الأرواح المتمردة_ جبران خليل جبران

اقرأ في هذا المقال


القصّة القصيرة هي فن من الفنون الأدبيّة النّثرية، وهي تصوّر جانبًا من جوانب حياة شخصية ما، وربّما تصوّر موقفًا معينًا بشكل مكثّف، وهي أقصر من الرواية، وقد كانت بدايات ظهور القصة القصيرة في منتصف القرن التاسع عشر، وازدهرت في بدايات القرن العشرين.

من هو جبران خليل جبران؟

وُلد الأديب اللبنانيّ في إحدى المدن الصّغيرة، والتي تقع فوق وادي قاديشا في شمال لبنان، وتُدعى “بشري”، وكان ميلاده في السّادس من كانون الثاني عام 1883، وقد تجرّع جبران الفقر والقهر، والسّبب والده الذي أهمل عائلته، غير أنّ أمّه كانت امرأة ذكيّة، وهي بالفعل قد تركت أثرًا عظيمًا وعميقًا في شخصيته، فكانت هذه النّبتة العظيمة: “جبران الكاتب والشّاعر والرّسام”، والتي نشرت عطرها في بلاد المهجر الشّمالي وفي كل أنحاء العالم.

نبذة عن الأرواح المتمردة

قصّة الأرواح المتمردة هي مجموعة من القصص، وهي في أول إصدار لها كانت باللغة العربيّة سنة 1908، في نيويورك، وقد قام بنشرها في جريدة “المهاجر” لصاحبها: “أمين الغرّيب”، وفي صدره التّقدمة التّالية: “إلى الرّوح التي عانقت روحي، إلى القلب الذي سكب أسراره في قلبي، إلى اليد التي أوقدت شعلة عواطفي أرفع هذا الكتاب“، وفي الكتاب يتحدّث عن أرواح قد تمرّدت على التّقاليد والشّرائع القاسية، وكعادة جبران في جميع مؤلفاته، فهو قد اتّخذ من الحكايات الواقعية ظاهرًا، ثورةً على المعاني المعنوية، فالشخصيات عنده غالبًا دمىً يتحكّم فيها كيفما شاء، وهي بوق يعزف من خلاله صوته الحادّ، وقد قسّم جبران كتابه هذا إلى أربع قصص، تحمل كلّ واحدة منها رمزيةً ومعاني مختلفة وفريدة، وصكّ لها عناوين كالآتي: “وردة الهاني، بيت الأشباح أو صراخ القبور، مضجع العروس، إيليا في الصّحراء”.

نبذة عن القصص الواردة في الأرواح المتمردة:

القصة الأولى: “وردة الهاني”

أمّا السّيّدة وردة الهاني، فهي امرأة تتّسم ببعد الفكر، وصدق القلب، كما أنّها جميلة الوجه، نبيلة الرّوح، قام أهلها بتزويجها من رجل ثريّ، أمّا قلبها فقد كان معلّقًا بشاب فقير الحال، غير أنّه تمكّن من امتلاك مشاعرها، رغم أنّ زوجها الثّريّ قد حاول جاهدًا أن يقدّم لها جميع احتياجاتها كامرأة؛ كي تحيا بسعادة وهناء، إلّا أنّه لم يتمكّن من أن يحظى بقلبها، الذي لامسه شاب أثار كوامن نفسها، مثلما أثارت كوامن نفسه، فما كان منها إلّا أن هجرت زوجها، وتبعت حبيبها، وهي غير مكترثة بالقطيعة الاجتماعية، ونكران النّاس لها.

القصة الثانية: “صراخ القبور” أو “بيت الأشباح”

أمّا القصّة الثّانية التي ضمّنها جبران صفحات كتابه فهي: “صراخ القبور أو بيت الأشباح”، فهي قصّة عن ثلاثة رجال، وكان الأمير قد قضى عليهم بالموت، ولكن من دون أن يسمع منهم أو يسمع شهادة أيّ شاهد في قضاياهم، أمّا أوّل الثّلاثة فقد كان شابًّا اتُّهم بقتل ضابطٍ غير أنّه في الحقيقة كان مدافعًا عن عرضه وشرفه، وذلك حين أتى أحد أتباع الأمير إلى بستان والد الفتاة، وهي خطيبة ذلك الشّاب، فما كان إلّا أن طلب منه ضريبة يعجز الأثرياء عن دفعها؛ لذلك قام تابع الأمير بأخذ الفتاة عوضًا عن الضّريبة، فما كان من الفتاة إلّا أن صرخت طالبة النّجدة، وهذا تزامن مع قدوم خطيبها، الذي خلّصها بقتل تابع الأمير.

ثاني الأشخاص في قصّة صراخ القبور فهي لفتاة، قد زوّجها أهلها مرغمة، وكانت مُتعلّقة بشاب منذ الصّبا، غير أنّ والدها أكرهها على الزّواج من رجل تمقته في ظلّ غياب الشّاب الذي عشقته، وبعد رجوع الشّاب ذهب إليها، وجلس معها والسّكينة حديثهما، والعفاف ثالثهما، وفجأة دخل زوجها واتّهمها بالخيانة، فسيقت إلى السّجن، ورُجمت عارية حتى الموت، وأمّا ثالث الضحايا فهو رجل مُسنّ، قد قضى عمره يعمل في دير، وبشكل فجائيّ استغنوا عنه كي يستبدلوه بآخر، وقد حاول الرّجل المسنّ البحث عن عمل، غير أنّه لم يجد، فجاعت عائلته ولم يستطع أن يسدّ الرّمق، فذهب إلى أحد أقبية الدّير، وأخذ القليل من الدّقيق، وبعد لحظات قبضوا عليه ورموه بالسّجن، ثمّ سيق إلى المشنقة.

القصة الثالثة: “مضجع العروس”

مضجع العروس هي قصّة من الواقع جرت أحداثها في شمال لبنان، وهي عن فتاة وفتى أحبّ أحدهما الآخر وهام به، إلّا أنّ الفتاة زُفّت لغيره، وفي يوم الزّفاف نما إلى مسامعها أنّ حبيبها قد عشق أخرى، فلمّا رأت حبيبها بين الجماهير، أرسلت إليه أنّها ترغب في رؤيته، ولما أتاها أخذت تسأله عن حقيقة ما سمعت، فما كان منه إلّا أن أجاب بنعم، ثمّ إنّها كرّرت السّؤال، وحبيبها يكرّر ذات الجواب، فما كان منها إلّا أن استلّت خنجرًا وطعنته، عند ذاك باح الشّاب بحبّه العظيم لفتاته، وأنكر ما وصل لمسامعها عن خيانته، صُعقت الفتاة وأخذت تدعو النّاس إلى عرسها الحقيقي، وبقيت تتكلّم فوق جثة حبيبها، ثم أغمدت الخنجر في صدرها، واستمرّت بالكلام إلى أن فارقت الحياة.

القصة الرابعة: “خليل الكافر”

أمّا قصّة خليل الكافر، فهي تحكي وتصف فساد الدّين، وكيف يستخدمه البعض كأداة ووسيلة كي يفرضوا الخضوع على أتباعه عوضًا عن رحمة للعالمين، وتُختم أجمل حكايات كتاب: “الأرواح المتمردة” وأطولها بانتصارٍ عظيم للحقّ، والذي يصوّره ويجسّده الشّاب خليل الذي لم يستطع أن يسكت عن حقّه؛ فقد كان جسورًا شجاعًا، وقام بمواجهة من هو أقوى وأكبر منه سنًّا ومنصبًا بالمعرفة والبرهان، وكما أنّه أنكر ما يدّعون ويزعمون أنّه المنهج الصّحيح بعينه بما يتلاءم مع راحتهم ويتماشى مع مصالحهم، غير أنّ بطل القصّة: “خليل”، كان يأتي بكلمات وعبارات من الكتاب المقدّس تبيّن عكس ما جاء به هؤلاء لمّا واجههم، وبهذا اتُّهم بأنّه كافر.

تحليل أدبي لكتاب الأرواح المتمردة لجبران خليل جبران:

في الحقيقة أنّ جبران قد كان شاعرًا، وهو كذلك رسّام ومفكّر، وفي الأرواح المتمرّدة لقد كان في سباق مع الزّمن، أذ إنّه اشتمل على التّشبيهات، والكلمات العميقة المعبّرة، واللغة المتينة، والفكر الصافي، والعاطفة المؤثرة، هذا بالإضافة إلى كونه كتاب حوى بين طيّاته تمرّدًا على الواقع، ففي قصّة وردة الهاني جعل جبران من وردة بؤرة قوية للتّخلص من مظالم التّقاليد الزّوجية، فهي حكاية سيّدة مظلومة بأسلوب بليغ ومؤثّر، وفيها برزت أسلوب جبران وحماسته بقوة وإخلاص، حين قال: “لا يمكنهم أن يدركوا كنه أوجاع المرأة عندما تقف نفسها بين رجل تحبّه بإرادة السماء ورجل تلتصق به بشريعة الأرض“، وفي قصّته: “صراخ القبور”، رتّب حوادثها وأشخاصها ترتيبًا قلقًا مضطربًا غير مستقرّ؛ ليجاري ويساير فيه الواقع المرّ الذي كان يعيشه، وقد ترك السّبيل مفتوحًا لقلمه أن يكتب على هواه واصفًا ومستهزئًا ومنتقدًا ومندّدًا.


شارك المقالة: