الفلسفة الأخلاقية في خدمة قوة الأخلاق البشرية

اقرأ في هذا المقال


قصد الفيلسوف روجر بيكون التفكير الأخلاقي لخدمة المصالح الخلاصية للبشرية، ولقد تصوره على أنّه (عملي) بمعنى مزدوج، فمن ناحية الفلسفة الأخلاقية هي ممارسة أخلاقية بشرية يتم التعامل معها من وجهة نظر تأملية، وتتكون من التأمل والبرهان أو الحقائق الأخلاقية وتوجه في النهاية نحو التوجيه العملي، ومن ناحية أخرى تعتبر الفلسفة الأخلاقية عملية من حيث أنّها تنطوي على جهد فعال لحث الناس على التصرف بشكل أخلاقي (التأليف المعنوي) من خلال استخدام الحجج البلاغية والشاعرية.

الفاعلية الأخلاقية لدى بيكون:

إنّ من يخاطبهم الإقناع الأخلاقي هم بالنسبة لبيكون من غير المسيحيين والمسيحيين الذين يعانون من الجنونالعقلي أو أولئك العاجزين أخلاقياً بسبب إرادة فاسدة، وفي أي من هاتين الحالتين كانت عين بيكون موجهة نحو السعادة البشرية والآثار الدينية والاجتماعية والشخصية للفاعلية الأخلاقية البشرية لتحقيق تلك السعادة، ونظرًا لأنّ بيكون فهم أنّ الممارسة البشرية هي إقامة علاقة مع الله من خلال العبادة، ومع الآخرين في المجتمع وبالذات الفردية، فإنّ كونك جيدًا بالنسبة لبيكون يعني التصرف بشكل فاضل في كل هذه العلاقات.

يتمثل الغرض من الفرع العملي للفلسفة الأخلاقية وفائدتها في إنتاج المواقف المقابلة تجاه الله والجار والنفس من خلال استخدام الحجج البلاغية والشاعرية، ومن ثم فقد تم تقسيم الإقناع الأخلاقي وفقًا لما يتعلق بالممارسة الأخلاقية للإيمان (credendum) والعمل (operandum) والحكم الصحيح (recte iudicandum) وفي هذا يتكون من خدمته للبشرية.

فلسفة بيكون في تحويل غير المسيحيين:

يرتبط الجزء الرابع من مقال (Moralis Philosophia) الذي يتعامل مع تحويل غير المسيحيين ارتباطًا وثيقًا بالجزء الرابع من (Opus Maius) حول الرياضيات، واعتمد بيكون على النظريات الفلكية التي حددها سابقًا في تأملاته الرياضية في (Opus Maius) لإنشاء سرد للطوائف الدينية المختلفة (المقاطع) في (Moralis Philosophia).

استندت الخلفية المنهجية لتطبيق الرياضيات على الأمور الدينية إلى نظرية بيكون في العلوم، وفقًا لما تنص عليه جميع العلوم مرتبطة على مستوى نسبي أعمق بقدر ما لها أصل إلهي، وبالتالي تشترك في هدف خدمة أو تسهيل سعي البشرية لتحقيق أعلى فائدة، وعلاوة على ذلك وفقًا لبيكون فإنّ العلوم التأملية الموجهة نحو التأمل في الحقائق هي تابعة للعلوم العملية التي تهدف إلى الخير، حيث إنّ الخير كنهاية للفعل يتفوق على الحقيقة كنهاية للتخمين، وحدد بيكون هذه العلاقة الهرمية من حيث المنفعة.

بالنسبة إلى بيكون فإنّ العلوم الرياضية والتي يعتبر علم الفلك والتنجيم أحدها مفيدة في الأمور العلمانية والإلهية، وبالنسبة إلى اللاهوت مثلًا يصف بيكون بإيجاز سبعة مجالات لتطبيق الرياضيات، بما في ذلك موقع الجحيم والجنة (الجغرافيا) أو مسار التاريخ البشري منذ الخلق (التسلسل الزمني).

فيما يتعلق بعلم الفلك بشكل عام كانت فكرة منتشرة على نطاق واسع بين مفكري العصور الوسطى مفادها أنّ علم الفلك له صلة مباشرة بالوضع البشري وبالتالي بالفلسفة الأخلاقية، لأنّه كما كان مقبولًا بشكل عام في ذلك الوقت حركات وطبيعة السماوية الأجسام عن طريق الأشعة والتي تتأثر العمليات والأجسام تحت القمر، ووفقا لبيكون علم الفلك القضائي (علم التنجيم) على وجه الخصوص مفيد.

فيما يتعلق بالحاضر أشار علم الفلك القضائي إلى ذلك وأي نوع من التأثير الأخلاقي الغريب لكل كوكب على أجسام الأرض الحية وغير الحية، وكان يعتقد أنّ هذه المعرفة كانت مفيدة لعمل الإقناع الأخلاقي، وهكذا اعتبر بيكون أنّ القضايا الأخلاقية والاجتماعية مثل المزاج أو الشخصية وأشكال التنظيم الاجتماعي وأنواع الحكم تعتمد على الأبراج الفلكية.

ولم يؤمن بيكون أنّ الأفراد يتأثرون بالأبراج أو المناخ فحسب بل يعتقد أيضًا أنّ المجتمعات بأكملها تتأثر، وهكذا يمكن لعالم الفلك الحقيقي أن يصنع التخمينات على أساس العادات والتقاليد، والتي بدورها تعتمد على المزاج والمناخ، ويعتقد بيكون أنّ هذا هو السبب في أنّ الفلسفة الأخلاقية يجب أن تأخذ في الاعتبار علم الفلك والتنجيم في عملها على تحويل الكفار.

وفقًا للنتائج الفلكية ذكر بيكون في مقاله (Moralis Philosophia) أنّ هناك ستة طوائف رئيسية أو دساتير اجتماعية (قانون)، من بينها سرد:

1- ساراسين: وهم العرب والمسلمين.

2- التتار.

3- الوثنيين.

4- المشركين.

5- اليهود.

6- المسيحيين.

وفيما يتعلق بالمهمة العملية للفلسفة الأخلاقية اعتبر بيكون أنّ هدفها الأول هو اهتداء هذه الطوائف، وثني أرواح غير المسيحيين حتى يقبلوا ويؤمنوا بحقائق المسيحية، ورأى بيكون أنّ الوسائل التي ينبغي من خلالها إقناعهم بحقيقة المسيحية هي تلك المشتركة بين جميع الناس، وبدلاً من اللجوء إلى السلطات المسيحية يجب أن تستأنف الحجج المستخدمة العقل الطبيعي، وأوصى بيكون بهذا التحويل من خلال اللغة والخطاب في الأساس باعتباره أكثر قيمة من أي حرب أو اهتداء بالسيف.

الأعمال الأخلاقية والبلاغة:

من وجهة نظر بيكون كانت الحاجة الإنسانية للإقناع الأخلاقي واضحة ليس فقط من خلال اتصال المسيحيين بغير المسيحيين ولكن أيضًا في حالة المجتمع الفاسدة، ويعتقد بيكون أنّ الفساد المجتمعي كان انعكاسًا لأوجه القصور في المناهج الدراسية، حيث كان النقص في تعليمهم القواعد والمنطق الرسمي بدلاً من الخطابة والشعرية.

أقر بيكون بأنّ الأعمال الأخلاقية التي تتكون من اكتساب سمات شخصية فاضلة، والامتثال الطوعي للقوانين المدنية والعبادة الدينية كان من الصعب جدًا تحقيقها، وفي الواقع اعتبرهم أصعب بكثير من فهم الموضوعات العلمية، والسببان وراء البلادة البشرية فيما يتعلق بالأعمال الأخلاقية هما:

  • أنّ الأعمال الأخلاقية في حد ذاتها لديها درجة أعلى من الصعوبة من الموضوعات التجريبية العلمية بسبب كونها غير مدركة أي مفهومة فقط.
  • أنّ إرادة الإنسان فاسدة ولا تتمتع بتنفيذ مثل هذه الأعمال، وهي الأهم.

حيث تنجذب إرادة الإنسان إلى الملذات المعقولة والزمانية أكثر مما تنجذب إلى الملذات الأبدية والعديمة الإحساس، وأضاف بيكون أنّ إرادتنا (المؤثرة) تشبه الشخص المصاب بالشلل الذي لا يستطيع رؤية الطعام اللذيذ الذي يوضع أمامه، وبالتالي فإنّ الفشل في التصرف بشكل أخلاقي هو فشل في النية وليس عجزًا معرفيًا، بما أنّ الفضيلة والسعادة أهم من التقدم العلمي الفردي، وبما أنّه يجب إقناع بعض الناس بالعمل الأخلاقي فقد أوكل بيكون مهمة الإقناع الأخلاقي إلى الفرع العملي للفلسفة الأخلاقية.

من أجل الإقناع الأخلاقي الفعال حدد بيكون نوعًا من الكلام القادر على التأثير في العقل البشري، وهي طريقة للتحدث إلى الناس تأخذ في الاعتبار الحقائق الأساسية لعلم النفس البشري، ونظرًا لأنّ الفاعلية الأخلاقية تعتمد على عوامل مثل الرغبة والإرادة والدافع والحصافة -وكلها مرتبطة بالعقل العملي- يجب أن تكون الحجج المستخدمة في الإقناع الأخلاقي قادرة على جذب الفكر العملي وقوية بما يكفي لعلاج الشلل الأخلاقي.

لم يكن يجب تدريس الحجج فحسب بل كان لابد من جذب انتباه المستمعين وإثارة حبهم للخير، وفي عملية تحديد الوسائل المناسبة للإقناع الأخلاقي، استبعد بيكون الشكلين العلميين التقليديين للحجة:

  • الحجج الديالكتيكية.
  • الحجج التوضيحية.

على الرغم من الموافقة على الرأي القائل بأنّ الحجج التوضيحية فقط هي التي تحرك العقل نحو معرفة الحقائق، فقد رأى بيكون أنّ حقيقة أن يتم تحريكك عن طريق الجدل نحو معرفة الحقيقة حول موضوع ما لا يكفي لحث البشر على حب الخير والتصرف وفقًا له، فبالنسبة إلى بيكون فإنّ إثارة حب الخير الذي ينتج عنه فعل يتطلب نوعًا من الحجة الحاملة للحقيقة التي تروق للعقل العملي، ويجب أن تشارك العواطف والرغبات البشرية بدلاً من العقل التأملي، الذي يقتصر فقط على استيعاب الحقائق وليس المشاركة في الممارسة الأخلاقية.

إنّ الحجة الصحيحة في سياق الشؤون الأخلاقية والمدنية للإنسان تولد الفعل، وهكذا وفقًا لبيكون كان الإقناع الأخلاقي لا ينفصل عن مبادئ البلاغة التي من خلالها يُجعل المستمع سهل الانقياد والخير واليقظة، وعن طريق الكلمات المبهجة يمكن أن تحمل روح المستمع بعيدًا وتتأرجح نحو الخير، وتشمل هذه الكلمات المبهجة على سبيل المثال البلاغة والشعرية كما هي موجودة في هوراس.

في الأمور المتعلقة بالعدالة والفضائل والسعادة والإيمان حيث يكون الانجذاب إلى العواطف والرغبات والأمل حاسمًا للغاية، اعتقد بيكون أنّ الخطابة والشاعرية أنسب بكثير من المظاهرات أو الحجج الديالكتيكية، ولهذه الأسباب كما أشار بيكون للبابا فإنّ اختفاء الخطابة والشعرية من المناهج الدراسية وعدم قدرة الطلاب على تأليف مثل هذه الحجج طرح مشكلة للمجتمع ككل.

المصدر: Roger BaconRoger Bacon (1214–1292)Adamson, Robert, 1876, Roger Bacon: The Philosophy of Science in the Middle Ages, Manchester.Carton R (1923) L’experience physique chez Roger Bacon. J. Vrin, Paris


شارك المقالة: