقام الحدّ عليه ولو بعد زمنٍ طويل، وهذا ما قال به محمد بن الحسن.
ودليل القول الثاني: أنه استدل محمد بن الحسن لعدمِ تقادمِ الإقرار بالشرب، بأن أساس التقادم هو التهمة، والتهمة منتفية في حقّ المقرّ على نفسه وهو الأمر الذي يمنع القول بالتقادم شأنه شأن بقية الحدود، فهو حدّ ظهر سببه عند القاضي، فلا يُشترط لإقامته بقاء أثر الفعل. والراجح من القولين، هو القول الثاني؛ لأن الأصل في الحدود إذ أقرّ صاحبها أن يؤاخذ بإقراره.

المصدر: كتاب سقوط الحدود بالتقادم، للدكتور محمد فوزي الحادر.كتاب الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، للإمام محمد أبو زهرة.كتاب العفو عن العقوبة في ضوء الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد العزيز بن محمد الصغير.كتاب تقادم الشهادة وأثره في إسقاط الحدود دراسة فقهية موازنة، تأليف عبد الله الفواز.


شارك المقالة: