الفلسفة الاجتماعية والسياسية والتعليم لدى أندرسون

اقرأ في هذا المقال


من تعليمه المبكر في إدنبرة أثر الفيلسوف جون أندرسون على الفكر الاجتماعي والسياسي لراش ريس، وكذلك بشكل غير مباشر على فكر ألاسدير ماكنتاير الذي أدرك الموضوعات المشتركة وقيمتها في نظرته الاجتماعية والتاريخية للأخلاق، وفي الخمسينيات من القرن الماضي بدأت فلسفة أندرسون في التعليم والتي رأى أنّها لها تأثير كبير في الحياة الفكرية للأفراد.

الفكر الاجتماعي والسياسي لدى أندرسون:

تأثر فكر أندرسون الأخلاقي والسياسي بشدة بكتابات الاشتراكي الفرنسي جورج سوريل (وقبله الاشتراكي التحرري بيير جوزيف برودون)، وعلى الرغم من تخلي أندرسون عن الشيوعية والاشتراكية كحركات مر وقتها إلّا أنّ تأثير هؤلاء المفكرين الذين كانت الاشتراكية بالنسبة لهم حركة أخلاقية بقي معه.

في جميع مجالات النشاط البشري هناك تضارب بين ما وصفه سوريل بأخلاقيات المنتج التي تتميز بالسعي العفوي والتعاوني، وأخلاقيات المستهلك التي تتميز بأخلاق فعالة تتمثل في الثواب والعقاب والالتزام والواجب، فالأخلاق مناسبة تمامًا من الناحية الاجتماعية للسوق (ومن الناحية النفسية البحتة للالتزامات القهرية للشخصية العصابية).

وبشكل أكثر دقة بالنسبة لأندرسون فإنّ أخلاقيات المستهلك هي أخلاقيات بدون موضوع، ففي التاريخ هناك فترات كلاسيكية من الإنجاز الثقافي على عكس الفترات التي نكافح فيها لإيجاد موضوع على الإطلاق، أي الفترات التي لا يحدث فيها شيء حقًا ولا يتطور أي شيء من الداخل.

أعجب أندرسون أيضًا بوجهة نظر فيكو الدورية للتاريخ، وبحلول الأربعينيات من القرن الماضي لم يكن قد استسلم فقط لانهيار الاشتراكية البطولية في القرن التاسع عشر، بل ظهر أيضًا في عصر التفاؤل الذي أعقب الحرب وتخطيط الدولة للمراحل المبكرة لإحدى فترات البربرية في فيكو، وبشكل أكثر إيجابية بالنسبة لأندرسون رفض جميع وجهات النظر الشمولية، فإنّ الأطروحة القائلة بأنّه: “لا توجد صيغة تغطي كل الأشياء” لها نتيجة عملية لدعم وتشجيع حياة المسؤولية والمغامرة لأولئك المستعدين لمواجهة الموقف.

كان أندرسون يهدف إلى محاربة تأثير المثالية في تفكيرنا في القضايا السياسية الواضحة منذ جمهورية أفلاطون، وإنّ المشروع الواقعي الحداثي الذي كان ينوي تطويره في مواجهة النظرة السياسية للمثالية البريطانية سوف يعتمد على المنظرين الرئيسيين للصراع والنضال والحركة التاريخية الدورية: أي هيراكليتس وفيكو وسوريل، وبدلاً من التناقض البسيط بين الفرد والدولة أصّر أندرسون على التفاعل المعقد للحركات والمؤسسات والتقاليد.

وبدلاً من وجود ميل غير مسلح نحو تناغم اجتماعي أكبر من أي وقت مضى أصّر على حتمية الصراع والتكيف المستمر، وما يترتب على ذلك من الحاجة إلى خطوط واضحة للمشاركة النقدية، فالنظام هو حالة توازن هيراكليتية بين قوى متفاعلة معقدة أكثر من كونه معيارًا معياريًا يمكن من خلاله قياس التكوينات الاجتماعية والسياسية القائمة.

الصراع ليس مؤشرًا على الخلل الوظيفي الاجتماعي الذي يحتاج إلى التغلب عليه أو تبريره بعيدًا ولكنه سمة ضرورية لأي مؤسسة اجتماعية، أي فكرة عن حالة مثالية بدون مثل هذه الميزات لا يمكن أن يكون لها تأثير على وضع حياتنا الواقعي الحالي.

يعتبر الفكر السياسي لأندرسون مميزًا لرفضه للدولة باعتبارها الهدف الأساسي للتحقيق والتفكير السياسيين، وهذا الجانب من فكره يتماشى بقوة مع الفكر السياسي الحديث النيتشي والمناهض للإنسانية، وبالنسبة لأندرسون لا يمكن اختزال الاجتماعية في الاتفاقات بين الأفراد الذريين، ومع ذلك في تصريحاته المناهضة للفردانية يبدو أنّه يردد صدى وجهة نظر مثالية للحركات الاجتماعية التي صورها، على سبيل المثال برنارد بوسانكيه الذي شجب بالمثل (العزلة الطاردة) للفردانية الذرية.

وتعتمد الثقافة والإنجاز البشري على قدرة البشر على الانخراط في أنشطة تخرجهم عن أنفسهم، وبصرف النظر عن هذه النضالات مع الطبيعة أو ضمن الحركات الاجتماعية الواسعة ينهار الشخص إلى كيان.

إنّ رفض أندرسون للخير كغاية يجب تحقيقه يطبق على رفضه النهائي للاشتراكية كحركة تقدمية وللماركسية على وجه الخصوص، وإنّ عقيدة التاريخ كنضال هي في نفس الوقت الجزء الليبرالي والعلمي من الماركسية، كما إنّ عقيدة الاشتراكية كشيء يجب تأسيسه (المجتمع غير الطبقي) هي الجزء الذليل منها، فلم تكن الاشتراكية بالنسبة لأندرسون هدفًا يجب تحقيقه بل كانت حركة يجب الانضمام إليها.

إنّ تحسين الظروف الاجتماعية للعمال يمكن أن يتحقق من قبل العمال أنفسهم في عملية تأكيد قيمة وصلاحية أسلوب حياتهم داخل المجال الاجتماعي والسياسي الأوسع، ولكن بمجرد أن أصبح التخفيف الهدف الأساسي للحركة العمالية وممثليها تم الانتهاء من تلك الحركة كقوة تقدمية ومحررة، ويمكن شراؤها من قبل أرباب العمل والدولة، حيث فُهمت الاشتراكية على أنّها قوة تمارس الضغط من أجل تحرك الدولة وتمويلها لمعالجة عدم المساواة في السوق، وأصبحت غارقة في (الخنوع) على أنّها حقيقة تاريخية.

فلسفة التعليم لدى أندرسون:

في الخمسينيات من القرن الماضي تراجع أندرسون عن النظرية السياسية العامة التي كانت سمة من سمات محاضراته وكتاباته في الأربعينيات وحضر المزيد من الأسئلة المحلية والمؤسسية، وظهر هذا التركيز الجديد في محاضراته حول التعليم والنقد، ومن الأمور المركزية في رؤية أندرسون للتعليم رفض أي وجهة نظر نفعية أو أداتية للتعليم، ووجهة نظر التعليم كوسيلة لبعض الأغراض الأخرى.

كما يجب أن يُفهم التعليم على أنّه نشاط له خصائص إيجابية خاصة به، والتعليم أمر بالغ الأهمية مكرس لتطوير الفرضيات والتخلص منها لرؤية من خلال الادعاءات من جميع الأنواع، وإنّه يعني بالنسبة للفرد إيجاد أسلوب حياة ويؤثر على الحياة الكاملة للفرد المتعلم، وتبقى الحياة الفكرية النقدية على أنّها تقليد اجتماعي وحركة ينجذب إليها الأفراد وينخرطون فيها.

تروج كلاسيكية أندرسون لتاريخ الثقافة الأوروبية منذ أوائل الإغريق كتقليد للفكر النقدي الذي يمكن أن ينعش ويقوي التعليم المعاصر ضد افتراس العملية والخنوع في العالم الحديث، ويهتم التعليم بالتدريب في الذوق والحكم، فالفرد المتعلم غير مقيد بفرضيات مجتمعه أو مجموعته، ولكن لكي يلعب التعليم دوره يجب أن يقاوم المعايير الخارجية (مثل تلك التي تحددها مواقف وقدرات المجتمع التجاري أو الاحتياجات المهنية للأعمال) فيما يتعلق بما يجب السماح به وتقييمه في مؤسسات التعليم.

اقترح ريس أنّ أندرسون كان مهتمًا في المقام الأول بالتعليم المدرسي النحوي وهو تعليم لا يناسب الجماهير، على وجه الخصوص بالنسبة لأندرسون يجب مقاومة المعايير المهنية والأخلاقية، فالتعلم الحقيقي ليس سهلاً ولا يمكن أن يكون سهلاً حيث إنّه يتقدم فقط من خلال التغلب على المقاومة، وحياة الاستفسار يجب أن تدافع عن نفسها، وإنّه جزء حقيقي من المجتمع مثل الأنشطة الأخرى.

يمكن لأي نشاط أو مؤسسة تعليمية المضي قدمًا فقط وفقًا لتقاليد معينة مع الأوصياء ومن حيث الأنشطة المشتركة، فالتعليم هو مجرد نزعة تكافح في المجتمع نفسه من بين أمور أخرى، حتى داخل المؤسسات التي يُفترض أنّها مكرسة للأهداف التعليمية، ويجب الدفاع عن القيم التربوية الحقيقية من أجلها.

تحظى محاضرات أندرسون عن التعليم بالاهتمام لأنّها تتضمن الوصف الأكثر شمولاً لتقديره لكلاسيكية ماثيو أرنولد، ولكن بشكل أكثر تحديدًا لموقفه تجاه فلسفة جون ديوي، إلى جانب اعترافه المبكر بأهمية ويليام جيمس (على الأقل الكتابات الميتافيزيقية حول التجريبية الراديكالية) ومقالاته النقدية عن الفيلسوف فرديناند كانينج سكوت شيلر فإنّ النظر في نظرية ديوي التعليمية هو أهم انعكاس للبراغماتية الأمريكية في عمل أندرسون.

كانت مسألة علاقة النظرية بالممارسة هي تلك التي مارسها أندرسون مرارًا وتكرارًا، وكان موقفه هو أنّ الاتصال كان وثيقًا، ولكن ليس في الاتجاه الذي يفترض أنّ البراغماتية تحث عليه، ولم تكن النظرية معتمدة على الممارسة لصحة نتائجها، وبدلًا من ذلك انطلق التحقيق من أنواع معينة من الممارسة، وجعلت بعض أشكال الحياة من الممكن رؤية موضوعية للأشياء.

علاوة على ذلك لم تكن النظرية تابعة للممارسة بالمعنى الأداتي لأنّها كانت في حد ذاتها شكلاً متميزًا من أشكال الممارسة بمتطلباتها ومعاييرها الخاصة، وانعكس أندرسون على هذا السؤال في كل من المحاضرات حول التعليم وأيضًا في محاضراته حول الماركسية وبشكل خاص في أطروحات ماركس حول فيورباخ حيث كان مهتمًا بمعارضة قراءة سيدني هوك البراغماتية للأطروحات، وكان كل من حقيقة نظره في الأطروحات الغامضة واستنتاجاته الجوهرية حول العلاقة بين النظرية والممارسة صدى لدى الماركسيين الألثوسيريين في قسم الفلسفة العامة في السبعينيات.

المصدر: John Anderson (1893-1962)John AndersonAnderson, John (1954) ‘Politics and Morals,’ Australasian Journal of Philosophy 32: 213-22. Anderson, John (1958) ‘Realism’ The Australian Highway (Journal of the Workers Educational Association, Australia): Sept. pp 53 -56.Anderson, John (1959)‘The Illusion of the Epoch’ Australasian Journal of Philosophy 37: 156-67.Hibberd, Fiona, 2009, “John Anderson’s Development of (Situational) Realism and its Bearing on Psychology Today”, History of the Human Sciences, 22(4): 63–92.


شارك المقالة: