أشعار المتنبي في العتاب

اقرأ في هذا المقال


حياة المتنبي في بلاط سيف الدولة الحمداني

شهد أبو الطيب المتنبي الفترة التي مرت فيها الدولة العباسية من تفككٍ واضطرابات سياسية، وكما عُرف عنه أنّه شاعراً يصف الشيء كما هو وأن شعره جميل الوصف وبديع المعاني وعذب الألفاظ.

كتب أبو الطيب المتنبي أجمل وأعظم أشعاره في سيف الدولة الحمداني، حيث كتب له عن المدح والوصف وغيرها، حيث عاش أفضل حياته في بلاط سيف الدولة الحمداني وأصبح من أهم شعراء البلاط، حتى أنه شارك سيف الدولة في العديد من المعارك وكان يصف له المعارك التي قام بها.

قالوا العلماء: ” لولا المتنبي لم ينشهر سيف الدولة الحمداني، ولولا سيف الدولة الحمداني لم ينشهر المتنبي”، فقد كان كلُ واحد منهما مكملاً للآخر.

أشعار المتنبي في العتاب

كان سيف الدولة الحمداني عظيماً وكان أبو الطيب شاعراً ذكياً وعبقرياً أحب كل منها الآخر، ولكنهم افترقوا عن بعضهما لكثرة الحاسدين لهما؛ الأمر الذي دفع المتنبي لكتابة قصيدة لسيف الدولة حتى يبين فيها مدى حبه وإخلاصه له، وفي قصيدة (واحرّ قلباه) كان يخاطب بها خطاب المحب لا خطاب المستعطف، وكانت مناسبة هذه القصيدة أن سيف الدولة كان يسمع للواشين والحاسدين لهما، مما دفع المتنبي بالطلب من سيف الدولة بأن يكون عادلاً ويوفي بالعهود، حيث كان هذا العتاب عتاب المحب ناتج عن ود وحب من المتنبي.

بدأ المتنبي قصيدته في تصوير حرقة قلبه وانكساره من سيف الدولة، ثم بدأ بمدحه دون عتابه، لينتقل في قلب القصيدة إلى التهديد بالرحيل وطعن الشعراء الذين حوله.

حيث كانت هذه القصيدة تتعلق بأدب الصداقة، قائلاً فيها:

وَاحَرّ قَلْباهُ ممّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ
وَمَنْ بجِسْمي وَحالي عِندَهُ سَقَمُ

ما لي أُكَتِّمُ حُبّاً قَدْ بَرَى جَسَدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلةِ الأُمَمُ

إنْ كَانَ يَجْمَعُنَا حُبٌّ لِغُرّتِهِ
فَلَيْتَ أنّا بِقَدْرِ الحُبّ نَقْتَسِمُ

قد زُرْتُهُ وَسُيُوفُ الهِنْدِ مُغْمَدَةٌ
وَقد نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالسّيُوفُ دَمُ

فكانَ أحْسَنَ خَلقِ الله كُلّهِمِ
وَكانَ أحسنَ ما في الأحسَنِ الشّيَمُ

فَوْتُ العَدُوّ الذي يَمّمْتَهُ ظَفَرٌ
في طَيّهِ أسَفٌ في طَيّهِ نِعَمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ
لَكَ المَهابَةُ ما لا تَصْنَعُ البُهَمُ

أَلزَمتَ نَفسَكَ شَيئاً لَيسَ يَلزَمُها
أَن لا يُوارِيَهُم أَرضٌ وَلا عَلَمُ

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشاً فانْثَنَى هَرَباً
تَصَرّفَتْ بِكَ في آثَارِهِ الهِمَمُ

عَلَيْكَ هَزْمُهُمُ في كلّ مُعْتَرَكٍ
وَمَا عَلَيْكَ بهِمْ عارٌ إذا انهَزَمُوا

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْواً سِوَى ظَفَرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الهِنْدِ وَاللِّممُ

يا أعدَلَ النّاسِ إلاّ في مُعامَلَتي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَمُ

أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ

سَيعْلَمُ الجَمعُ ممّنْ ضَمّ مَجلِسُنا
بأنّني خَيرُ مَنْ تَسْعَى بهِ قَدَمُ

أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتي من هَمّ صَاحِبها
أدرَكْتُهَا بجَوَادٍ ظَهْرُه حَرَمُ

رِجلاهُ في الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَدٌ
وَفِعْلُهُ مَا تُريدُ الكَفُّ وَالقَدَمُ

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَينِ بهِ
حتى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَوْتِ يَلْتَطِمُ

الخَيْلُ وَاللّيْلُ وَالبَيْداءُ تَعرِفُني
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَمُ

صَحِبْتُ في الفَلَواتِ الوَحشَ منفَرِداً
حتى تَعَجّبَ مني القُورُ وَالأكَمُ

يَا مَنْ يَعِزّ عَلَيْنَا أنْ نُفَارِقَهُمْ
وِجدانُنا كُلَّ شيءٍ بَعدَكمْ عَدَمُ

مَا كانَ أخلَقَنَا مِنكُمْ بتَكرِمَةٍ
لَوْ أنّ أمْرَكُمُ مِن أمرِنَا أمَمُ

أنْ كانَ سَرّكُمُ ما قالَ حاسِدُنَا
فَمَا لجُرْحٍ إذا أرْضاكُمُ ألَمُ

وَبَيْنَنَا لَوْ رَعَيْتُمْ ذاكَ مَعرِفَةٌ
إنّ المَعارِفَ في أهْلِ النُّهَى ذِمَمُ

كم تَطْلُبُونَ لَنَا عَيْباً فيُعجِزُكمْ
وَيَكْرَهُ الله ما تَأتُونَ وَالكَرَمُ

ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شرَفي
أنَا الثّرَيّا وَذانِ الشّيبُ وَالهَرَمُ

لَيْتَ الغَمَامَ الذي عندي صَواعِقُهُ
يُزيلُهُنّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ

أرَى النّوَى يَقتَضيني كلَّ مَرْحَلَةٍ
لا تَسْتَقِلّ بها الوَخّادَةُ الرُّسُمُ

لَئِنْ تَرَكْنَ ضُمَيراً عَنْ مَيامِنِنا
لَيَحْدُثَنّ لمَنْ وَدّعْتُهُمْ نَدَمُ

إذا تَرَحّلْتَ عن قَوْمٍ وَقَد قَدَرُوا
أنْ لا تُفارِقَهُمْ فالرّاحِلونَ هُمُ

شَرُّ البِلادِ مَكانٌ لا صَديقَ بِهِ
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ

وَشَرُّ ما قَنّصَتْهُ رَاحَتي قَنَصٌ
شُهْبُ البُزاةِ سَواءٌ فيهِ والرَّخَمُ

بأيّ لَفْظٍ تَقُولُ الشّعْرَ زِعْنِفَةٌ تَجُوزُ
عِندَكَ لا عُرْبٌ وَلا عَجَمُ

هَذا عِتابُكَ إلاّ أنّهُ مِقَةٌ
قد ضُمّنَ الدُّرَّ إلاّ أنّهُ كَلِمُ

ما تميز بع شعر المتنبي في العتاب

تميز شعر المتنبي في العتاب بالعديد من الخصائص التي جعلته فريدًا من نوعه، ومن أهمها:

الصدق: تميز شعر المتنبي بصدق مشاعره ووضوحها، فكان يعبر عن مشاعره تجاه من يعاتبه بكل صراحة ودون مواربة.

الفخر: لم يكن عتاب المتنبي مجرد شكوى أو لوم، بل كان يمزج بين العتاب والفخر بنفسه وقدراته، مما أضفى على شعره قوة وجرأة.

الإبداع: تميز شعر المتنبي بصوره الشعرية الجميلة وأسلوبه البليغ، مما جعل عتابه أقوى وأكثر تأثيرًا.

الذكاء: كان المتنبي ذكياً في عتابه، فكان يختار الكلمات بعناية ليوصل رسالته دون أن يسيء إلى من يعاتبه.

التنوع: تنوع شعر المتنبي في العتاب بين العتاب الحاد والعتاب اللطيف، مما أضفى على شعره ثراءً وتنوعًا.

الإيحاء: كان المتنبي بارعًا في استخدام الإيحاء في عتابه، مما جعل شعره مفتوحًا للتأويل والتفسيرات المختلفة.

التأثير: كان شعر المتنبي في العتاب مؤثرًا للغاية، فقد كان يثير مشاعر القارئ ويجعله يتأمل في نفسه وفي سلوكه.

الخلود: بقى شعر المتنبي في العتاب خالداً حتى يومنا هذا، فهو يمثل نموذجًا فريدًا للعتاب الشعري.

من أشهر قصائد المتنبي في العتاب

  • “واحر قلباه ممن قلبه شبم”.
  • “عدت يا عيد”.
  • “كفى بك داء”.

أمثلة على تميز شعر المتنبي في العتاب

  • “أَلاَ كلُّ ما قيلَ في العِتابِ قَدْ قُلْتُهُ ** فَما الحَجَةُ الْيَوْمَ إِلاَّ لِتَجْرِيدِهِ”
  • “وَما أَنَا مِنْ أَهْلِ الْهَوَى وَإِنْ بَدَا ** فَلَيْسَ لِعَيْنِيَ مِنْهُ إِلاَّ وَمِيضُهُ”
  • “وَلَكِنْ حَقِيقَةُ الْعِتابِ تَقْرَعُ ** فَلاَ تَجْحَدْ وَلاَ تَقُلْ إِنَّهُ بَغْيُ”

خلاصة: تميز شعر المتنبي في العتاب بالصدق والفخر والإبداع والذكاء والتنوع والإيحاء والتأثير والخلود، مما جعله نموذجًا فريدًا للعتاب الشعري.


شارك المقالة: