هل ما أجراه الله على عصا موسى عليه السلام لم يكن سحراً؟

اقرأ في هذا المقال


ما أجراه الله على عصا موسى عليه السلام لم يكن سحراً؟

إن خرق الناموسِ يكون بإذن الله تعالى للرسلِ والأولياء، إنّ الحق يفعل ذلك لإثبات صدق الرسول في البلاغ عنه، وهذا الإثبات هو صدقٌ لرسول الله تعالى في البلاغ، وهذا الإثبات مشروطٌ بشروط: منها أن يكون النبوع قد بلغ درجة قصوى في المجال الذي تحدث فيه تلك المعجزة، ومثال ذلك خرق الحق لناموس العصا، وهي فرع من شجرة وجعل موسى عليه السلام يُلقيها على الأرض، فإذا هي حيةٌ تسعى.
إن ما أجراه الله على عصا موسى لم يكن سحراً، ولكنهُ نقلها من جنسٍ إلى جنس ونعلمُ أن موسى عليه السلام أُنِس إلى ربه، فقال تعالى: “قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي” طه:18. وجاء الأمر بإلقاء العصى: فقال تعالى: “ألقِهَا با موسى- فألقاها فإذا هي حيّةٌ تسعى” لذلك كان لا بدّ أن تُدهش المسألة بموسى عليه السلام؛ لذلك أوجس خيفةً؛ ولأنّ موسى عرف سرّ عصاه، فلم يُوجِس خيفةً عندما تحدى السحرة الذين جاء بهم فرعون في يوم الزينة، وعرف موسى أنه ليس بساحرٍ مثلهم، ولكن الله أتاهُ بمعجزةٍ ستُبهرُ جميع السحرةِ، فالسحرة يعلمون أنهم يغيرون من تخيل الناسِ للأشياء، أما الحق فهو يُغير الأشياء نفسها، فقد جاء السحرة بناءً على أمر فرعون في يوم الزينةِ ويُعلمنا القرآن بلمحاتٍ جانبيةٍ أن نظام السحرةِ كان موجوداً، ولذلك طالب السحرةُ بأجرهم إنّ هم غلبوا موسى عليه السلام وانتصروا عليه، فقال تعالى: “وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ” الأعراف:113.

اختلاف مواهب السحرة الذين واجهو موسى عليه السلام:

وعلى الرغم من اختلاف مواهب هؤلاء السحرة، ورقي كلٌ منهم في فرعٍ من فروع السحر؛ فإنهم جميعاً سجدوا للحقيقة عندما ألقي موسى عصاه: قال الله تعالى مخبراً عن ذلك، “قالوا ءامنّا بربّ العالمين- رَبّ مُوسى وهارون” إنهم عرفوا أنّ ما فعله موسى ليس قدرةً بشريةً، ولكنه قدرة فوق قدرة البشر، ولكن كل آية تعطى لقطةً، فلو جمعنا اللقطات تعطينا القصة كاملةً، فالوادي المقدس اسمه “طوى” وفي الآية الثانية حدد المكان أكثر وبين أنه في: “شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ” فهذا تحديد للمكان، ولكن لماذا أمرهُ الله بخلعِ نعليهِ؟ قالوا؛ لأنه ما دام واديّاً مقدساً لا يصحُ أن تفصل جسمك بشيءٍ يفصلك عن هذا الوادي مع أنه يمكنك أن تصلي في نعلكَ ما دامَ طاهراً، ولكن هنا الوادي المقدس أي مطهر؛ ولذلك بعض الناس كانوا يمشونَ حُفاةً في المدينة المنورة لعلهم يُصادفون موطئاً لقدم الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم أخبرهُ أنه اختاره لمهمةٍ فقال تعالى: “وأنّ اخترتُك فاستمع لِما يُوحى” طه:13. فالله تعالى اختاره وهو وحده أعلم حيثُ يجعلُ رسالتهُ.
وقال الله تعالى: “فاستَمِع لِما يُوحى” لم يقل له “اسمع”؛ لأنه الإنسانُ يسمعُ ما يُهمهُ وما لا يُهمهُ؛ لأنّ الأذن ليست كالعين يمكن إغلاقها عن الشيء الذي لا تحب أن تسمعهُ، ولكن “استمع” معناها: أن تتكلف السماع. إذن هناك سمع وهذه ليس فيها خيار، واستمع: تكليف أن يسمع، ولكن تسَمّع أي طلب السماع وأرهف أذنه من أجلهِ.
ومعنى : “فاستمع” أي هيئ كل جوارحك؛ لأن تسمع؛ لأن الأحاسيس مختلفةً، هناك أذن تسمع، وهناك عينٌ تبصر، وأنفٌ يشم، ولسانٌ يتكلم، ويد تلمس “فاستمع” أي جنّد كل حواسك وأعضائك للسماع واستحضر فلبك ونفذ المطلوب الذي ستسمعهُ وقوله: “يُوحى” أي: يأتيك عن طريق الوحي.
ثم يقول الله تعالى: “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” طه:14. أي أنا الله صاحب الأمر والنهي، لمذا قال الله له ذلك؛ لأنه سيكلفهُ، والتكاليفُ دائماً تكون شاقةً على النفس، فعطاء الألوهية تكليفٌ بينما عطاءُ الربوبية نعم وخيرات ينهلُ منها العبدُ في الدنيا، وكلمةُ “لا إله إلا الله” هي المنتهى وهي الينبوع الذي يصدرُ عنه كل السلوكِ الإيماني، وهي كلمةَ التوحيد التي قال عنها الرسول صلّى الله عليه وسلم: “خيرُ ما قلتهُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله”، وما دام لا إله إلا هو سبحانه وتعالى، فلا يصحُ أن نتلقى عن أحدٍ غيرهُ ولا نعتمد إلا عليه ولا نشتغل إلا بذكرهِ سبحانه وتعالى. وكلمة: “لا إله إلّا أنّا” معناها، أنك لن تتلقى أوامر من أحد غيري، وقوله تعالى: “فاعبدوني” أي أطع أوامري، واجتنب النواهي؛ لأنه ليس لي مصلحة في ذلك ولكنها مصلحتك أنت.

المصدر: كتاب أطلس تاريخ الأنبياء، تأليف سامي بن عبد الله بن أحمد المغلوثكتاب قصص الأنبياء تأليف الكاتب محمد متولي الشعراوي.كتاب قصص الأنبياء، تأليف الطيب النجار.كتاب قصص الأنبياء، للحافظ ابن كثير.كتاب موسى عليه السلام، تأليف هارون يحيى.


شارك المقالة: