مسايرة القرآن للحوادث بتنزل آيات القرآن

اقرأ في هذا المقال


لا يتبادر إلى الذهن أن مسايرة الحوادث بتنزل آيات القرآن مفرقة معناه تعاقب الآيات، بل أن تقع الحادثة الآيات القرآنية لتعقب عليها، وأن الآيات القرآنية في وجودها تالية للحوادث في وقوعها، وتنزل الآيات مفرقة هو بمثابة المسايرة للأقضية والأحداث، قال تعالى: ﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾ صدق الله العظيم[هود ١] فعلم الله وكلامه ومشيئته، مترابطة، ولا تنفصل بسبب الزمان، إلا وجود له مع قدرة الله وإرادته.

تقسيم الأحداث التي تنزلت الآيات مفرقة لتسيرها:

القسم الأول: الأقضية والوقائع التي تحدث في المجتمع الإسلامي فيحتاج المسلمون إلى معرفة الحكم فيها، فتنزل الآيات من القرآن الكريم مبينة حكم الله فيها، فيصبح الحكم تشريعاً يطبق على الوقائع المماثلة، وليست العبرة بخصوص السب، فالحادثة تقع، وحكم الله يتنزل والتشريع يتضح، والشريعة الإسلامية تتكامل، وهكذا اقتضت إرادة الله وحكمته وعلمه، وقدرته أن تكون آيات التشريع مسايرة للأقضية والحوادث، ويصبح للمسلمين كتاب من عند الله عزوجل، يحكمون به.
قال تعالى: ﴿إِنَّاۤ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِیهَا هُدࣰى وَنُورࣱۚ یَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِیُّونَ ٱلَّذِینَ أَسۡلَمُوا۟ لِلَّذِینَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّـٰنِیُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُوا۟ مِن كِتَـٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَیۡهِ شُهَدَاۤءَۚ فَلَا تَخۡشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخۡشَوۡنِ وَلَا تَشۡتَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِی ثَمَنࣰا قَلِیلࣰاۚ وَمَن لَّمۡ یَحۡكُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾ صدق الله العظيم[المائدة ٤٤].

القسم الثاني: الأسئلة التي كانت يُخاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين، أو غيرهم، والمقترحات التي كان المشركون يعرضونها فكانت الآيات تتنزل إجابة عن هذه الأسئلة، وهذه المقترحات، وهذه المقترحات، وهذه الأسئلة على قسمين:
القسم الأول: ما كان يقصد به التثبت من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، كالسؤال عن الروح والجواب، عنه في قوله تعالى: ﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِۖ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنۡ أَمۡرِ رَبِّی وَمَاۤ أُوتِیتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ صدق الله العظيم [الإسراء ٨٥] والسؤال عن ذي القرنين، والجواب عنه في قوله تعالى: ﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَن ذِی ٱلۡقَرۡنَیۡنِۖ قُلۡ سَأَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُم مِّنۡهُ ذِكۡرًا﴾ صدق الله العظيم[الكهف ٨٣] إلى آخر الآيات التي وردت في شأن ذي القرنين في سورة الكهف.
القسم الثاني: ما كان يقصد به الوقوف على الحقيقة، ومعرفة حكم الله تعالى: ﴿۞ یَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِۖ قُلۡ فِیهِمَاۤ إِثۡمࣱ كَبِیرࣱ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَاۤ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَیَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا یُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ﴾ صدق الله العظيم[البقرة ٢١٩] فكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا وجه له سؤال من المسلمين أو غيرهم، أو اقترح عليه المشركون شيئاً، نزلت الآيات بالرد الشافي.

القسم الثالث: الشٌبهات التي كانت موجودة في صدور المشركين، في معرض إنكار النبوة، والبعث، وغيرها من عقائد المسلمين، وهي كثيرة جداً في القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿أَوَلَمۡ یَرَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَـٰهُ مِن نُّطۡفَةࣲ فَإِذَا هُوَ خَصِیمࣱ مُّبِینࣱ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلࣰا وَنَسِیَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن یُحۡیِ ٱلۡعِظَـٰمَ وَهِیَ رَمِیمࣱ (٧٨) قُلۡ یُحۡیِیهَا ٱلَّذِیۤ أَنشَأَهَاۤ أَوَّلَ مَرَّةࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِیمٌ (٧٩)﴾ صدق الله العظيم [يس ٧٧-٧٩] وكقوله تعالى: ﴿وَیَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَمۡلِكُ لَهُمۡ رِزۡقࣰا مِّنَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَسۡتَطِیعُونَ (٧٣) فَلَا تَضۡرِبُوا۟ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡثَالَۚ إِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ (٧٤)﴾ صدق الله العظيم[النحل ٧٣-٧٤].

القسم الرابع: لفت نظر المسلمين إلى تصحيح أغلاطهم، التي يخطئون فيها وردهم إلى الصواب، مثال الآيات المتعلقة بغزوة حنين، كما جاء في قوله تعالى: ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِی مَوَاطِنَ كَثِیرَةࣲ وَیَوۡمَ حُنَیۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَیۡـࣰٔا وَضَاقَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّیۡتُم مُّدۡبِرِینَ﴾ صدق الله العظيم[التوبة ٢٥] وهذه الآيات تنعى على المسلمين إعجابهم بأنفسهم، واغترارهم بقوتهم، وتذكرهم بنعم الله تعالى عليهم بإنزال الطمأنينة والأمن في قلوبهم، وإنزال الملائكة لنصرتهم، ثم تهيب بهم أن يثوبوا إلى رشدهم، ويرجعوا لربهم.

القسم الخامس: كشف حال المنافقين، وهتك سترهم، وسرائرهم للنبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡمُنَـٰفِقِینَ یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَـٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوۤا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ یُرَاۤءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِیلࣰا﴾ صدق الله العظيم [النساء ١٤٢] كذلك قوله تعالى: ﴿لَقَدِ ٱبۡتَغَوُا۟ ٱلۡفِتۡنَةَ مِن قَبۡلُ وَقَلَّبُوا۟ لَكَ ٱلۡأُمُورَ حَتَّىٰ جَاۤءَ ٱلۡحَقُّ وَظَهَرَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَهُمۡ كَـٰرِهُونَ﴾ صدق الله العظيم[التوبة ٤٨].

القسم السادس: ما تقتضيه أحوال المسلمين في السلم والحرب، ومن أمثلته الآيات التي كانت تتنزل في أوقات السلم، لتقرير عقائد الدين، وبيان شرائع الإسلام وفضائل الأخلاق، والآداب ومحاسن العادات.

المصدر: زبدة الاتقان في علوم القرآن – محمد بن علوي المالكيمباحث في علوم القرآن – حسين صالح حمادة موجز علوم القرآن – الدكتور داوود العطار. محاضرات في علوم القرآن – فضل حسن عباس


شارك المقالة: