ألفية ابن مالك

اقرأ في هذا المقال


البئية النحوية عند العرب :

كما هو معلوم لدينا أنّ اللغة العربية عند العرب كانت بحكم السليقة عندهم، إلى أن صار أمراً لزامياً الاحتكاك بالعجم لأسباب متعددة، فصار شيوع اللحن في كلام العرب مما اضطر النحويون والأصوليون الدخول في محراب تأليف النحو العربي.

حيث كان أول من قام بفتح باب التأليف هو: أبو الأسود الدؤلي من البصرة ِ باعتبارها أقرب المدن العربية للجزيرة العربية، وأكثر المدن ترفاً وغنىً، وصولا إلى مرفأ القواعد والنحو أمثال :أبي عمرو بن العلاء ويونس بن حبيب، وأبي زيد الأنصاري، والأخفش الأكبر، ووقوفا على طلل الفراهيدي وطلابه أمثال: سيبويه (عمرو بن عثمان بن قندر).

كان يجلس بعض هؤلاء العلماء سنوات عدّة في الكتابة والحفظ للنحو العربي من المدن العربية ليعود مقفلاً للبصرة، ينقل علمه لطلابه، ويبث فيهم الهمّة والعزم لنيل الأجر والثواب، وللحفاظ على الموروث العربي، والوحي الشريف المتمثل في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة باعتبار أنّ العربية هي اللسان الناطق لها.

أوائل علماء النحو:

  • الفراهيدي وهو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد البصري، ولد في البصرة عام 100 هـ، وتوفي فيها عام 170هـ، ولد في أزد في سلطنة عمان، وهو مؤسّس علم العروض بوضعه الدوائر العروضية التي قال العرب أشعارهم وفق ما وضعه الفراهيدي لهم من قواعد عروضية، وصاحب أول معجم للعربية ” العين”، ويعتبر أبو عمرو بن العلاء شيخه في علم العربية، وصارعالمًا فذاً له من الطلاب الأشاوس أمثال: الليث بن المظفر الكناني، وسيبويه، والأصمعي، والنضر بن شميل، والكسائي). يعتبر بحق الخليل بن أحمد الفراهيدي رائد المدرسة البصرية في النحو، له كتب عديدة هي: “معاني الحروف”، و “جملة آلات الحرب”،
    و “العوامل”، و”النقط والعروض”، وغيرها من الكتب الكثيرة خاصةً في علم النحو التي لم تصلنا لأسباب مجهولة. ويعتبر أيضاً أول من وضع نظام الحركات، ونظام الإعراب.
  • سيبويه وهو: عمرو بن عثمان بن قندر، وهو فتى فارسي طلب العلم في البصرة على يد شيخه حماد بن سلمة ، فلحن ذات مرة أمام شيخه فقال له شيخه : ( لقد لحنت يا سيبويه )، حيث يعتبر اللحن في ذاك الزمان منقصة كبيرة، فثار في صدره نزعة تحدٍ وإصرار، وقال لشيخه ( لا جرم سأطلبنَّ علما ً لا تلحِّنُنِـي فيه )، ووقع اختياره على شيخ العربية آنذاك الفراهيدي ، فأقام معه عشر سنوات، حتى تحقق له مبتغاه، وترك فيه بصمة تعفيه من اللحن والوقوع في الخطأ.

أهم ما قام به سيبويه:

  • جمَعَ الشّتات والآراء التي أخذها عن شيوخه العظام من روايات وقراءات وطلاب يأخذون علم النحو عندهم، مع استنباطاته واستدلالاته المضنية المفيدة.
  • نقل بين مرحلة القراءة والأخذ والاكتساب والمشافهة إلى أن وصل لمرحلة التأليف، فأصدر كتاباً جمع فيه قواعد النحو العربي أسموه بعد ذلك ” بكتاب سيبويه”، ضم بين ثناياه ألف وخمسة مائة شاهداً، والأمثلة بالآلاف، والعديد من المصطلحات النحوية التي اختلف فيها النحاة بعد ذلك في مرحلة التفسير والشرح والتأويل.  

المفسرون الشارحون لكتاب سيبويه:

أطلّ القرن الرابع، وشهد ميلاد علماء أجلاء أمثال: الزجاجي في كتابه ” الجمل في النحو”، وأبو علي الفارسي في كتابه” الإيضاح”، وابن جنَّي في كتابه” اللمع” الذي سيطر على النحو العربي في المشرق العربي آنذاك.

وصولاً إلى القرن السادس الهجري الذي أعلن عن ظهور علماء أفذاذ في الشروح والتفسيرات النحوية أمثال : أبو القاسم الزمخشري الملقب حينها (بسيبويه المصغر) صاحب كتاب ” المفصّل”، وابن الحاجب الذي يعتبر أول من فصل بين علم النحو وعلم الصرف، فألف ” الكافية في النحو ” و ” الشافية في التصريف”، إلى أن يكشف الزمن لثامه عن إمامنا ابن مالك (محمد بن عبد الله بن عبدالله بن مالك).

الإمام ابن مالك:

نسبه ونشأته:

اسمه (محمد بن عبدالله بن عبدالله بن مالك) جمال الدين أبو عبدالله ، الفتى القادم من جيان الأندلس المولود فيها سنة 600 هـ، حافظ للقراءن الكريم وقراءاته، المتعلم للنحو والفقه وفق منهج المالكية، استقر في الشام سنة 630 هـ في الشام ليكون النابغة المشار إليه بالبنان في عصره لمعرفته الدقيقة في النحو واللغة وشعر العرب .

أخذ علمه من علماء الشام، كان إمام المدرسة السلطانية بحلب و حماة، عاش أكثر من سبعين عاماً قضاهنّ في الدراسة و التعليم و التصنيف، اعتمد في اختيار الشاهد وفق الترتيب المرجعي للأصول النحوية المتمثل في : القرآن الكريم، فإن لم يجد انتقل إلى الحديث، و إن لم يكن فيه عَدِل لأشعار العرب.

رأي النحويين في ابن مالك:

صرف همته إلى إتقان لسان العرب، حتى بلغ فيه الغاية فكان حَبراً لا يجارى، و كان إماماً باللغة العربية وبحراً في النحو و التصريف، و إماماً في القراءات و عِللها، و إماماً في حفظ الشواهد و ضبطها، و له من الدين المتين، و التقوى الراسخة.

الذهبي.

كان من الدين المتين، وصدق اللهجة، وكثرة النوافل، وحسن السمت، مع رقّة في القلب، وكمال العقل.

تاج الدين السبكي.

شيخنا الذي انتهت إليه في عصرنا الإمامة في اللغة العربية … و أثنى عليه كثيراً، و كان ابن مالك من شدّة إخلاصه يقف على باب مدرسة العادلية، و يقول: هل من راغب في علم الحديث أو التفسير أو كذا أو كذا، قد أخلصتها من ذمتي، فإذا لم يجد قال: خرجت من آفة الكتمان. و كان من همّته العالية التي شهدت عليها جوارحه، أن قيل عنه أنّه قد حفظ يوم موته ستة من الأبيات، وإذا بحثوا عنه وجدوه منكبّاً فوق الأوراق يكتب .. وما الإنسان إلا بطيب أعماله.

النووي.

مؤلفات ابن مالك:

  • تسهيل الفوائد في النحو.
  • الضرب في معرفة لسان العرب.
  • الكافية الشافية.
  • سبك المنظوم وفك المختوم.
  • ألفية ابن مالك.

طلاب الإمام ابن مالك:

احتلّ ابن مالك مكانة مرموقة بين النحويين في عصره، وصنف بالريادة في النحو وعلم القراءات، وتخرج من بين يديه طلاب أفذاذ أصحاب بوح نحوي راسخ آنذاك، ومن أهم طلابه ما يلي:

  • محمد بدرالدين.
  • أبو الثناء محمود الحلبي.
  • ابن النحاس.
  • أبو الحسن اليونيني.
  • الإمام النووي.
    شهاب الدين محمود.

وفاة الإمام ابن مالك:

الإمام الزاهد الورع الحريص على علمه، في آخر لحظاته مع الحياة يحفظ ثمانية أبيات من الشعر لمّا عرف عنه من شغفه بالمطالعة، ومراجعة كل ما يقرؤه لطلابه، دائم الصلاة وقراءة القرآن الكريم، توفي- رحمه الله- في 1274م.


شارك المقالة: