البعد الأخلاقي في فكر بيكون

اقرأ في هذا المقال


تم الاستخفاف بالبعد الأخلاقي لفكر الفيلسوف فرانسيس بيكون من قبل أجيال من العلماء، ومرارًا وتكرارًا تم اشتقاق النفعية الخام من الكتاب الأول الحكمة 1 من كتابة الأداة الجديدة (Novum Organum)، ومع ذلك فإنّ هذا لا يمكن أن يصمد أمام تحليل أقرب لفكرة.

التفكير الأخلاقي لبيكون:

نظرًا لأنّ فلسفة بيكون العلمية تحاول الإجابة على سؤال حول كيف يمكن للإنسان التغلب على أوجه القصور في الحياة الأرضية الناتجة عن السقوط فإنّه يدخل إلى عالم التفكير الأخلاقي، ولا يبدأ تحسين نصيب البشرية عن طريق الفلسفة والعلم من وجهة نظر نفعية ضيقة، وبما في ذلك السعي المطلق لتحقيق الربح ودعم قوة أو تأثير مجموعات مختارة من الرجال، ولكن بدلاً من ذلك يؤكد على بناء عالم أفضل للبشرية، والتي قد تظهر من خلال التحقق من الحقائق حول طريقة عمل الطبيعة.

وهكذا فإنّ منظور العام في الفكر الأخلاقي بيكون هو السيادة، كما أنّه يتجاوز نطاق العلم والتكنولوجيا بمعناهما الأخلاقي مجال تطبيق الأدوات و / أو الآلات بقدر ما يكون الهدف هو تحويل الأنظمة بأكملها، حيث نظرًا لأنّ السببية والنهاية يمكن أن يتفاعلا على أساس إرادة الإنسان والمعرفة فإنّ تعددية العوالم تصبح ممكنة.

بيكون ومفهوم الخير:

ترتبط الفلسفة الأخلاقية ارتباطًا وثيقًا بالتأملات الأخلاقية في العلاقة بين طبيعة الفضائل (المعتادة أو الفطرية؟) واستخدامها في الحياة بشكل فردي وجماعي، أي تطبيق لمبادئ الفضيلة يفترض لبيكون تربية العقل حتى نتعلم ما هو صالح وما ينبغي بلوغه، حيث يوضح بيكون بأنّه يبدو أنّ التقسيم الرئيسي والبدائي للمعرفة الأخلاقية هو في نموذج أو منهاج الخير ونظام ثقافة العقل، حيث أحدهما يصف طبيعة الخير، والآخر يحدد قواعد كيفية إخضاع إرادة الإنسان وتطبيقها واستيعابها.

لذلك بالفعل في كتابه تقدم التعلم درس بيكون:

1- طبيعة الخير وميّز أنواع مختلفة من الخير.

2- أصرّ على واجب الفرد تجاه الجمهور.

3- ضبط النفس الأخلاقي الخاص والالتزامات المصاحبة لها صلة بالسلوك والعمل في المجتمع.

4- كما ترتبط الشخصية الأخلاقية للفرد بالأخلاق بالرجوع إلى السلوك المقبول.

على الرغم من أنّ ما يمكننا القيام به قد يكون محدودًا، إلّا أنّه يتعين علينا حشد قوانا النفسية والتحكم في عواطفنا عند التعامل مع أنفسنا ومع الآخرين، حيث نحن بحاجة إلى تطبيق الانضباط الذاتي والتقييم العقلاني، وكذلك كبح جماح عواطفنا من أجل عيش حياة أخلاقية نشطة في المجتمع، وهكذا بالنسبة لبيكون فإنّ اكتساب المعرفة لا يتزامن ببساطة مع إمكانية ممارسة القوة، فالمعرفة العلمية شرط لتوسع الحضارة وتطورها، ولذلك لا يمكن فصل المعرفة عن الصدقة.

فلسفة بيكون في الغاية من المعرفة:

فمن وجهة نظر بيكون فإنّه يقدم تحذيرًا لجميع الناس في رحلتهم للسعي وراء الوصول غلى الحقيقة، من حيث أنّهم يعتبرون الغايات والأهداف الحقيقية للمعرفة لعدة أسباب ومنها:

1- يسعون إليها ليس لمتعة العقل.

2- أو يسعون إليها من أجل الخلاف.

3- أو للتفوق على الآخرين.

4- أو للربح.

5- أو الشهرة.

6- أو السلطة أو أيًا من هذه الأشياء المتدنية.

بل إنّ الغرض الحقيقي من المعرفة هو منفعة الحياة واستخدامها حيث أنّهم يتقنوه ويحكمونه في الصدقة، وذلك لانّه من شهوة القوة سقطت الملائكة ولكن من شهوة المعرفة سقط الإنسان، ولكن بالصدقة لا يمكن أن يكون هناك فائض حيث لا ملاك ولا إنسان تعرضوا للخطر بها.

مثالية بيكون:

أخيرًا الرأي القائل بأنّ (Nova Atlantis) لبيكون: “يتعلق بمجتمع طوباوي منظم بعناية لأغراض البحث العلمي والعيش الفاضل” ينطبق على عمله طوال حياته، ففي (Nova Atlantis) يتم تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية والعلمية وفقًا لمبدأ الكفاءة، وذلك من خلال منزل سالومون وفندق نيو أتلانتس وغيرها من الحيثيات التي يتحدث عنها الفيلسوف بيكون في عمله الفلسفي (Nova Atlantis).

حيث تسمح طبيعة السياسة الواقعية لبيكون لأتلانتس الجديدة بتحقيق ما يمكن أن يحققه عدد قليل جدًا من اليوتوبيا، واليوتوبيا أي المثالية هو كومنولث مثالي يعيش سكانه في ظل ظروف تبدو مثالية، ومن ثم فإنّ اليوتوبيا والطوباوية هي كلمات تستخدم للإشارة إلى الإصلاح البصري الذي يميل إلى أن يكون مثاليًا بشكل مستحيل.

فيدور فندق نيو أتلانتس بشكل أساسي حول المفهوم الثوري لمنزل سالومون، ويتم تقديم منزل سالومون باعتباره المؤسسة الأكثر حكمة على الإطلاق، حيث وصفه حاكم منزل الغرباء بأنّه أشرف مؤسسة كما نعتقد التي كانت موجودة على الأرض، ويستمر الحاكم في توضيح أنّ منزل سالومون يكتشف الطبيعة الحقيقية للأشياء، وهي في الأساس عملية علمية.

ويبدو أيضًا أنّ هناك العديد من الطبقات والوظائف الأخرى في منزل سالومون، وإذا ظلت هذه الجوانب الأخرى متسقة مع الهدف النهائي العلمي فيمكن القول حقًا أنّ منزل سالومون هو المؤسسة العلمية لبنسالم، وبمجرد استكشاف هيكل منزل سالومون بالكامل يصبح من الواضح أنّه أكثر تعقيدًا بكثير من مجرد مؤسسة علمية.

كما أنّه خلال النظر إلى بلد بنسالم الخيالي في (Nova Atlantis)، يمكننا أن نرى علاقة بيكون المثالية بين المؤسسة العلمية (منزل سالومون) والدولة حيث:

1- أولاً يفحص الدولة ومنزل سالومون بشكل مستقل عن بعضهما البعض ثم كيف يتفاعلان.

2- ثانيًا يوضح لنا بيكون أنّ وجود مؤسسة علمية قوية ومستقلة أمر ضروري لتأسيس حالة دائمة جيدة التنظيم.

ولكن بيت سالومون هو مؤسسة بحثية منفصلة ومحترمة للغاية، والتي مع ذلك ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنظام بنسالم العام.

حيث أنّه في حالته المثالية يقدم بيكون حياة جماعية شاملة في المجتمع والعلم، وكلاهما قائم على الدين الموحى، فالدين -المسيحي في جوهره- ليس عقائديًا لكنه يغرس في شعب بنسالم تبجيلًا لأعضاء المجتمع الحكماء والمثاليين أخلاقياً، وهو -وهو أمر في غاية الأهمية- أقصى درجات الانضباط، حيث أنّ الانضباط أمر لا غنى عنه لأولئك المنخرطين في الحياة الدينية وكذلك للباحثين، حيث يجب المضي قدما بشكل منهجي.

كما تحدد الهياكل المتشابهة للطبيعة والعلم من ناحية والمجتمع والدين من ناحية أخرى، أنماط الإجراءات السياسية والعمليات الاجتماعية والمواقف الدينية والتي تتغلب على أي رغبة في الفردية، وإذا تم إثبات صحة الدين والبحث العلمي في بنسالم فعندئذٍ وفقًا لبيكون يعمل الخيال كوسيلة لتوضيح الوحي العلمي، حيث هدف بيكون هو  إظهار أنّ البحث العلمي الذي يتم متابعته بشكل صحيح لا يتعارض مع الملاءمة الدينية والاجتماعية.

العلماء في بنسالم باحثون مقدسون عن الحقيقة: أي الأخلاق والدين والعلم يندمجون، وإستراتيجية بيكون المكافئة والتي يجب ألّا نفصلها عن قوة وعقيدة الأصنام التي تمكنه من القيام بالكثير من حيلته في تقديم أفكار جديدة مثل المهرب، أي يتم تهريب بضاعته الملونة إلى أذهان قرائه من خلال تصورها من منظور مقدس وطقوس رمزية للغاية.

فالعلم والدين منفصلان في (Nova Atlantis) لكنهما مترابطان أيضًا من خلال مكاتب مجتمع بنسالم، ومن الواضح أنّ ما يريد بيكون توضيحه لقرائه هو أنّ مثال بنسالم يجب أن يحررهم من أي خوف من أن يؤدي التقدم العلمي إلى الفوضى والاضطراب.

وهذه النقطة الحاسمة قدمها الفيلسوف الألماني يورغن ميتلستراس (Jürgen Mittelstrass) الذي يفهم بيكون (Nova Atlantis) على أنّها مدينة فاضلة ويعتبر اليوتوبيا، وهنا قال مخططات ميتلستراس بأنّ: “العقل العملي وليس النظري أي: لقد وضعت هناك بالضبط، حيث تبدو الفكرة الحديثة المبكرة للتقدم هزيلة فيما يتعلق بالمحتويات، أي ضمن الأخلاق والنظرية السياسية”.

المصدر: Francis BaconFrancis Bacon (1561—1626) The Letters and the Life of Francis Bacon, edited by J. Spedding, 7 vols. London: Longman, Green, Longman, and Roberts.Anderson, F. H., 1948, The Philosophy of Francis Bacon, Chicago: University of Chicago Press.Farrington, B., 1964, The Philosophy of Francis Bacon, Liverpool: Liverpool University Press.


شارك المقالة: